لعلها مفارقة عجيبة أن تكون المدينة التي انطلقت منها الشرارة الأولى لثورة يناير، هي المكان الذي يشهد إسدال الستار على قضايا قتل المتظاهرين والتي انتهت في مجملها بالبراءة لجميع المتهمين من قيادات الشرطة، لتقيد كافة وقائع قتل المتظاهرين ضد مجهول!!
السويس.. بلد الغريب.. والتي شهدت سقوط أول شهيد يوم الخامس والعشرين من يناير 2011، أسدل اليوم الستار على قضية قتل المتظاهرين بها حيث قضت محكمة جنايات السويس بالبراءة لجميع المتهمين والبالغ عددهم 14 متهماً من بينهم مدير أمن السويس السابق وقائد الأمن المركزي بالمحافظة وعدد من القيادات الشرطية بها، بالإضافة إلى رجل الأعمال إبراهيم فرج وأبنائه.
وإبراهيم فرج، الملياردير السويسي، كان أشهر من وجهت إليه تهم قتل المتظاهرين إبان ثورة يناير، حتى إنه أطلق عليه «سفاح المتظاهرين»، وتداول نشطاء فيديوهات لفرج وأبنائه وهم يطلقون النار على متظاهرين من أمام معرض السيارات الذي يملكه، وتردد وقتها أنه أسقط هو وأبناءه ما يزيد عن 18 قتيلاً من المتظاهرين.
ردود الأفعال على الحكم، لم تتوافق مع الضجة التي أثارتها هذه القضية، والتي كانت أكثر قضايا قتل المتظاهرين إثارة للجدل، فيبدو أن تعود المصريين على أحكام البراءة المتتالية للمتهمين بقتل الثوار، جعلهم يتعاملون مع حكم قضية السويس باعتباره حدثاً متوقعاً وعادياً، في حين أرجع البعض عدم التفاعل مع القضية إلى الانقلاب العسكري والذي وُصف بأنه انقلاب على ثورة يناير، فلا عجب إذن أن تنتهي أهم قضية من قضايا قتل الثوار بهذه الطريقة دون أن يتذكر أحد ما قدمته هذه المدينة الباسلة طوال أيام الثورة، وكيف اعتبرها كثيرون أنها أيقونة ثورة يناير وليس ميدان التحرير وحده.
بلد الغريب.. والتي يبدو أنه كُتب عليها أن تقدم الشهيد تلو الآخر على مدار عمرها، منذ مقاومة الاحتلال الإنجليزي، مروراً بالمقاومة الباسلة ضد الصهاينة، والدور البطولي للمقاومة الشعبية في حرب أكتوبر، انتهاء بتقديمها أول شهداء الثورة،، دون أن يذكرها أو يتذكرها أحد، أو حتى يقتص ممن قتل أبناءها، تلقت طعنة جديدة حين قرر لها الانقلابيون أن تكون المثوى الأخير لثورة نادت بالعيش والحرية والعدالة الإنسانية… ومن يدري؛ لعل من رحم هذه الأرض تنبت ثورة جديدة، فهكذا قدر السويس.. وهكذا قدر أبنائها.. أبناء الغريب!!.