لم يدرك الأمريكان حتى اليوم لماذا سقطوا في مستنقع فيتنام؟؟ البعض يعيد الأمر إلى التخطيط السيء، أو إلى الجغرافيا التي لم يتعود عليها الجندي الأمريكي، أو إلى حرب الشوارع المرهقة التي لم يحسبوا لها بالا .. لكنهم يقينا لم يصلوا إلى السبب الرئيسي لخسارتهم حرباً كان يجب أن تنتهي لصالحهم بالورقة والقلم! .
اليوم وبعد مرور أكثر من 12 سنة على ضرب أفغانستان تطالب القيادة الأمريكية بوساطة للجلوس مع طالبان .. كيف صمد هؤلاء البدو أمام أكبر قوى العالم؟؟ إنهم يتسائلون بدورهم عن ذلك الآن .
في حرب الصهاينة الأخيرة على غزة رأيت في القناة الثانية الإسرائيلية أحد اليهود يصرخ في هلع أنه سيترك إسرائيل ويعود إلى أوربا، إنه لن يستطيع أن يعيش وفي الجوار استشهادي فلسطيني لم يقبض عليه بعد، في نفس الوقت يقف الآلاف من الفلسطينيين منذ أكثر من 60 سنة عُزل رغم الإغراء والتهديد اليهودي، ولا زال الصهاينة يتسائلون عن الطينة التي خُلق منها هؤلاء القوم البواسل .. وأيضا لم تصلهم الإجابة بعد ..
سأخبركم لماذا لا يدرك هؤلاء ـ ومن تربى على يدهم ـ لماذا يخاصم الواقع التوقعات الدقيقة، وكيف يمكن صناعة المستحيل ..
السر أن كلا من أمريكا وإسرائيل دول ليس لها جذور، ليس لها عقيدة، ليس لها تاريخ، نبتت فجأة واستطاعت بجهد لا يمكن إنكاره أن تصنع نفسها، وتبهر الناظر المفتون ..
لكن هذا لن يغير من واقع الأمر شيء، أن تلك الدول لن تستطيع مهما فعلت أن تدرك مفهوم اسمه "العقيدة" .
نعم لن تستطيع أن تفهم ذلك أبداً، هي تفهم في الاستراتيجيات التي تأتي بنتائج، لكنها لا تعرف شيئاً يسمى اليقين الحي الذي يقلب النتائج، ويبدلها ويغيرها ..
قس على ذلك كل من تربى على العقلية الأمريكية، أو شرب منهم، وصدقهم ..
في الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا مرتبكة من الجنود اليابانيين الذين يقتحموا قواعدهم بالطائرات فيفجروها وهم بداخلها، تسائلوا عن التنويم المغناطيسي الذي مارسه قادة اليابان كي ييحكموا في الجندي الياباني ليضحي بنفسه هكذا ببساطة، لم ولن يدركوا أن اليابانيين وقتئذ كانت تحركهم عقيدة وطنية عميقة .
في حرب العاشر من رمضان يحكي قادتنا ممن وقعوا في الأسر أن الصهاينة عذبوهم بشدة كي يعترفوا بعقار الشجاعة الذي يتناوله الجنود فيصيبهم بالتوحش واستقبال الموت بلا ذرة خوف …
لن يدركوا ابداً .. أبدا .. سر العقيدة .. وسحر اليقين الحي ..
بيد أن هناك نقطة لا يجب إغفالها، أن التوكل على العقائد دون الأخذ بالأسباب أمر مخالف للنهج القويم، وفي الغالب عثرات الحاضر جزء منها نابع من سوء التخطيط، أو ربما الاغترار والاتكال وعدم السعي الدءوب لتحقيق شروط النصر ..
الشيخ محمد الغزالي له كلمة في غاية الاهمية آمل أن يعيها الأصدقاء جيداً، وهي أن الله قد يقبل نصف الجهد، قد يقبل جهد المُقل، لكنه أبدا لا يقبل نصف النية، ولا نصف الالتجاء، ولا نصف الإخلاص ..
نعود إلى ما بدأنا به كلامنا من أنهم " لن يعوا ابداً" ..
الذين لم يتربوا في رحاب التوكل لن يدركوا أبدا قيمة سعيكم، سيحاولون بث الوهن في نفوسكم ـ وبعضهم بحسن نية ـ سيقول لك "يا أخي جيم اوفر" .
سيقول لك مندهشا " أنت واهم .. أنت غارق في الخيال .. أنت حالم .. أو ربما أنت مُغيب مخدوع" ..
الذين لم يقرأوا عن بدر سيقولون ذلك .. الذين يؤمنون بالورقة والقلم سيقولون ذلك ..
أعذرهم يا صاحبي فإنهم " لن يدركوا أبدا" ..
واكمل أنت مشوارك ..