إن حالة المجتمع المصري الآن تبعث فى الكثيرين من أبنائه الحماس للعمل على ايجاد حلول لمشكلاته التى تعمقت جذورها ونمت فروعها وتساقطت على الأرض ثمارها، فأنبتت فسادا يتنامى حول جذوع شجر الفساد الذى هرم.
هذا الحماس جعل البعض يفكرون كيف ينقذوا مصر، فراح كل منهم يعمل، على شاكلته، للبحث عن حلول، عسى أن يتعافى بها المجتمع من الفساد الذى تغلغل فيه سنين طويلة، وتتحقق بها أهداف ثورته.
فمنهم من رأى أن حل مشكلات مصر يكون ببث الرعب في قلوب المصريين، فاتخذ من برامج الفضائيات، وأوراق الصحف، وميكروفونات الاذاعة منبرا، فبشروا الشعب بأن مصر خربت ، وأن اقتصادها منهار، وأنها على وشك أن تعلن عن الافلاس، وأن رئيسها غير قادر على الامساك بزمام الأمور، وأن كل شىء فيها ينتقل من السواد الى زفت الطين.
ومنهم من رأى أن حل مشكلات مصر يكون بالتطاول على رئيس الدولة، وعلى الجماعة التى ينتمنى اليها، وعلى الحزب الذى كان يرأسه قبل توليه المنصب، فقالوا أن الاخوان خرفان، وإن الاخوان باعوا القناة لقطر، وتنازلوا عن ملكية حلايب وشلاتين للسودان، وأنهم بصدد بيع اقليم القناة لشركات أجنبية ، وأنهم يسعون الى اخونة الدولة ، واقصاء الآخرين، والإنفراد بالحكم، رغم أن من الديمقراطية أن يستعين الحاكم برجال حزبه ليحققوا برنامجه.
ومنهم من رأى – وكلهم من دعاة الدولة المدنية – أن خير علاج لمشكلات مصر أن ينقلب الجيش على الشعب والرئيس والثورة، فيمسك بزمام السلطة، ويعلق الاخوان على اعواد المشانق، ويعود للسياسة كما كان الأمر من قبل، حتى ولو تحولت مصر من دولة مدنية الى ثكنة عسكرية ، رغم أنهم يعدون أنفسهم من دعاة الدولة المدنية.
ومنهم من رأى أن خير وسيلة لحل مشكلات مصر هى الوقوف ليل نهار على العمال والبطال بالميادين والشوارع، والاعتصام، واستخدام المولوتوف، فى قصف المنشآت العامة والخاصة، واطلاق الاعيرة النارية الحية والخرطوش على إخوانهم المصريين، واستباحة القتل، وسفك الدماء، وارتكاب اعمال التخريب.
ومنهم من رأى أن حل مشكلات مصر يكون بحل المؤسسات المنتخبة ، وتعطيل كتابة الدستور ، والتغاضى عن ملفات الفساد القابعة فى الادراج منذ أمد طويل – حتى سقطت الدعوى الجنائية من طول الرقاد بالتقادم – والعزم على اعادة النظام السابق بأحكام القضاء ، واطلاق سراح المجرمين ، وتبرئة قتلة المتظاهرين بتقديم ملفات الدعاوى الخاصة بها الى المحاكم بلاأدلة ، والتباطؤ فى اتخاذ اجراءات الطعن حتى اصبحت الاحكام ببراءة المتهمين فى تلك القضايا باتة ، وكأن دماء المصريين غدت رخيصة بلاثمن ، أو كأن من مات ليس لهم قيمة.
ومنهم من رأى أن حل مشكلات مصر يكون بالتمرد على رئيس الدولة بجمع توقيعات ضده ، تطالب بعزله رغم أن الشعب حدد فى دستوره الطرق التى يجب اتباعها لتغيير اى رئيس من موقع الرئاسة ، وأن الرئيس لايحاسب سياسيا الى بعد انتهاء مدته مالم يخرج على أحكام الدستور والقانون .
ومنهم من رأى أن مشاكل مصر لن يتم التخلص منها الا بالاستمرار فى الفساد وتلقى الرشى واستعمال النفوذ والاعتماد على المحسوبية داخل الجهاز الادارى للدولة ، والابقاء على بقايا الفساد العقلى والوظيفى ، وترك المواطنين بلا اى جديد يشعرهم انهم قاموا بثورة تستوجب تغيير كل شىء ، وكأنه لم تقم فى البلاد ثورة ضد تلك الأفعال التى هى من الفساد بمكان الذروة،.
ومنهم من رأى أن فى التظاهر الفئوى ، وتعطيل وسائل الانتاج خير وسيلة لتحقيق اهداف الثورة ، فتعطلت الآلات ، وقل الانتاج ، وارتفعت مؤشرات ديون الشركات ، حتى كادت تزهق ارواح الامل.
ومنهم من رأى أن خير وسيلة لتحقيق اهداف الثورة هى التعتيم على اى معروف تصنعه الحكومة ، واهالة التراب على كل انجاز يتحقق على الأرض ، وكأنه قد كتب على المصريين أن يتجرعوا الهموم ، ويبيتون على المآسى ، ويصبحون على الغم والكرب العظيم .
ومنهم من رأى أن افضل وسيلة لتحقيق اهداف الثورة ان نعمل ولانتوقف ، وأن نعمر ولانخرب ، وأن نبنى ولانهدم ، وأن نصبر ولانستعجل ، وأن نمد ايدينا بايمان راسخ للمحتاجين بالعمل النافع ، والخير المتدفق ، حتى نلملم احوالهم حتى تؤتى افعال الاصلاح ثمرتها ، فليس جنى الا بعد زراعة.
يا اخوانى المصريين ، الذين ، اراهم ، الا من رحم ، ضل سعيهم وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، ان مشكلة مصر هى فى الفساد الذى يعوق نهضتها ، ومازال متغلغالا فى مفاصلها ، ويملأ اركان مصالحها ، فلتواجهوه بكل الطرق ، وشتى الوسائل ، لاتمارسوه ، وانهوا – بالحكمة والموعظة الحسنة – من يمارسه ، وتصدوا لمن ضل عقله واستمرأ ثماره ومازال يعيش فى مستنقعه ، وضعوا أيديكم فى ايدى قادتكم ، فإنهم لايتكبرون ، ولايسرقون ، ولايقصون ، ولايظلمون ، ولم يحكموا بالطوارىء ، ولم يفتحوا السجون والمعتقلات ، ولم يحاكموكم بالقوانين ولا المحاكمات الاستثنائية ، ولم يجعلوا من بلدكم مرتعا لثقافات التغريب ، ولا شرطيا لحماية مصالح المستعمر فى المنطقة.
بدلا من الثورة المضادة ، والانقلاب على الشرعية ، واستبدال العمل بالكلام ، وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، وغرس الكراهية ، تذكروا أخوتكم ، واستعيدوا لحمتكم ، وانبذو خلافاتكم ، وتعاونوا فيما تتفقون عليه ، وضعوا نصب أعينكم مصلحة بلدكم ، ف ( الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير، وتريد أن تبني حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة ، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب، في حاجة إلى بناء آخر ، …… إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب ).
فقد شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب ، وتتنازع البقاء أشد التنازع ، وتكون الغلبة دائماً للقوي السابق، وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع مرارتها ، وأن يكون رأب الصدع وجبر الكسر، وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا، واسترداد عزتنا ومجدنا، وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا.
وشاءت لن الظروف كذلك أن نخوض لجة عهد الانتقال الأهوج ، حيث تلعب العواصف الفكرية والتيارات النفسية والأهواء الشخصية بالأفراد وبالأمم وبالحكومات وبالهيئات وبالعالم كله ، وحيث يتبلل الفكر وتضطرب النفس ويقف الربان في وسط اللجة يتلمس الطريق ويتحسس السبيل وقد اشتبهت عليه الأعلام وانطمست أمامه الصور ووقف على رأس كل طريق داع يدعوا إليه في ليل دامس معتكر وظلمات بعضها فوق بعض ، حتى لا تجد كلمة تعبر بها عن نفسية الأمم في مثل هذا العهد أفضل من "الفوضى".
كذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية ، وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني. وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد: بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين. وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء، وليس مع الجهاد راحه حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى.
وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمّات وبغير ذلك تغلب على أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها ).