على الرغم من تاريخها الحافل منذ أن حلّ بها السيد المسيح عليه السلام أثناء رحلته إلى مصر و الاهتمام البالغ بها في العصر الإسلامي إلا إنها المدينة الأقدم إنتاجا لأسماك "الفسيخ" على المستويين المصري و العربي ومع اقتراب أعياد شم النسيم فكان لابد أن ننسم الجو المشحون بإطلالة لطيفة عليها ، عن مدينة نبروه نتحدث .
وتحظى مدينة نبروه بمحافظة الدقهلية شهرة واسعة بين بلدان العالم و دول الخليج بصناعة الفسيخ , وأصبح صناعة الأسماك المملحة بمدينة نبروه مهنة رائجة بفضل أبناء المدينة التي اكتسبوها من أجدادهم .
وانتشرت صناعة وبيع الفسيخ في نبروه منذ "80" عاما تقريبا، وساعد على ذلك قرب المدينة من مدينة بلطيم التي تقع على سواحل البحر المتوسط وكذلك بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، ما أدى إلى توافر كميات كبيرة من الأسماك المستخدمة في الصناعة.
الفضل للانجليز
و يعود الفضل في شهرة المدينة بصناعة الفسيخ في المدينة إلى الاحتلال الإنجليزي لمصر حيث استولي الانجليز علي معظم الأراضي الزراعية فاضطر عدد كبير من أبناء القرية للبحث عن مهنة أخرى فكان الصيد وتمليح الأسماك وبيعها للمدن و القرى المجاورة حتى ذاع صيتها في هذه الصناعة لدرجة أنهم أطلقوا علي نبروة مدينة الفسيخ.
والمدينة بها أكثر من "2000" متجر لبيع اسماك الفسيخ، ويعمل بها ما يقرب من "250" ألف عامل من أبناء المدينة أو من أبناء المدن المجاورة.
ويوجد بمدينة نبروة عائلات بأكملها تعمل في هذه المهنة، ولكل "فسخاني" سره الخاص به في عملية تمليح الأسماك.
صناعة "الفسيخ"
وأشهر أنواع الأسماك المملحة " سمك البوري و السهيلي والطوبار وزغدان والسردين البلدي" ، ويتم غسل السمك جيدا ولا يتم وضعه في ثلاجات قبل التمليح حتى لا يعطيه طعما مرا ويتم وضع السمك بها في شكل طبقات يتخللها الملح.
ويغلق البرميل جيدا بعد ذلك ليترك لمدة «10» أيام في فصل الصيف و«25» يوما إذا كان التمليح في فصل الشتاء، والجو باردا وبعد ذلك يكون جاهزا للبيع.
وهناك العديد من أصحاب مهنة الفسيخ يقومون بتصدير منتجاتهم إلى الدول العربية والأوروبية، وخاصة في أسواق السعودية والإمارات والكويت، وأيضا هولندا، التي تعد من أكبر الدول التي يفضل شعبها تناول الفسيخ، وهي من أشهر الدول التي تصنع أسماك "الرنجة".
وفي حالة التصدير يتم لف وتغليف الفسيخ بأكياس بلاستيك شفافة، ولفها بالأوراق أكثر من لفة حتى لا تتعرض للتلف أثناء النقل.
والفسيخ أكلة فرعونية قديمة عرفها المصريون القدماء حيث ظهر بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بعيد شم النسيم في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل، وأظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ ، حسبما ذكر المؤرخ اليوناني "هيرودوت" الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد.
مدينة عريقة
وعلى صعيد التاريخي حظيت مدينة نبروه على مر التاريخ باهتمام بالغ يوضح مدى عراقتها فخلال القرن الأول الميلادي نزل بها السيد المسيح والعائلة المقدسة أثناء قدومهم لمصر، ونالتاهتماماً بالغاً في العصر الإسلامي حيث و أنشأت بها المساجد منذ فتح مصر علي يد عمرو بن العاص حيث أمر ببناء مسجد الأربعين.
كما نالت رعاية واهتمام الخليفة المأمون في الحفاظ علي سلامة سكانها من المسلمين والمسيحيين أثناء حالة الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد وفاة أخيه الأمين.
وفي العصر المملوكي أمر الظاهر بيبرس حاكم مصر وقتذاك ببناء مسجد سيدي مجاهد والذي كان يمثل تحفة معمارية عظيمة في عصره، وفي عام ٦٠٧ هـ .
وفي العصر الحديث نالت اهتمام محمد علي باشا، حيث قرر بناء أول مدرسة زراعية في مصر علي أرض نبروة تسير في دراستها علي غرار النظم والمناهج المعمول بها في أوروبا في ذلك الحين والتي نقلت فيما بعد الي شبرا الخيمة وأصبحت كلية الزراعة بجامعة عين شمس.
وقرر محمد على إرسال أبنائها ضمن البعثات المسافرة لأوروبا للاستفادة من خبراتهم ونقلها إلي مصر وقد كان الطبيب الخاص لمحمد علي باشا أحد أبناء نبروة والدكتور إبراهيم بك النبراوي .