منذ تولي الرئيس محمد مرسي منصبه الرئاسي كان هناك خيارين الشرعية الثورية أم الشرعية الدستورية والقانونية، وكان حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية تأكيدًا منه على احترام القانون والشرعية الدستورية، واعتبر البعض ذلك إيذانًا بانتقال الشرعية الثورية إلي الرئيس باعتباره أول رئيس مدني منتخب أتت به ثورة يناير، وسبق ذلك حلف اليمين في ميدان التحرير قبل"الدستورية" ليقول أن الثورة حاضرة بقوة وأن الشعب "هو أهل السلطة ومصدرها" حسبما نص خطابه الشهير بميدان التحرير.
ولكن مع إصدار الرئيس للإعلان الدستوري في نوفمبر الماضي، والذي بمقتضاه انتقلت سلطة التشريع إلى رئيس الجمهورية اعتبر ذلك خلط بين السلطات الثلاثة حيث أصبحت سلطة التشريع في يد السلطة التنفيذية، كما تضمن الإعلان إقالة للنائب العام عبد المجيد محمود وهو ما اعتبره بعض القضاة تدخل من السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية.
والآن وبعد إقرار الدستور وانتقال سلطة التشريع إلى مجلس الشورى تظهر مشكلة أخري بين سلطة التشريع وسلطة القضاء حول مشروع قانون السلطة القضائية المقرر مناقشته بمجلس الشورى والذي قوبل باعتراضات من مجموعة من القضاة ، وتشكيك آخرين في أحقية "الشورى" في إصدار التشريعات لكونه بديل مؤقت عن مجلس الشعب لحين انتخابه، بينما تعود السلطة التنفيذية إلى مكانها من جديد كحكم وفصل بين السلطات، وأشبه برمانة الميزان التي تحدث توازن بين الكيلوجرامات، وهو ما يدفعنا لطرح سؤال مهم .. ما مستقبل العلاقة بين السلطات الثلاثة ؟
لا مفر من التوافق
بداية يقول المستشار أحمد الخطيب -رئيس محكمة الاستئناف بالإسكندرية- أن لمجلس الشورى الحق في إصدار التشريعات بينما يجب أخذ رأى القضاة فيما يصدر من تشريعات تخصهم بعيدًا عن أي مصالح شخصية وبما يراعي الكفاءات والخبرات، مشيرًا إلى أنه "لا مفر من التوافق" بين الطرفين " دون استئثار القضاة بإخراج قانون بمفردهم أو إصدار الشورى قانون على غير رغبة القضاة.
وأضاف الخطيب لـ"رصد" أن مؤتمر العدالة الذي تمخض عنه اجتماع الرئيس محمد مرسي بالقضاء خطوة علي الطريق لحل الأزمة لكن يلزمه خطوت أخري كاجتماع القضاة وعرض مطالبهم والوصول إلي صورة توافقية حول قانون السلطة القضائية، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من مشروع مقدم منهم الذي أعده المستشار أحمد مكي-وزير العدل الأسبق- والآخر الذي أعده نادي القضاة والمشروعات التي تقدمت بها أحزاب سياسية، لافتًا إلي ضرورة طرح جميع المشاريع واختيار الأفضل منها.
ولفت الخطيب اعتراضه على تخفيض سن القضاء إلى 10 سنوات مرة واحدة دون تدرج لأن ذلك سيفرغ القضاء من العديد من الخبرات والدرجات، مشيرًا أن التخفيض غير المدروس يترتب عليه آثار خطيرة تضر بسير العدالة خاصة أن الدستور نص علي استئناف أحكام الجنايات وبالتالي فسنحتاج إلي دوائر إضافية وقضاه آخرين.
من جانبه قال معتز بالله عبد الفتاح- أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وجامعة ميشيجان-:- بعد ما الرئيس عمل «الإعلان الدستوري» في نوفمبر الماضي لخّصت موقفي في جملة بسيطة: «ما تعملش كده تانى يا ريس.
أعمل كده تاني با ريس
وأضاف عبد الفتاح في مقال له بجريدة الوطن أمس (الاثنين):- لكن بما أنه بدأ يعود إلى ما أظنه الصواب في إدارة البلاد من أن يكون الرئيس «حكماً بين السلطات ورئيساً لمجلس إدارة الدولة والعضو المنتدب لإدارتها» وليس «المسيطر على السلطات، المحصَّن في قراراته عن المساءلة القضائية».
وتابع:- بما أن الأمر كذلك فأقول له: «أعمل كده كثيراً يا ريس». هذا هو المطلوب من الرئيس؛ أن يدير الحوار بين مؤسسات الدولة والقوى السياسية والفئات الاجتماعية، وأن يحل المشاكل، لا يصنعها ولا يتجاهلها.
أغراض معينة
من جانبه يري محمد عيد سالم – نائب رئيس محكمة النقض، والأمين العام لمجلس القضاء الأعلى- أن قانون السلطة القضائية المقرر مناقشته في مجلس الشورى مصمم لتحيق أغراض معينة من وراءه النيل من سلطات الدولة .
وتساءل سالم في تصريحات لـ"رصد" عن علاقة السن بالفساد ، مشيرًا إلى أن الدول المحترمة مثل الولايات المتحدة القاضي لا يصعد للتقاعد إلا بإرادته وأنه لدينا بالأساس عجز في عدد القضاء وإقالة من تخطي سنه الستين سيساهم في زيادة العجز وسيسنده لـعديمي الخبرة.
أما د. عبد الخبير عطا- أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط- أوضح أن مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط بما يتضمن من تخفيض سن القضاء وتعيين النائب العام وقضية انتداب القضاة كان مطلب ملح من قبل عدد من القضاة، كما أن هناك شريحة كبيرة من شباب القضاة تؤيد هذا القانون لأن شيوخ القضاة يحلون بينهم وبين أخذ فرصتهم في التعيين.
وأضاف عطا لـ"رصد" :- لكن في نفس الوقت ليس من مصلحة الشورى أن يصدر تشريعات بغير موافقة القضاة ، مشيرًا إلى تفاؤله بمؤتمر العدالة على اعتبار أن القضاء سيكون لهم دور في صياغة القوانين وسيسمع صوتهم.
ولفت إلي أن تصريحات مجلس القضاء الأعلى بعد اجتماعهم بالرئيس بدت مبشرة وتلمح أن هناك رغبة من القضاء في عبور الأزمة .
القاضي البوسطجي
من جانبه قال عصام سلطان-نائب رئيس حزب الوسط –مخاطبًا الرئيس: " إذا أردت نجاحًا لمؤتمر العدالة فلا أقل من أن يكون رئيسه حسن مهران الذي يعمل الآن في وظيفة بوسطجى بمحكمة الجيزة ..!
وانتقد سلطان أمس في تدوينة له على حسابه الشخصي على موقع "الفيسبوك" استمرار سياسة التوريث والمحسوبية في تقلد المناصب القضائية كاشفًا عن كشوف التعيينات تتضمن أسماء ١٢٨ شابا من أبناء المستشارين ، بعضهم حصل على ليسانس الحقوق في أكثر من أربعة أعوام ، وجميعهم تخطوا عدد ٢٠٠٠ شاب كانوا أجدر وأحق منهم ، سواء من الناحية العلمية ، أو حسن السمعة والسيرة .
وقال نائب رئيس حزب الوسط:- " إذا كنا سنطالع في مؤتمر العدالة تلك الوجوه والشخصيات الضالعة في جرائم المحسوبية والمحاباة طوال الأعوام الثلاثين الماضية ، وما ستخرج عنهم من كلمات كتلك التي كانوا يخرجونها أيام مبارك ، فلا جدوى من المؤتمر ، بل ضرره سيكون أكثر من نفعه ..إما إذا كنا نريد أن نتكلم عن العدالة فعلا ، فلا مفر من دعوة المظلومين .. وسماع المظلومين وصياغة النصوص التي ترفع الظلم عنهم"، علي حد قوله.