هي امرأة ثمانينية يتمازج الألم بتجاعيد وجهها فلا تستطيع أن تفصلهما ، كل جريمتها إنها رفضت شريعة الغاب والبقاء للأقوى ظنا منها إن هناك دولة و قانون يحكم وأناس شرفاء لا يرضيهم الظلم ، فكان قتل أربعة من أبنائها الذكور و طردها من قريتها ، خير جزاء لها و لتكون عبرة لمن بعدها، عن مأساة سيدة من شمال الصعيد نتحدث .
وعلى طريقة فيلم الزوجة الثانية تحكي السيدة فتحية التي تعيش في قرية بني جدير بمركز الواسطى بمحافظة بني سويف قائلة: إن أولاد محمد لمعي أخدوا أرض أولادي و ارض أبوهم و أجدادهم بوضع اليد وأنا و أولادي رفضنا و هددوني بقتل أولادي.
وتضيف السيدة فتحية بصوت متألم " روحت ختمت على بيع الأرض لولاد محمد لمعي علشان اشتري حياة أولادي و كان قدام العمدة وأبو الحسن، يبدوا انه أحد شيوخ القرية، و ختمت على محضر صلح أنا كان فيه اللي يعتدي على الثاني يدفع عشرين ألف جنيه و قالولي بعد كده متخافيش خلاص مامدام ادتيهم الأرض محدش هيقرب لولادك " .
عندما يغيب القانون
وكما يقول المثل الشعبي السائد في قرى مصر و حواريها " أنا فيك بدادي وأنت بتقطع أوتادي"، تقول السيدة فتحية "بعد ما ختمت على بيع الأرض و عملنا محضر الصلح ولاد محمد لمعي قتلوا ثلاثة من الولاد وهم بيسقوا الارض في الليل و المحكمة طلعتهم براءة و السنة اللى بعدها قتلو ابني الرابع المحكمة اتاكدت ان هم اللي قتلوا ولادى الثلاثة و اديتهم إعدام بس هم هربوا من السجن وراحوا الجبل ".
وتقطع السيدة حكايتها متحدثة عن أبنائها قائلة " دول يتامى أنا اللي جريت عليهم وربتهم لغاية لما كبروا واحد منهم بقى مهندس كهرباء و الثاني مفتش في التربية و التعليم.
وتكمل السيدة فتحية حكايتها و علامات التعجب و الاستنكار تغزو وجهها المفعم بالألم قائلة " بعد ما هربوا من السجن حرقوا الأرض و الكيماوي و اخدوا البهايم و المكن و كل حاجة و ادينا عمالين نلف على وزير الدخلية و العدل و انا محرومة اروح الجزيرة علشان ولاد محمد لامعي و الشرطة مبتعملش حاجة .
وتنهي السيدة حكايتها المأساوية متسائلة " انا دلوقتي اجيب اكل اليتامي منين " .
وإلى الآن السيدة فتحية أسيرة تهديدات هؤلاء المجرمين فلا تستطيع أن تدخل القرية خوفا و حفاظا على المتبقي من أسرتها .
ولكن التساؤلات التي تطرح نفسها الآن كيف لعمدة هذه القرية أن يكون شاهدا على اتفاق و صلح جائر و رجل من شرفاء القرية و إلى متى ستظل شريعة الغاب هي التي تحكمنا، و ما دور الشرطة في هذه القرية أدورها يقتصر في التستر على المجرمين فقط و تركهم يفرضوا سيطرتهم على البلاد و العباد.
وهل تحصل قصة السيدة فتحية على لقب أشهر قضية ظلم في التاريخ المعاصر ونسمعها على لسان مغني الربابة في ليالي الصيف أم أنها ستصبح حكاية كل يوم مع طلعة كل نهار و نجد البرلمان يسن قانونا جديدا يسميه "قانون الغاب" ؟!