بين شهيد قضى نحبه وأسير آخر ينتظر، صدقا ما عاهدا الله عليه تبقى فلسطين الصامدة وغزة المحاصرة شوكة في حلوق الصهاينة تزلزل كيانهم وتبث الرعب في صدورهم؛ ذلك الرعب الذي جعل الاغتيال جزء من أسلحة الصهاينة لاستئصال المقاومة فجاء اغتيال الرنتيسى في مثل ذلك اليوم والذي تحل علينا ذكراه التاسعة موافقًا ليوم الأسير الفلسطيني وكأنها تبعث رسالة فحواها فلسطين بين شهيد وأسير تبقي المقاومة شوكة في حلق الصهاينة.
قبيل استشهاده
في مثل ذلك اليوم تجهز الشهيد بأذن الله عبد العزيز الرنتيسي، استيقظ ، واغتسل وتعطّر، وأخذ ينشد على غير عادته " أن تدخلني ربٍ الجنة هذا أقصى ما أتمني"! كان قبلها قد أخذ مدّخراته من الجامعة الإسلامية وسدد ما عليه من ديون مقتطعًا مبلغاً من المال لزواج ابنه ثم قال لأسرته: الآن أقابل ربي نظيفاً .. لا لي ولا عليّ وما كاد يقل ذلك وخرج من منزله حتى استهدفته مروحية إسرائيلية تابعة للجيش الإسرائيلي بإطلاق صاروخ على سيارته فاستشهد نجله محمد – 25 عاما – و مرافقه أكرم نصار- 36 –فقتل مرافقه ثم لحق بهم الرنتيسي وهو علي سرير المستشفى في غرفة الطوارئ وكان ذلك 17 إبريل عام 2004 بعد 25 يوم فقط من اغتيال شيخ الشهداء أحمد ياسين.
في بيته
ويقول عنه أبنه أحمد عبد العزيز الرنتيسي: رجل عنيد عزيز في مواطن العزة..لكن في بيته فهو إنسان حنون مرهف الإحساس متخذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في كل أمور حياته.
ويحكى كيف كان يقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم في خيرته لأهله ويملئ بيته مرحًا فيقول أحمد: في يوم من الأيام ضربت أمي إحدى أخواتي حين كنا أطفالاً "بشوبك العجين" ضربة خفيفة, فعاد والدي ووجد أخته حزينة, فأخبرته أمي بما حدث, وبمجرد أن غير ثيابه خرج من غرفته مبتسماً ناظراً لأختي قائلا: لا تعجبوا يا إخوتي من قصتي.. فأنا التي وأنا التي بالشوبك الملفوف كانت علقتي ليملأ البيت سعادة ومرحاً كعادته.
نشأته
ولد الدكتور عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي في 23 (أكتوبر) 1947 في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، وأنهى دراسته الجامعية بكلية الطب جامعة الإسكندرية وحصل على الماجستير في طلب الأطفال برًا بوالده الذي كان يدعوه دكتور عبد العزيز منذ الصغر.
كان أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في غزة الذين اتخذوا قرار تاريخي في ليلة التاسع من ديسمبر 1987، بإعلان "حركة المقاومة الإسلامية" كعنوان للعمل الانتفاضي الذي يمثل الحركة الإسلامية في فلسطين بعد حاث المقطورة الذي أودى بحياة كثيرة من الفلسطينين على أيدي الصهاينة.
بلغ مجموع فترات الاعتقال التي قضاها الرنتيسي في السجون الإسرائيلية سبع سنوات قضاها مبعدا في مرج الزهور بأقصى جنوب لبنان عام 1992.
تأسيس حماس
وعقب استشهاده الرنتيسي أعلنت حركات وكتائب المقاومة أن استشهاده سيكون بداية لزلزلة العدو الصهيوني ؛ وليدفع العدو ثمن الدماء التي ذرفتها أمهات الشعب الفلسطيني دماً وبعد 9 سنوات من اغتيال الرنتيسى ها هي المقاومة تتطور وتقطع شوطًا كبيرًا، وعدوان غزة ليس ببعيد فبإمكانات المقاومة المحدودة تكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة وصلت إلى1.2مليار دولار، ودكت المقاومة بــ 1573 قذيفة صاروخية، مواقع العدو، وطائراته وبوارجه وآلياته.
وتبقي المقاومة
ورغم الاغتيالات المتكررة والتي كان أحدثها اغتيال أحمد الجعبري- أحد قادة حماس- إلا أن المقاومة أثبتت أن ذلك لم يفت في عضدها وأن فلسطين قادرة على إنجاب آلاف الرجال، إلى جانب المقاومة يظل الأسرى يسطرون ملاحم بطولية لصمودهم في سجون الاحتلال فوفق لإحصائيات وزارة الأسرة الفلسطينية هناك 1400 أسير يعانون إمراضا مختلفة من جراء الإضراب عن الطعام يستشهد منهم واحد تلو الأخر لأنهم أعلنوها صراحة إما الحرية أو الشهادة.