حين راجعت الصحف المصرية التى صدرت خلال الأيام التى أمضيتها خارج البلاد، لاحظت أن ثمة تطابقا بين العناوين الرئيسية لصحيفتى «الشروق» و«المصرى اليوم» اللتين صدرتا يوم السبت 16 أبريل، ولأن الكلام المنشور كان خطيرا فقد عدت إلى قراءته أكثر من مرة، وفى كل مرة كنت أقتنع بأن تعمد نشره فى الصحيفتين أمر ليس بريئا، وأن تسريبه له دلالته التى ينبغى الوقوف عندها. فخبر جريدة «الشروق» نسب الكلام إلى «مصدر» مجهول ذكر أن ثمة خطة إخوانية بمباركة أمريكية للإطاحة بالسيسى (الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع). كان ذلك عنوان الصفحة الأولى. فى التفاصيل المنشورة فى الداخل ذكر التقرير ما يلى: حذر مصدر مطلع من وجود خطة إخوانية للإطاحة بالفريق السيسى بمباركة أمريكية خلال الأشهر المقبلة ــ الخطة ستبدأ بنشر أخبار تسىء إلى الفريق السيسى باعتباره العائق الوحيد أمام تمكين جماعة الإخوان من مؤسسات الدولة ــ لدى الأجهزة السيادية معلومات أكيدة عن حملة إعلامية استهدفت تشويه صورة وزير الدفاع من خلال نشر تصريحات مكذوبة منسوبة إليه على صفحات الفيس بوك ــ هذه المواقع نشرت أيضا أخبارا مغلوطة عن خلافات بين وزير الدفاع ومدير المخابرات الحربية بدعوى أن الأول وافق على ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل فى حين أن الثانى رفض الفكرة ــ الفريق السيسى رفض السفر مع الرئيس محمد مرسى فى رحلته إلى الهند وباكستان، ولكن الرئيس أصر على اصطحابه فسافر الرجل معه مضطرا ــ القوات المسلحة لن تقبل بأى مساس بقادتها وقد حذرت من سيناريو دموى يمكن أن يحدث فى البلاد لو تمت الإطاحة بالسيسى لاستكمال أخونة الجيش المصرى.
جوهر الخبر نشرته جريدة «المصرى اليوم» مع إضافة تفاصيل أخرى. فقد كانت عناوين الصفحة الأولى كما يلى: مصادر مطلعة: الإخوان تدبر حملة ضد الجيش لأنه المؤسسة القادرة على حماية الشعب ــ القوات المسلحة لن تقبل الأخونة أو عزل السيسى ــ جهات عليا أغلقت ملف شهداء رفح ــ مرسى ضغط لسفر وزير الدفاع معه ــ التقارب مع إيران يدخل مصر محور الشر.
وضع على التقرير اسم إحدى الزميلات، وقدم بحسبانه تصريحات خاصة للمصرى اليوم، حصلت عليها الجريدة من «مصادر مطلعة». ورغم أنه تحدث عن نفس الموضوع إلا أنه خلا من الحديث عن دعم الولايات المتحدة لخطة الإخوان التى تستهدف الإطاحة بالفريق السيسى. فيما عدا ذلك فالأفكار واحدة والعبارات تكاد تكون واحدة، خصوصا ما تعلق منها بحكاية أخونة الجيش واعتباره المؤسسة الوحيدة القادرة على حماية الشعب. وتربص الرئاسة بالفريق السيسى واضطراره للسفر مع الرئيس مرسى تحت ضغط منه. إلا أن تقرير المصرى اليوم تضمن إضافتين مهمتين: الأولى تحدثت عن أن التحقيقات التى أجريت حول مقتل 16 جنديا فى رفح «تم إغلاقها بضغوط من جهات عليا فى الدولة، رغم أن جهات التحقيق تقدمت بنتائج تقرير للطب الشرعى الذى طالب بتحليل الـ«دى. إن. إيه» للجناة خارج مصر، وهو ما رفضته الجهات العليا أيضا. وهى معلومة خطيرة وملغومة، لأنها تعنى أن رئاسة الجمهورية هى التى أوقفت التحقيق فى قتل الجنود المصريين مجاملة لحركة حماس، المتهمة بالضلوع فى الجريمة. والإشارة فى الكلام واضحة فى ذلك، لأنها تحدثت عن أن الجناة موجودون فى الخارج.
المعلومة الثانية الملغومة حذرت من مد الجسور مع إيران، واعتبرت تلك الجسور تمددا لها فى مصر، يرشحها للانضمام إلى «محور الشر»، كما تحدثت عن أن المرشح الأول لشراء الصكوك الإسلامية التى تعتزم الدولة طرحها هو إيران.
أخطر ما فى هذه الكلام مصدره الذى ذكرت الصحيفتان أنه «مطلع». وقد تحريت الأمر من جانبى خلال الثمانى والأربعين ساعة الأخيرة، وفهمت أن المعلومات تم تسريبها من مصدر ينتسب إلى إحدى الجهات السيادية. وهذا المصدر يمكن التعرف عليه بجهد بسيط للغاية. خصوصا أننى فهمت أنه معروف لدى الأطراف الصحفية التى تلقت المعلومات وتولت نشرها وإبرازها.
لا أريد ان أتجاهل المعلومات المنشورة لأنها أكبر وأخطر من أن يتم تجاهلها، وإنما أدعو إلى التحقيق فى مدى صحتها والإعلان على نتائج ذلك التحقيق تأكيدا أو تكذيبا. فى الوقت ذاته فإننى أدعو إلى تحرى مصدرها، لأنها تعنى شيئا واحدا هو أن ثمة أطرافا داخل الأجهزة السيادية لها ولاءات أخرى، وتقف وراء التسريبات التى تسمم الأجواء وتشيع البلبلة فى البلاد، وتلك إحدى المهام التى تقوم بها الدولة العميقة لصالح الثورة المضادة. ما قرأته فى الصحيفتين لم يكن رسالة من الدولة العميقة فحسب، ولكنه بمثابة جرس إنذار أيضا. ولا يتطلب الأمر «لبيبا» لكى يفهم الإشارة.