أخيرا تحدث إلينا أحد المسئولين وأفهمنا شيئا مما يجرى فى مصر. لم ينقل إلينا كلاما سارا ولا مبهجا. لكنه على الأقل «نورنا»، وأتاح لنا أن نرى جانبا من الصورة، فى الأجواء المعتمة الراهنة. فقد نشرت «الأهرام» على صفحتها الأولى يوم الأربعاء الماضى 3/4 تصريحات لوكيل وزارة الكهرباء، الدكتور أكثم أبوالعلا، أوضح فيها أمورا عدة تهم الرأى العام. وكان مما قاله ما يلى: ليس صحيحا أن هناك قرارا بفصل التيار الكهربائى عن المواطنين مرتين يوميا ــ المتفق عليه حاليا ان يتم تخفيف الأحمال لمدة ساعة واحدة على مستوى الجمهورية بالتناوب بين جميع المناطق دون استثاء وطبقا لمعدلات الاستهلاك وبما يحافظ على أداء شبكة الكهرباء ــ يجرى حاليا الاستعداد لاستقبال موسم الصيف حيث من المقرر أن تستقبل الشبكة 2600 ميجاوات إضافية بعد دخول محطات جديدة إلى الخدمة، إلى جانب توفير كميات الغاز والوقود اللازمة لتأمين احتياجات التشغيل ــ فى اطار الاستعدادات المذكورة فانه جارٍ الاتفاق مع وزارة الأوقاف لترشيد استهلاك الكهرباء فى 100 ألف مسجد، مع توجيه القائمين عليها إلى ضرورة مراعاة عدم تشغيل أجهزة التكييف إلا فى أوقات الصلاة فقط.
أهمية هذا الكلام تكمن فى عدة أمور، أولها ان مسئولا حكوميا اعتنى بأن يخاطبنا وان يفهمنا ماذا يجرى بالضبط، وما الذى يخطط له مع دخول الصيف. وسوف تقدر هذه اللفتة إذا تذكرت أننا نلح منذ عدة أشهر على أهل القرار فى مصر، وفى المقدمة منهم الرئيس محمد مرسى ان يقتطعوا بعضا من وقتهم لمخاطبتنا وإفهامنا لتنويرنا وتبديد جانب من الحيرة التى تتملكنا إزاء أمور كثيرة تتعلق بالحاضر والمستقبل. لست أخفى ترددا فى إطلاق هذا الكلام لأننى أخشى ان يكون قد صدر على سبيل الخطأ الذى سيتم تداركه مستقبلا. وقد راودنى ذلك الخاطر حين لاحظت أن الذى تحدث هو وكيل الوزارة وليس الوزير الذى أرجو ألا يكون قد التزم بسياسة الصمت التى يفضلها الرئيس والحكومة، فى حين ان الذى «تورط» فى الإفصاح هو وكيل الوزارة، الأمر الذى يخلى مسئولية الوزير ويبعد عنه شبهة الاتهام بمخالفة سياسة الحكومة!
أما إذا أخذنا كلام الوكيل على محمل الجد ــ وهو ما أرجوه ــ فإننى أتمنى أن تتصرف الوزارة بمسئولية كما يحدث فى الدول المتحضرة، بحيث تطالب أجهزتها فى كل محافظة بالإعلان مسبقا عن مواعيد قطع التيار الكهربائى لكى يرتب الناس أمورهم على أساسها، طالما أنه لم يعد أمامنا خيار، ولا مفر من انقطاع التيار الكهربائى للأسباب التى نفهمها ونقدرها، بالتالى فليس لدينا لوم نوجهه إلى وزارة الكهرباء، وإذا كان علينا ان نقدر موقفها فعليها من جانبها أن تقدر موقفنا كمستهلكين فلا تفاجئنا بقطع التيار الكهربائى دون سابق إنذار، الأمر الذى يسبب للناس مآزق لا حصر لها سواء كانوا فى مكاتبهم أو معاملهم أو بيوتهم، ولا أظن أنه سر حربى يتعين الاحتفاظ به وإخفاء أمره عن الناس، ولن يضيرها أن تحيطهم علما فى بداية اليوم بالأوقات التى سيتم خلالها قطع التيار الكهربائى. وإذا كان لنا أن نعرف من خلال الإنترنت حالة الطرق وما إذا كانت مفتوحة أم مغلقة، فأولى بنا أن نعرف مسبقا مواعيد الإضاءة والإظلام، إذ طالما انه لم يعد بمقدورنا رد القضاء فإن غاية مرادنا فى الوقت الراهن أن تنشد اللطف فيه.
لا يعيبنا ان نواجه أزمة أو أكثر فى ظل الأوضاع التى استجدت بعد الثورة، فذلك يحدث عادة فى ظروف التحول التاريخى الذى تنتقل الأنظار والشعوب بمقتضاها من طور إلى طور، وتواجه صعوبات جمة فى بناء النظام الجديد، لكن يعيبنا ألا نعرف كيف نتعامل مع الأزمة بحيث نحصر أضرارها فى أضيق نطاق ممكن. تماما كما أنه يعيبنا أن ننكر وجود الأزمة ونتصرف على نحو طبيعى دون أن نغير شيئا من سلوكنا المألوف. لذلك قدرت كثيرا اللفتة التى سجلها زميلنا الأستاذ صلاح منتصر فى عموده بجريدة الأهرام الصادرة فى اليوم ذاته، التى أورد فيها قائمة من النصائح التى يتعين الأخذ بها فى السلوكيات والعادات اليومية لتوفير استهلاك الكهرباء. ونبهنا إلى أنها موجودة على الإنترنت لمن يريد أن يتعرف عليها بشكل أكثر تفصيلا. وهو دور ينبغى أن تؤديه وسائل التوعية والإعلام على نطاق أوسع. ألا أن بعضها فيما يبدو ليس معنيا بالتكيف مع الأزمة وتخفيف وطأتها، وإنما هو معنى أكثر بتعميق الأزمة ومفاقمتها.