منّ الله على مصر بثورة مجيدة، بددت عقود من الظلم وفتحت الباب على أوسع أبوابه لتملك مصر لقراراتها السياسي والاقتصادي، لكن فيما يبدو أن الأمر ليس سهلًا بل إن هناك العديد من القوى الداخلية والخارجية لا تريد أن ترى النجاح في مصر لتجربة إسلامية طال انتظارها، حيث إن مصر عبر التاريخ كانت بداية للانطلاق الثورات وانطلاق التنمية للعالم العربي والإسلامي والأفريقي.
خلال فترة قصيرة في مصر عايشت فيها الأهل والأصدقاء. شعرت فيها بكم من الإحباط من الثورة المصرية نظرًا لعدم تحسن الأوضاع العامة للمصريين سواء ارتبط ذلك بالخدمات المقدمة للجمهور مثل النظافة أو الصحة أو التعليم أو التموين أو الأمن التي تركها النظام السابق ولست في حاجه إلى القول إن التركة ثقيلة للغاية، ففي يوم واحد في رحلة على طريق القاهرة إسكندرية الزراعي تستطيع أن تلمس تدهورًا كبيرًا في مستوى الخدمات المقدمة على الطريق فربما للقيادة لمدة 8 ساعات لم يقابلك شرطي واحد على الطريق وناهيك عن عدم وجود الشرطي أو المرور أو أي من جهاز الأمن داخل المدن نفس اليوم انهار كوبري بالقرب من قليوب مما استوقف الطريق لمدة 6 ساعات مما عطل حركة السير، ناهيك عن حادثة القطار والتي أودت بأرواح الأطفال الأبرياء نتيجة الإهمال الجسيم والخطير الذي استشرى في كل ربوع مصر.
والواقع أن هذا المقال يريد أن يجيب عن سؤال هام: ما هي القرارات التي يمكن لرئيس الوزراء اتخاذها بصفة فورية؟
لكان أول قرار هو كما يلي:-
القرار الأول :- تطبيق قواعد السلامة العامة
إن من أشد الأمور خطورة في مصر هو عدم اتباع أي قواعد للسلامة العامة للمواطنين فحادث القطار مؤشر هام ونذير خطير عن تردى هذه المعايير والتهاون في تطبيقها، ونحن في تخلف شديد مقارنة بما يحدث في العالم أجمع، فمعديات نقل المواطنين في النيل، أو عمليات البناء والتي لا تراعى فيها اعتبارات تأمين العمالة أو تأمين عامة الناس الذين يمرون بجوار العمارات، أو معايير السلامة الصحية من انتقال الأمراض نتيجة عدم فرض أي رقابة على الإطلاق وعدم السهر على تنفيذها، أو معايير السلامة الصحية في الأطعمة أو المجال الزراعي، أو معايير السلامة على الطرق، كل ذلك يحتاج اتخاذ قرارات سريعة تعيد تفعيل القوانين والحرص على حماية المواطنين من عمليات الغش التي طالت كل أوجه الحياة ابتداءً بالسلع منتهية الصلاحية مرورًا بالأدوية المغشوشة.
القرار الثاني:- إلغاء المعاملات الورقية كافة بين المصالح الحكومية
إنني أعني هنا أن كل مصلحة من مصالح الحكومة بما يوجد لديها من تعليمات لتيسير العمل على المنوال الحكومي. من المهم لكل مصلحة مراجعة اللوائح التى وضعت من قبل النظم الإدارية المترهلة والعفنة ، سأسوق بعض الأمثلة خشية الاسترسال ، فقد اردت أن انقل اوراق أولادي داخل المدارس بإحدى المحافظات فوجدت أن مدير المدرسة يحيلنا الى مديرية التعليم وبعد ان وصلنا الى مديرية التعليم حولنا الى الوزارة ومن الوزارة الى المديرية مرة اخرى ومن المديرية إلى الإدارة التعليمية مرة أخرى ومن ثم أخيرًا إلى المدرسة، لا أريد أن أتحدث عن الوقت الضائع أو الأموال المهدرة ، قل لي بالله عليك ما الحاجة لأن يقوم السيد طالب الخدمة بتصوير الورق بنفسه وأن يصعد مبنى متهالك ذو أربعة أدوار صعودًا وهبوطًا والموظف لا ولن يفكر في تسهيل الإجراءات للمواطن فهو عبد المأمور؟ قل لي بالله عليك ماذا يحدث لو طلب من كل مصلحة أن تضع قائمة بالخدمات والشروط الواجبة لكل خدمة؟ ولا أريد أن أسترسل في مثل هذه الحالات من الإدارة العفنة التي فيما يبدو أن الحكومة لا تدرى عنها شيئًا. وهل يمكن تقديم الخدمة كاملة عن طريق الإنترنت دون أن يغادر المواطن بيته؟
ذهبت مع أخي لكي يقوم بالتحويل من جامعة إلى جامعة فتارة موظف يحيلك من طنطا إلى القاهرة ومن القاهرة إلى المنوفية طاقات وأموال مهدرة تصيبك بالإحباط والقرف أحد السادة الموظفين يطلب منك شهادة مؤهل دراسي وأن ترفق معه صورة من محضر الشرطة لأن شهادة المؤهل ليست هي الأصلية وهي مستخرجة من نفس المصلحة.
إن هذا أمر بالغ الأسى والحزن أن نتحرك بهيكل إداري عفن يدمر أحلام المواطنين ويفقدهم الأمل في إصلاح منشود إن تقليص العنصر البشري في العملية الإدارية وذلك باستخدام الكمبيوتر في العمليات الإدارية الحكومية كافة مما يدفع إلى تحسين الأداء ورفع مستوى الخدمة المقدمة إلى الناس علمًا بأن توضع المعلومات والتعليمات كافة بصورة واضحة للناس مما يمكن الدولة من القضاء على الفساد بخطوات عملية ناجحة.
أما الخطوة الثانية وهي مرتبطة بالخدمات السريعة المقدمة للجمهور بصفة مباشرة قبل رغيف الخبز. أو النظافة أو التموين أو المرور أو البيئة وغيرها…….
فما أراه في مصر هو وجود القوانين فعلًا واللوائح، رغم أن بعض هذه اللوائح يمثل تهديدًا وخيمًا للمصريين نظرًا لتغول السلطة على الناس، فالقانون كان يوضع للتقصير على الناس مصالحهم، فكانت النظم في المجالس المحلية تفتح الباب على مصراعيه للرشاوى والكل يعرف ذلك، إذا لست في حاجة إلى الإطالة.
قل لى بالله عليك ما هو القانون الأوجب تنظيم ساعات العمل لإغلاق المحال التجارية
رغم الأولوية له أم تنظيف المدن من القاذورات الآدمية التي لا تعيش إلا على المخلفات؟… قل لى بالله عليك كيف أستطيع أن أقلص حجم الموظفين الذين لا يؤدون شيئًا..
ذهبت إلى مدينة 6 أكتوبر الحديثة نسبيًا فلم أجد لافتة واحدة تشير إلى مدخل مدينة أو اسم شارع، لماذا لا نقوم بإنشاء إدارة مختصة فقط بعمل اللافتات الارشادية على كل شبر من أرض مصر؟ على الحكومة أن تحول الموظفين من قطاع إلى قطاع أو من وزارة إلى وزارة ، حتى يستطيع المواطن الانتقال من مكان لآخر في سهولة ويسر…
القرار الثالث: وقف المضاربات
الواقع أن المضاربات موجودة في كل بقعة من بقاع مصر ابتداءً من الأوراق المالية في البورصة وأسعار السكر والشاي والدولار والعقارات والأراضي الزراعية ..
قل لى بالله عليك كيف يباع متر الأراضي بـ3000 جنيه للمتر؟ فكيف لمواطن مطحون أن يشترى شقة بمائة ألف جنيه أو مائتين من الألوف من الجنيهات؟ كيف تقوم الحكومة ببيع الأراضي بالمزاد حتى يربح منها بعض السماسرة بالملايين ثم لا يدخل خزينة الدولة جنيه واحد من هذه الزيارات؟ لماذا لا تقوم الحكومة بالسماح للأفراد بامتلاك الأراضي بتخصيص قطعة لكل مواطن بأسعار رمزية حتى تقضى تمامًا على المضاربات؟ إنني أشعر الآن أن المصريين كافة يفكرون في تسقيع الأراضي لما تدر من ربح وفير، إن هذا التفكير الذي تقوده الحكومة بلا منازع يعطى تشويها لجهاز الأسعار ويجعل تحول من القطاعات الإنتاجية إلى القطاعات الاستهلاكية بامتياز…
في مدينة شبين الكوم وحدها لا يقل بأي حال من الأحوال عن 150 برجًا سكنيًا تتراوح تكلفة البرج في المتوسط 7 ملايين جنيه أي أنه تم استثمار ما لا يقل عن مليار جنيه على أقل تقدير في ثروة أسمنتية لا تسمن ولا تغنى من جوع، ناهيك عن القرى السياحية في الساحل الشمالي المغلقة التي عطلت مليارات الجنيهات بطول الساحل الشمالي.
إن القرض الذي تنوى الحكومة اقتراضه يمكن للحكومة جمعه من خلال فتح باب شراء الأراضي السكنية من خلال أسعار مناسبة فالمصريون بالخارج ليسوا مليونيرات، بل يمكن من خلال أسعار مناسبة على أن تكون حصيلتها بالدولار، أن تدر عائدًا مناسبًا لخزينة الدولة بالدولار الأمريكي، ربما يفوق ما تحتاجه الدولة من قروض.
وبحساب بسيط على فرض أن الدولة تقوم ببيع قطع أرضى 400 متر مربع لكل مواطن وبمتوسط سعر المتر 500 جنيه أي ما يقارب 100 دولار.
للمواطن المقيم بالخارج أي أن قطعة الأرض تكلف تقريبًا 32 ألف دولار يمكن أن تدفع على أقساط سنوية أو شهرية أو حتى دفعة واحدة . ولكى تستطيع الدولة تحصيل مبلغ 146 ألف قطعة حتى تحصل على نفس قيمة القرض.
إن مساحات هذه الأرض قد تكون تقريبًا تسعة مدن جديدة . يمكن الدولة التوفيق واختيار ما يناسب مع التوزيع الجغرافي والدواعي الأمنية التي تشهدها البلاد في كل محافظة.
المهم من الفكرة سواء لاقت استحسانًا من عدمه هي فكرة القضاء على المضاربات، فضلًا عن إخضاع تلك الدخول الريعية للضريبة، حتى تستطيع الدولة إدارة مواردها على أحسن استغلال ممكن.
ولست في الحاجة إلى القول إن هذه الفكرة ستدعم مركز الجنيه المصري وستدفع من قيمته في مقابل الدولار مما يعكس انخفاضًا في أسعار الواردات.
القرار الرابع :- تشكيل مجموعة إنقاذ
أن يتم تشكيل مجلس وزراء مصغر لإنقاذ يعمل على حصر أكبر 10 مشكلات يعانى فيها الجمهور وتسعى لحلها تمامًا والقضاء عليها تمامًا، فمثلًا المشكلات التى طرحت في 100 يوم الأولى من مشكلات النظافة والمرور والسولار والبوتاجاز والمديونية وعجز الموازنة العامة للدولة والبطالة والمخدرات والأسمدة.. ومن الممكن أن نختلف حول أهمية الطرق، عقبه أهم من انتشار المخدرات في منطقة أخرى والعمل على وضع قوانين صارمة ما يتضمن من دراسة الظاهرة ووضع حلول تتناسب مع كل حي أو قرية أو مدينة لحل مشكلاتها.
ويمكن للدولة أن تستمع لآراء الناس في كل قرية وفى كل حي وتستمع لمشكلاتهم وحلها وهذا أمر سيؤدى إلى معرفة طبيعة المشكلة جيدًا..
القرار الخامس :- إنشاء قواعد بيانات
لا أبالغ إذا قلت أن كل الخطوات السابقة لن تكتمل إلا بتوافر قواعد البيانات. فلن تنتج خطوة من الخطوات إلا مع وجود هذه القواعد. ولست في حاجة إلى القول إن قواعد البيانات ينبغي أن ترتبط بمناح الحياة كافة من لحظة ولادة الأطفال حتى لحظة الوفاة.. فحسبك أن تحصر كم الناس والحدود الدنيا بمداخل الأفراد أو كم علبة من الدواء تصرف لعلاج نزلات البرد أو كم هو عدد أشجار التين؟ كم توجد في مصر من مضارب الأرز؟ وهكذا في مناح الحياة كافة أن هذا الموضوع يحتاج إلى مقال أعمق يحلل اتجاه وتكامل قواعد البيانات حتى تستطيع أن تصل إلى القرار السليم في الوقت المناسب.