تزايدت بشكل لافت التحذيرات من حملات الاعتقال الأمني في مصر، وذلك بالتزامن مع تقرير حقوقي تخوّف من توجه أمني بإعادة توقيف معتقلين سياسيين سابقين بجميع أنحاء البلاد، في وقت حذّر فيه أيضا، تقرير صحفي إسرائيلي من حدوث نشاط وقائي لأجهزة الأمن بدول المنطقة العربية، إثر سقوط حكم بشار الأسد في سوريا.
والأحد الماضي، إثر دخول المعارضة السورية دمشق، وهروب الأسد، إلى روسيا، وبدء احتفالات السوريين في مصر بمدينة “6 أكتوبر”، و”العبور”، (غرب وشرق القاهرة)؛ ألقى الأمن المصري القبض على العشرات منهم، بتهم التظاهر دون تصريح، فيما ناشد الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، سلطات القاهرة للإفراج عنهم.
والأربعاء الماضي، وتحت عنوان: “بيان هام وعاجل”، قالت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان”، ومقرها العاصمة البريطانية، لندن، إنه: “مع تزايد التقارير حول زيادة وتيرة الحملات الأمنية والاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية، نوجّه الذين سبق احتجازهم واعتقالهم أو لديهم ملفات أمنية من المصريين، لضرورة اتخاذ الحيطة والحذر”.
وأشارت الشبكة الحقوقية إلى أن السلطات الأمنية المصرية كثفت مؤخرا من حملات الاعتقال التعسفي، لتطال العديد من المصريين، وإخفائهم قسريا بمقرات “جهاز الأمن الوطني” و”معسكرات الأمن المركزي”.
وقبل أيام، أيضا، وخلال مداهمة أمنية من قوات أمن محافظة الشرقية (شمال شرق القاهرة) لبيت أحد المصريين المعارضين لنظام السيسي، والمطارد منذ عام 2014، بعيدا عن أسرته في قرية شلشلمون، سقط من الدور الرابع أثناء هروبه ليقضي في الحال، وفق رواية الأمن المصري.
لكن مركز “الشهاب لحقوق الإنسان”، و”الشبكة المصرية لحقوق الإنسان”، قد اتّهما “الأمن الوطني” بتصفية عبد الباسط الحلابي، وإلقاء جثمانه من الدور الرابع، وسط صراخ الأهالي، مع تهديد أسرته بالاعتقال حال كشف حقيقة قتله عمدا.
وكان تقرير إسرائيلي قد توقّع قبل أيام حدوث “نشاط وقائي الأيام المقبلة من وحدات الشرطة وأجهزة الأمن بدول المنطقة ضد نشطاء الجماعات..؛ وذلك لمنع ما حدث في سوريا على أراضيهم”، ملمّحا لمخاوف النظام المصري من تكرار المشهد السوري.
إلى ذلك، كشفت صحيفة “معاريف” العبرية، الأربعاء الماضي، عن أن السيسي، تقدم بنداء عاجل إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي لإنقاذ نظامه من أي تحركات مماثلة لما جرى ضد بشار الأسد في سوريا، مؤكدة أن هذا كان السبب الرئيسي لزيارة رئيسي الأركان والشاباك الإسرائيليين، للقاهرة، الثلاثاء الماضي.
إثر انهيار نظام الأسد في سوريا، الأسبوع الماضي، وإخلاء سبيل آلاف المعتقلين من سجونه، يؤكد البعض وبينهم الناشط المصري، هشام قاسم، أنه بعد خروج أغلب نزلاء سجون سوريا فإن سجون مصر أصبحت في الصدارة من حيث أعداد المسجونين السياسين، مبينا أن: “الوضع تجاوز مرحلة القمع وحكم الحديد والنار ودخل بحالة أقرب للاضطراب النفسي”.
السياسي المصري، قال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنّ: “تقارير المنظمات الدولية تقول بوجود مليون سجين سياسي بالعالم، وبمصر بين 60 إلى 100 ألف سجين، و20 ألفا في ميانمار، و1500 بروسيا، و500 بالجزائر وفنزويلا، والبقية بـ52 دولة شمولية ومستبدة”.
وفي السياق نفسه، لفت إلى قول صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن سقوط الأسد جاء “لجمود حكومته وعدم مواكبة سرعة التغير بالمجتمع السوري”، مشيرا إلى أن نظام السيسي، يعاني ذات الجمود وأنه سيتمنى لو تراجع عن هذا الجمود.
وإثر خروج آلاف المعتقلين السياسيين في سوريا من سجون الأسد، وبينها “صيدنايا”، وفروع أمن الدولة هناك، دعا الناشط الحقوقي هيثم غنيم، أسر المختفين قسريا في مصر طوال الأعوام السابقة لتسجيل أسمائهم وصورهم وتاريخ اختفائهم، لتوثيق المعلومات حولهم لتفادي كارثة مشابهة لما جرى في سوريا.
قبل أيام، وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، المقرر في 10 ديسمبر من كل عام، دعا المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والإفراج الفوري عن سجناء الرأي.
ومطلع ديسمبر الجاري، قامت قوات الأمن بمحافظة الغربية (دلتا النيل) باعتقال 5 مصريين من قرية العتوة مركز قطور، وسط اعتداء الأمن على ذويهم.
ومع حلول الذكرى الـ 76 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كشف مركز “الشهاب لحقوق الإنسان”، عن أوضاع حقوقية مزرية يواجهها المصريون، وعن انتهاكات واسعة بحق آلاف السجناء والمعتقلين السياسيين.
وأبرز: “تشهد السجون المصرية تكدس المعتقلين في الزنازين، مما يعرض سلامتهم للخطر، مع تجاهل تلبية أساسيات الحياة والاحتياجات الصحية”، مبينا أنه: “يتم حرمان المعتقلين السياسيين من الأغطية والملابس الكافية والطعام الكافي وأدوات النظافة الشخصية ومن التريض والخروج إلى الشمس”.
وكشف أنه “منذ عام (2015 وحتى 2024)، تم تنفيذ 105 حالات إعدام بحق المعارضين السياسيين، وأن عدد أحكام الإعدام الباتة واجبة النفاذ منذ (2013 حتى أكتوبر 2024) بلغت 107 أحكام، وأنه بعام 2024، تم توثيق 1385 حالة إخفاء قسري، وأن حالات القتل بالإهمال الطبي بلغت 27 معتقلا”.
وتشهد السجون وأقسام الشرطة المصرية ارتفاعا بمعدلات الوفيات نتيجة لتردي أوضاع الاحتجاز وافتقار أماكن الاحتجاز إلى الحد الأدنى من معايير الرعاية الصحية والطبية، وفق حقوقيين.
وخلال الشهر الجاري شهدت السجون والمعتقلات 4 حالات وفاة بسبب الإهمال الطبي والتعنت مع السجناء وحرمانهم من حقهم في العلاج وإدخال الدواء، وباقي حقوقهم التي يكفلها القانون والدستور المحلي، وفق منظمات محلية.
وبحسب رصد وتوثيق لهم، توفي المعتقل إبراهيم خالد (64 عاما)، بسجن وادي النطرون، إثر إصابته بجلطة دماغية، لتوافيه المنية بعد 10 سنوات من اعتقاله عام 2014 من أبوصوير بمحافظة الإسماعيلية (شرق القاهرة).
وبعد أيام من إجرائه عملية دقيقة في العمود الفقري، جرى اعتقال المهندس محمد عز الدين الشال (58 عاما)، تعسفيا، واحتجازه بمقر الأمن الوطني بمدينة ههيا، مسقط رأس الرئيس الراحل محمد مرسي، بمحافظة الشرقية، لتحدث له وفاة غامضة الثلاثاء الماضي.
وفي 2 ديسمبر الجاري، حصلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان على معلومات تفيد بوفاة معتقل سياسي محتجز احتياطيا في سجن “بدر”، دون تمكنها من الكشف عن هوية المعتقل وملابسات وفاته.
كذلك، أدانت الشبكة “استمرار منهجية الاعتقال العشوائي خارج إطار القانون، وغياب الرقابة أو المحاسبة، فضلا عن سياسات الإفلات من العقاب”.
وبعد حبسه 3 سنوات وتعذيبه بقسم شرطة ديرمواس بالمنيا في صعيد مصر، ما أدى لإصابته بالشلل وتدهور حالته الصحية ما أدى به لجلطة دماغية وفقدان للذاكرة، توفي المعتقل السياسي فضل سليم محمود (64 عاما)، بسجن المنيا مطلع الشهر الجاري.
انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ستكون حاضرة خلال المراجعة الدورية الشاملة UPR التي تتم كل 4 سنوات لسجل حقوق الإنسان في مصر بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في جنيف بسويسرا، المقررة الشهر المقبل.
وتعرضت الحكومة قبل 4 سنوات وخلال الاستعراض السابق في 2019، لانتقادات واسعة، وتلقت 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بالمحاكمات العادلة والمنصفة.
وشملت الانتقادات فرض القيود على المجال العام والتضييق على عمل الأحزاب السياسية والنشطاء وفرض إجراءات تحد من حرية الإعلام والصحافة، إلى جانب الاعتقالات والاحتجاز التعسفي، وما يشوب المحاكمات من تقييد لحقوق المسجونين في الدفاع عن أنفسهم.
وتهتم الحكومة بشكل كبير بتلك المراجعة التي يشرف عليها السيسي، الذي تسلم الأربعاء الماضي، من وزير الخارجية بدر عبد العاطي، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، التقرير الثالث لـ”الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، التي أطلقها في 11/ سبتمبر 2021.