أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرتي اعتقال دوليتين بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش المقال يوآف جالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب الإبادة على قطاع غزة.
جاء ذلك في قرار نشرت المحكمة تفاصيله على موقعها الإلكتروني، فنّدت فيه حيثيات القرار الذي رفض الطعن في اختصاصها بالنظر بالقضية الذي كانت تقدمت به تل أبيب.
وقالت: “بخصوص الوضع في دولة فلسطين: الغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ترفض الطعون المقدمة من دولة إسرائيل بشأن الاختصاص، وتصدر أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت”.
وتوصلت المحكمة إلى أن الجرائم المنسوبة لنتنياهو وجالانت تشمل “استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد، وتوجيه هجمات متعمدة ضد المدنيين رغم توفر الإمكانيات لمنع ذلك”.
وأكدت أن “قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس مطلوبًا، حيث يمكن لها ممارسة اختصاصها على أساس الاختصاص الإقليمي لفلسطين”.
كما جاء في البيان أن الغرفة التمهيدية “اعتبرت أنه بموجب المادة 19 من النظام الأساسي، لا يحق للدول الطعن في اختصاص المحكمة قبل إصدار أمر الاعتقال، وبالتالي فإن طعن إسرائيل سابق لأوانه”.
ووفق ما ورد في تفاصيل القرار، “أصدرت الغرفة الأولى في الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بين 8 أكتوبر 2023 و20 مايو 2024 على الأقل، وهو اليوم الذي قدمت فيه النيابة طلبات أوامر الاعتقال”.
وأوضحت المحكمة أن قرار إصدار مذكرتي الاعتقال “مصنفة سرية” بهدف حماية الشهود وسير التحقيق، غير أنها قررت تعميمها نظرا لبقاء الوضع على نفس الوتيرة ولأن ذلك يصب في مصلحة الضحايا والمتضررين من الحرب في غزة.
وأكدت أن التهم الموجهة لنتنياهو وجالانت تقع ضمن اختصاصها الذي يمتد إلى غزة والضفة الغربية.
وقالت إنها “وجدت أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما مشاركين في ارتكاب الأفعال بالاشتراك مع آخرين، عن: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأفعال اللاإنسانية”.
كما “وجدت أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت “يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما رئيسين مدنيين، عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين في غزة”.
وبيّنت أنه “خلال الفترة المعنية، ينطبق القانون الإنساني الدولي المتعلق بالنزاع المسلح الدولي على الحالة بين إسرائيل وفلسطين، لأنهما طرفان متعاقدان ساميان في اتفاقيات جنيف لعام 1949 ولأن إسرائيل تحتل أجزاء من فلسطين على الأقل”، كما وجدت أن القانون المتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي ينطبق على القتال بين إسرائيل وحماس”.
وبالتالي، فالقضية ترتبط “بالعلاقة بين طرفين في نزاع مسلح دولي، فضلاً عن العلاقة بين قوة الاحتلال والسكان في الأراضي المحتلة”.
وتابع بيان المحكمة: “لهذه الأسباب، وفيما يتعلق بجرائم الحرب، وجدت الدائرة أنه من المناسب إصدار أوامر الاعتقال وفقا لقانون النزاع المسلح الدولي، وأن الجرائم المزعومة ضد الإنسانية كانت جزءا من هجوم واسع وممنهج ضد المدنيين في غزة”.
كما لاحظت المحكمة وجود مؤشرات جدية تفيد بأن “نتنياهو وجالانت حرموا عمدًا وعن علم المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء”.
ولم يغفل بيان المحكمة دورهما في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في قطاع غزة إضافة إلى إعاقة المؤسسات المعنية بتولي هذه المهمة في ظروف مشابهة (في إشارة إلى حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا) والانفراد بقرار السماح بذلك والذي جاء تحت الضغوط الدولية.
وأشارت المحكمة إلى أنه حتى في حال وصول المساعدات، لم يتم السماح إلا بالحد الأدنى منها، ولذلك فهي لا تكفي على أي حال لتغطية حاجات الأهالي لفعل الحرب المتواصلة والحصار المشدد.
وفي هذا الإطار شددت على أنه “لا مبرر” لسلوك الاحتلال بمنع وصول السلع الأساسية إلى القطاع.
وانتقدت المحكمة إقدام نتنياهو على الربط بين تحقيق أهداف الحرب (أبرزها تدمير قدرات حماس في القطاع)، والسماح بدخول المساعدات الضرورية، ما أدى إلى “فترة حرمان مطولة” للأهالي من اللوازم الأساسية لضروريات الحياة.
ولاحظت الجنائية الدولية أن سلوك نتنياهو وجالانت “خلق ظروفًا معيشية بقصد تدمير جزء من المدنيين في غزة، ما أدى إلى وفاة المدنيين، بمن فيهم الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف”.
وحول قضية اضطرار الأطباء في غزة إلى إجراء عمليات جراحية لمرضى بمن فيهم أطفال دون تخدير وفي ظروف غير آمنة، بسبب منع إدخال المواد اللازمة، أكدت المحكمة أن “هذا يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في ارتكاب أفعال غير إنسانية”.
وعقب قرار “الجنائية الدولية” التي لا يوجد لديها شرطة لتنفيذ أوامرها، أصبحت الدول الأعضاء فيها ملزمة قانونًا باعتقال نتنياهو وجالانت إذا دخلا أراضيها، وتسليمهما إلى المحكمة.
وتوصلت المحكمة إلى أن الجرائم المتهم بها نتنياهو وجالانت جاءت “على أساس سياسي و/أو وطني، وبالتالي وجدت أن جريمة الاضطهاد قد ارتُكبت”.
وفي 20 مايو الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وجالانت؛ لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” ارتكبها جيش الاحتلال بغزة منذ 7 أكتوبر 2023.
كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس الماضي من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت.
لكن تل أبيب طعنت في 20 سبتمبر الماضي، في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بنظر في الانتهاكات بفلسطين، وشرعية طلبات مدّعيها العام، في إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت.
وقالت وزارة الخارجية في بيان حينها: “قدمت دولة إسرائيل اليوم طعنها الرسمي في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك في شرعية طلبات المدعي العام بإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع”، مشيرة إلى أنها “قدمت مذكرتين قانونيتين منفصلتين” بهذا الشأن.
وأضافت أنه “في المذكرة الأولى، أوضحت إسرائيل الافتقار الواضح للمحكمة الجنائية الدولية للاختصاص في القضية الحالية”، في إشارة إلى الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتابعت أنه “في مذكرة أخرى، أوضحت إسرائيل بالتفصيل انتهاك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية غير المشروع لنظام المحكمة ومبدأ التكامل، من خلال الفشل في منح إسرائيل الفرصة لممارسة حقها في التحقيق بنفسها في المطالبات التي أثارها المدعي العام، قبل المضي قدما” في طلبه، وفق ادعائها.
وبدعم أميركي يرتكب الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.