كشف موقع المنصة أن أكثر من 2000 طبيب أبدوا استعدادا لدخول قطاع غزة بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري والفلسطيني، لكن الخطة لم تنفذ بعد أن فضلت وزارة الصحة أن يتم الأمر من خلالها، ولم تتمكن من إدخال أي طبيب مصري إلى القطاع، كما أن الوزير صرح بأن قرار الدخول والخروج من غزة ليس مصريا.
ومنذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تمنى طبيب الطوارئ مجدي عبد النبي المشاركة في إسعاف المصابين، لكن العبور من/إلى غزة يحتاج قرارًا سياديًا لن يصدر إلا بتدخل جهات رسمية.
الرغبة في التطوع كانت جماعية، إذ دعا نقيب الأطباء أسامة عبد الحي زملاءه للتسجيل ضمن الفريق الطبي الذي كان يجري إعداده بالنقابة للمشاركة في دعم الشعب الفلسطيني مع بداية الحرب.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان النقيب ذاته وأعضاء بمجلس النقابة ضمن الدفعة الأولى التي تلقت تدريبات نظمها الهلال الأحمر للمتطوعين لعلاج الجرحى الفلسطينيين. شارك النقيب بصفته طبيب تخدير ورعاية مركزة متطوعًا، إلى جانب 40 طبيبًا من تخصصات الجراحة والتخدير والرعاية المركزة وجراحة الأوعية الدموية وجراحة المخ والأعصاب والعظام والأمراض النفسية والعصبية.
وبعد شهر من بداية العملية العسكرية الإسرائيلية قال النقيب خلال مشاركته في مؤتمر لدعم غزة، نظمته نقابة الصحفيين، “أكثر من 1800 طبيب سجلوا أسماءهم، بينهم أساتذة على أعلى درجة من الكفاءة، ومستعدون لعلاج الجرحى الفلسطينيين سواء داخل غزة حال فتح معبر رفح، أو بمستشفيات شمال سيناء”.
الدخول ممنوع
محمد الفيومي استشاري الجراحة العامة، وأحمد جاب الله طبيب العظام، ومجدي عبد النبي، كانوا ضمن من تطوعوا للدخول إلى القطاع تحت القصف الإسرائيلي، “لأن عدد المصابين الذين يخرجون لا يمثلون أي نسبة من المصابين بالداخل” يقول الفيومي لـ المنصة.
كانت الخطة في البداية إرسال أطباء متطوعين داخل قطاع غزة بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري والهلال الأحمر الفلسطيني، حسب الدكتور إبراهيم الزيات عضو مجلس نقابة الأطباء، وأحد الذين تطوعوا في مبادرة النقابة.
ويضيف الزيات ة “هناك إقبال كبير من الأطباء على التطوع، ولدينا كشف بـ2000 طبيب جميعهم أبدوا استعدادًا للسفر”.
لكن الخطة لم تُنفذ، إذ “فضلت وزارة الصحة أن يتم الأمر من خلالها، فسلمناها قائمة بأسماء الأطباء المتطوعين ولكنها لم تتمكن من إدخال أي طبيب مصري إلى القطاع”، يقول الزيات.
لم يعد أمام الفيومي وعبد النبي وجاب الله سوى المشاركة في علاج المصابين الفلسطينيين الذين يدخلون مصر في المستشفيات التي جُهزت لهذا الغرض. وجاء يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني لتعلن الوزارة وصول أول مجموعة من المصابين إلى معبر رفح دون أن تعلن عددهم، لكن البيان الصادر عنها أشار إلى تحويل 11 منهم إلى مستشفى العريش العام، و5 آخرين إلى مستشفى بئر العبد.
التقى الفيومي مجموعة أخرى من الأطباء أمام وزارة الصحة يوم 9 نوفمبر، ونُقلوا جميعًا بأوتوبيس تابع للوزارة إلى سيناء، حيث تم توزيعهم على المستشفيات التي تستقبل الجرحى، ومن بينها مستشفى العريش العام الذي انتظم الفيومي في التطوع به بداية من 10 نوفمبر، بينما سافر أحمد جاب الله ومجدي عبد النبي في الأسبوع الأخير من نوفمبر وانتظما في مستشفى الشيخ زويد.
كانت السلطات المصرية قررت تجهيز مستشفى ميداني في سيناء، يقول عنه الفيومي “يمكن اعتباره مستشفى فرز يتم فيه تحديد حالة كل مصاب، وخطة التعامل معه سواء بنقله إلى مستشفى آخر لاستكمال العلاج، أو تكون الحالة مستقرة فيتم صرفها من المستشفى الميداني”.
يعمل الطبيب المتطوع مدة أسبوع في المستشفى التي وزع عليه، يقول الفيومي “التطوع يكون بالتناوب وحسب التخصص اللي محتاجينه”، ويمكن للطبيب أن يطلب التطوع مرة أخرى لكن عليه أن ينتظر دوره من جديد.
وصل الفيومي مستشفى العريش بعد شهر تقريبًا من بداية الحرب، يتذكر “شفت مصابين لم يتلقوا الرعاية الطبية منذ إصابتهم في بداية العدوان، أو تلقوا إسعافات أولية بسيطة” وذلك لضعف الإمكانات وقلة المستلزمات.
“الحالات التي تعاملت معها مش فريش (ليست حديثة)، وبعض الحالات كانت تعاني من تعفن في الجروح، وهو أمر يعقّد التدخل الطبي ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة للمريض” يتابع الفيومي. فيما اضطر أحمد جاب الله إلى بتر الطرف المصاب في أكثر من حالة.
يتم استقبال ما بين 40 إلى 50 مصابًا من قطاع غزة يوميًا، حسب وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، وتضمن بيان له إحصاء بعدد العمليات الجراحية التي بلغت نحو 1562 عملية، كما بلغت الحالات التي تم إعدادها للسفر إلى الخارج 1366 حالة.
الأمر بيد إسرائيل
لا تملك السلطات المصرية اتخاذ قرار بدخول الأطباء، أو خروج الجرحى من المعبر، حسب الوزير، الذي أثار تصريحه جدلًا واسعًا عندما أقر في مقابلة تليفزيونية في 17 نوفمبر الماضي، بأن قرار دخول أعداد أكبر من المصابين والحالات المرضية من قطاع غزة “ليس مصريًا”، وعندما سألته المذيعة عمّا إذا كان لإسرائيل الكلمة الأخيرة لخروج الجرحى؟ أجابها “ليست لدي معلومات في هذا الشأن ولكن بالتأكيد هناك سلطات معينة على الجانب الآخر لاتخاذ القرار بشأن من سيخرج من هناك”.
يشرح أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس الآلية التي يُنقل بها الجرحى من غزة للعلاج في الخارج”هناك طريقان؛ إما التواصل بشكل مباشر بين الصحة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية التي تملك وحدها سلطة من يخرج للعلاج خارج القطاع، والطريقة الثانية تكون عن طريق الصليب الأحمر حيث يتحمل هو مسؤولية التنسيق بين الجانبين”.
كان الاحتلال أطلقت تحذيرًا لقطع الطريق على خروج الجرحى، يقول الرقب “في بداية العدوان على غزة حاول مُسعفون نقل جرحى بسيارة إسعاف إلى الجانب المصري دون الحصول على تصريح إسرائيلي، فتعرضت لقصف من الطيران الإسرائيلي في شارع صلاح الدين”، ورغم أنها كانت سابقة في وقتها، لكنها رسالة قاسية بأنها لن تتردد في استهداف أي سيارة إسعاف لم تحصل على تصريح بنقل جريح أو مريض.
هذا التعنت والإجرام، حسب الرقب، هو ما يفسر قلة عدد المصابين الذين خرجوا من القطاع، “لدينا اليوم أكثر من 74 ألف مصاب لم يخرج منهم سوى مئات، بينما يعاني الآلاف من أوضاع صعبة، سواء بتدمير المشافي أو بنقص الإمكانيات البشرية والطبية”.
يرى جاب الله أن قلة أعداد المصابين التي تعبر إلى الجانب المصري جردت فكرة التطوع من أهميتها، “علينا العودة إلى الخطة الأولى والضغط على الصهاينة لفتح المعبر أمام الأطباء المصريين ليدخلوا إلى غزة”.
ليست هذه رغبة جاب الله وزملائه فقط، وهو ما يؤكده إبراهيم الزيات عضو مجلس نقابة الأطباء “من سجلوا أسماءهم للسفر إلى غزة يسألون دائمًا عن الموعد، لكن إحنا مش بإيدينا حاجة” فيما عدا اتصالات ومناشدة السلطة في محاولة لاستعادة الخطة الأصلية.
يتشارك الفيومي وجاب الله وعبد النبي الإحساس بالخوف من اجتياح إسرائيل لرفح، بينما يعتبر الفيومي أنهم سيكونون على موعد مع مذبحة جديدة أكبر وأصعب.
أما عبد النبي، الذي لا يزال يأمل في أن تكون هناك طريقة يدخل بها إلى غزة، فيرى أنه لا بد من موقف حاسم لمنع اجتياح رفح، “لن نتحمل التعايش مع هذه المقتلة”.