قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعا طارئا هذا الأسبوع، معربا عن قلقه العميق من انتقام الولايات المتحدة بعد أن قتلت ميليشيا متحالفة مع إيران في العراق ثلاثة جنود أمريكيين وأصابت أكثر من 40 آخرين في الأردن.
وناقش المجلس، الذي يضم الرئيس ووزير الخارجية وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدي المرشد الأعلى للبلاد، كيفية الرد على مجموعة من الاحتمالات، بدءا من الهجوم الأمريكي على إيران نفسها، وحتى توجيه ضربات ضد الميليشيات الوكيلة التي تدعمها إيران في المنطقة، وفقا لثلاثة إيرانيين مطلعين على مداولات المجلس، ولم يكن مسموحا لهم بالتحدث علنا.
ونقلوا الخطط التي تم تطويرها في اجتماع يوم الاثنين إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، حسبما قال الأشخاص المطلعون على المناقشة، وقد رد بأوامر واضحة: تجنب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة والنأي بإيران عن تصرفات الوكلاء الذين قتلوا أمريكيين – ولكن أن يتم الاستعداد للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران.
وبحلول يوم الأربعاء، كان مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، بما في ذلك وزير الخارجية والسفير لدى الأمم المتحدة، يعلنون علنا عن الموقف الذي حدده خامنئي، في محاولة لطمأنة الإيرانيين القلقين بشأن احتمال الحرب، وتخفيف رد فعل الرئيس بايدن. الذي توعد بالانتقام خلال الأيام المقبلة.
وقال الجنرال حسين سلامي، القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري، الأربعاء، متحدثا في مؤتمر في طهران: “في هذه الأيام، بين كلمات المسؤولين الأمريكيين، نسمع بعض التهديدات غير الضرورية. نقول لهم: لقد اختبرتمونا في ساحة المعركة واختبرناكم”.
وأضاف: “لن نترك أي تهديد دون رد. بينما لا نسعى إلى الحرب، فإننا أيضا لا نخاف ولا نهرب من الحرب”.
وفي حين قالت إيران إنها لا تريد الحرب، فإنها كانت تستعد لها. ووضعت جميع القوات المسلحة في حالة تأهب قصوى، وقامت بتنشيط أنظمة الدفاع أرض-جو ونشرت صواريخ باليستية على طول الحدود مع العراق، وفقا للإيرانيين الثلاثة المطلعين على التخطيط، ومسؤول حالي ومسؤول سابق.
كانت إيران تجري عملية توازن متقلبة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما بدأت الحرب بين أحد حلفائها، حركة حماس الفلسطينية، وعدوهم المشترك، “إسرائيل”. وحافظت إيران على جبهات متعددة ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة من خلال شبكة من الميليشيات المتحالفة المعروفة باسم “محور المقاومة”، من حزب الله في لبنان الذي يطلق الصواريخ على “إسرائيل”، إلى الحوثيين في اليمن الذين يطلقون الصواريخ على السفن، إلى فصائل متعددة تهاجم قواعد الولايات المتحدة في العراق وسوريا والأردن.
لكن إيران حاولت إدارة تلك الصراعات بعناية، من خلال ممارسة الضغط على الخصوم دون مواجهة مباشرة. فقد ضربت القوات الأمريكية والبريطانية قواعد الحوثيين، وأدت الضربات الإسرائيلية في سوريا ولبنان إلى مقتل كبار القادة الإيرانيين وحزب الله، لكن حتى الآن لم تمس الاشتباكات الأراضي الإيرانية.
لقد تم تصميم علاقة إيران مع وكلائها لتوفر لها إمكانية الإنكار المعقول. ورغم أن إيران تقود استراتيجية شاملة، فإن مدى تنسيق هذه الجماعات لأعمالها وتلقي الأوامر من إيران يختلف على نطاق واسع: فحزب الله هو الحليف الأقرب؛ وتتمتع الميليشيات العراقية بقدر أكبر من الحرية إلى حد ما؛ والحوثيون هم ورقة غامضة لا يمكن التنبؤ بها، وفقا للمحللين والإيرانيين الذين أجريت معهم مقابلات.
كن حربا بين إيران والولايات المتحدة بشكل مباشر تبدو مجرد خطوة خاطئة، وربما تكون هذه الخطوة الخاطئة قد حدثت عندما نفذ مسلحون عراقيون متحالفون مع إيران هجوما مميتا بطائرة بدون طيار على القوات الأمريكية في الأردن يوم الأحد الماضي. وبعد أكثر من 100 هجوم من هذا النوع على القواعد الأمريكية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كان أول هجوم يقتل أمريكيين.
والآن تحاول إيران تجنب تلك الحرب المباشرة. وبعد زيارة الجنرال إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس، أصدرت كتائب حزب الله، وهي ميليشيا قال البنتاغون إنها مسؤولة على الأرجح عن هجوم الطائرات بدون طيار، بيانا يوم الثلاثاء قالت فيه إنها ستعلق الهجمات على القوات الأمريكية. ولم تكن إيران منخرطة في اتخاذ قرارها، بل إن إيران في الواقع كانت ترفض في بعض الأحيان هجماتها على الأمريكيين.
لقد ترك القادة الإيرانيون قواعد في العراق وسوريا يمكن أن تصبح أهدافا أمريكية، متجنبين عمليات القتل البارزة التي تتطلب ردا، في نظر الإيرانيين.
وبعد ثلاث سنوات من تهميش وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، بدأت دائرة خامنئي مرة أخرى في التشاور معه بانتظام. ويعتبر ظريف معتدلا، وهو معروف جيدا لدى المسؤولين الأمريكيين.
وقال ساسان كريمي، المحلل السياسي في طهران الذي يشارك في التدريس في إحدى الجامعات مع ظريف: “لقد اتصلوا بالسيد ظريف لأنه يستطيع تحليل الوضع لهم بشكل أفضل وشرحه للجمهور، وفي هذا الوقت الحساس يحتاجون إلى خبراء كبار في السياسة الخارجية.. الهدف هو تجاوز هذه الأزمة الخطيرة بكل أداة وبطريقة تؤدي إلى عدم مهاجمة أمريكا لإيران”.
وقد أخبر خامنئي المقربين منه أنه يعارض الحرب مع الولايات المتحدة لأن الحفاظ على قبضة النظام الإسلامي على السلطة هو الأولوية القصوى، والحرب ستصرف انتباه العالم عن الكارثة الإنسانية في غزة، وفقا لشخص تابع لدائرته واستراتيجي عسكري له علاقات بالحرس الثوري.
ويمكن أن يكون للحرب أيضا عواقب وخيمة على المستوى المحلي على الناس العاديين، وتعاني إيران بالفعل من العقوبات الدولية والبطالة والفساد. ولا يريد العديد من الإيرانيين الحرب، خوفا من أن تؤدي إلى تفاقم الأمور. وعلى مدى العقدين الماضيين، شهدوا الغزوات التي قادتها الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، والحرب الأهلية في سوريا، وهي تزرع بذور الفوضى وعدم الاستقرار المزمن.
وقالت نفيسة، وهي معلمة في مدرسة ثانوية في طهران تبلغ من العمر 36 عاما، في مقابلة إنها لاحظت تغيرا في سلوك طلابها هذا الأسبوع. وقالت نفيسة، التي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها خوفا من الانتقام: “الطلاب خائفون جدا من خطر الحرب، لقد سمعوا جميعا الأخبار وكانوا متأثرين جدا بها”. وقالت إن البالغين من حولها يتعلقون بالأمل في ألا تضرب الولايات المتحدة إيران.
وأدت المخاوف من الحرب إلى انخفاض قيمة الريال الإيراني هذا الأسبوع مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع.
وبالنسبة للحكومة التي لجأت مرارا إلى العنف لسحق التحديات الشعبية لحكمها، فإن الصراع يهدد بمزيد من الاضطرابات الداخلية. وهناك انقسام حتى بين المحافظين الدينيين، ويشعرون بالقلق من أن المشاكل التي تعيشها البلاد لا يمكن التغلب عليها.
وكتب مهدي الناصري، رجل الدين المحافظ الذي انفصل عن الحكومة وتحول إلى منتقد صريح، على وسائل التواصل الاجتماعي: “لا يوجد حتى بصيص أمل في تحسن الأمور في الجمهورية الإسلامية. اليوم أفضل من الغد”.
وقد شارك خامنئي بعمق في التخطيط لمسار إيران خلال هذه الأزمة. وقد تلقى إحاطات يومية حول التطورات الإقليمية من قائد القوات المسلحة ومستشاره للسياسة الخارجية، ويعطي الموافقة النهائية على جميع قرارات مجلس الأمن القومي، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على المناقشات ومسؤول في وزارة الخارجية.
وفي كانون الثاني/ يناير، وافق على توصية المجلس بإطلاق صواريخ باليستية ضد ما قالت إيران إنها قواعد لجماعات إرهابية في باكستان وسوريا، وضد ما وصفته بمركز العمليات الإسرائيلية في شمال العراق. وردت باكستان والعراق، اللتان عادة ما تكونا صديقتين لإيران، بغضب، وهاجمت باكستان ما قالت إنها قواعد إرهابية في إيران. وفي وقت لاحق، نصح خامنئي قادته بتجنب الاشتباكات مثل تلك التي وقعت في باكستان.
لقد التزم خامنئي، الذي عادة ما يتحدث علنا عن مسائل الأمن القومي، الصمت هذا الأسبوع بشأن ثرثرة الحرب، بينما ظل مرئيا بشكل كبير. ذهب إلى معرض للصناعة المحلية، والتقى بمجموعات كبيرة وزار قبور كبار قادة فيلق القدس الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرا في سوريا.
وقال ناصر إيماني، المحلل السياسي المقرب من الحكومة، في مقابلة: “خامنئي مطلع على كل منعطف خلال فترة التوتر المتصاعدة هذه”. وقال إن الحضور العلني لخامنئي هذا الأسبوع كان يهدف إلى “إظهار إحساس بالحياة الطبيعية والقوة وإظهار أنه نشط”.
وقال علي فايز، مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة لمنع الصراعات: “إن المعضلة التي تواجه إدارة بايدن هي محاولة كسر أنف إيران دون لمسها. المشكلة هي أن كل طرف ينتقم من الطرف الآخر، وهذا يولد الحاجة إلى ضربة مضادة وتستمر هذه الحلقة المفرغة، وعند نقطة معينة سوف تنفجر”.