شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الولي في حوار مع «رصد»: الحكومة تورطت في إنفاق النقد الأجنبي الذي تم اقتراضه

ممدوح الولي

كشف نقيب الصحفيين السابق الخبير الاقتصادي ممدوح الولي عن أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية وفشل إدارة عملية الاقتراض خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب عدم وجود أولويات مدروسة فى إنفاق النقد الأجنبي الذى يتم اقتراضه، مما يضاعف المخاطر التي يتكبدها الوطن والمواطن جراء هذه السياسة ذات التكلفة المرتفعة.

وأكد «الولي» في حوار خاص مع شبكة «رصد» أن بلوغ فوائد وأقساط الدين العام نسبة 56 % من استخدامات العام المالي القادم يضر بالاقتصاد والمواطن.

وأشار نقيب الصحفيين السابق إلى أن تخارج الاستثمار الأجنبي ووجود سعر موازٍ للدولار يزيد شك المؤسسات الدولية فى قدرة الحكومة على سداد أقساط وفوائد الديون، موضحا أن الخليج لم يتخل عن مصر ولكن تغيرت طريقة التعامل.

  • بلوغ فوائد وأقساط الدين العام  نسبة 56 % من استخدامات العام المالي القادم يضر بالاقتصاد والمواطن. 
  • مطلوب سداد ديون نحو 100 مليار دولار على الأقل خلال 5 سنوات.
  • عدم وجود أولويات مدروسة فى إنفاق النقد الأجنبي الذي يتم اقتراضه هو سبب فشل إدارة القروض.
  • تخارج الاستثمار الأجنبي ووجود سعر موازٍ للدولار يزيد شك المؤسسات الدولية في قدرة الحكومة على سداد أقساط وفوائد الديون.
  • دول الخليج لم تتخل عن مصر لكن وتيرة المساعدة أصبحت بطيئة ويتعاملون بمنطق المستثمر أو التاجر.
  • تعود الأمور الاقتصادية الى طبيعتها عند التنفيذ العملي للوحة أسعار الصرف في البنوك فعليا.

إلى نص الحوار:

هل تبلغ الديون الحالية حجما بالغ الضرر على الاقتصاد المصري وما تأثير ذلك على المواطن؟

بالفعل وصل حجم الديون حاليا إلى الحد الذي يضر بالاقتصاد وبالمواطن، ويمكن تبين ذلك من ناحيتين:

 

  • الناحية الأولى: مع بلوغ قيمة فوائد وأقساط الدين العام الحكومي المحلي والخارجي، نسبة 56 % من الاستخدامات بموازنة العام المالي الحالي 2023/2024 الذى بدأ مطلع الشهر الحالي، وهو ما يعني أن باقي أبواب الاستخدامات الستة بالموازنة مخصص لها نسبة 44 % من الاستخدامات، وهى أبواب الاستثمارات الحكومية والدعم والأجور وشراء السلع والخدمات للجهات الحكومية والمساهمات فى الهيئات الاقتصادية المتعثرة، وبالتالى فإن إنفاق الحكومة سيقل على المشروعات الخدمية التعليمية والصحية وغيرها، وسيتم تقليص الدعم للفقراء وتحجيم زيادات أجور العاملين بالحكومة بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، كما ستزيد فترات تأخر سداد الحكومة لمستحقات المقاولين والموردين لها، ويضاف إلى ذلك فرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين والشركات لتقليل عجز الموازنة.

 

  • والناحية الثانية: مع بلوغ تكلفة الدين الخارجي وحده بالعام الماضي 24.5 مليار دولار، موزعة ما بين 19.1 مليار دولار للأقساط و5.4 مليارات دولار للفوائد، وهى قيمة كبيرة إذا تمت مقارنتها بقيمة بعض الموارد الدولارية بنفس العام، إذ بلغت إيرادات السياحة 12.2 مليار دولار، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر 11.4 مليار دولار، وإيرادات قناة السويس 7.6 مليارات دولار، كما بلغت أقساط وفوائد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل بالعام الحالي 22.9 مليار دولار، بخلاف 30.9 مليار دولار للقروض قصيرة الأجل، ومع تعود الحكومة تجديد القروض قصيرة الأجل فسوف تتحمل فوائدها السنوية التي لا تقل عن 600 مليون دولار .وبالنظر إلى مستحقات الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل فإنها تبلغ بالعام القادم 28 مليار دولار، وفى عام 2025 نحو 18.3 مليار دولار وبالعام التالي نفس القيمة، وبعام 2027 نحو 12.7 مليار دولار، أي أنه مطلوب خلال السنوات الخمس من العام الحالي حتى 2027 نحو مائة مليار دولار للسداد، إلى جانب فوائد الدين الخارجي قصير الأجل فى حالة عدم سداده، ومع تدبير الحكومة تلك المبالغ لسداد الأقساط والفوائد، فقد قامت بتقليص الواردات وضيقت على استخدام المصريين كروت الائتمان بالخارج، وهو ما أثر على الصناعة التى تعتمد على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، والنتيجة انخفاض الصادرات خلال الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 27% بالمقارنة لنفس الفترة من العام الماضي، وتأثر العمالة بتلك المصانع، وكلما قل المعروض من السلع المستوردة؛ زادت أسعارها بالأسواق مما يزيد من معاناة الجمهور.

 

– ما هي مكامن الخطر في إدارة عمليات الاقتراض وتكلفة الديون ؟ 

  • يأتى الخطر فى عدم وجود أولويات مدروسة فى إنفاق النقد الأجنبي الذي يتم اقتراضه، مثلما تم الإنفاق على تفريعة قناة السويس التي لم تكن الملاحة الدولية بحاجة إليها، وبناء عاصمة جديدة بينما البلد تعاني من عجز مزمن بالموازنة، وغير ذلك من المشروعات غير ذات الأولوية، مثل: وجود مطار جديد، وقطار كهربائي، ومنوريل، بخلاف خطوط الأتوبيسات تتصل كلها بالعاصمة الإدارية قبل أن يسنكها أحد، وكذلك إنفاق القروض على مشروعات لا تدر عوائد دولارية تسهم فى سداد أقساط القروض، كذلك ازدحام جدول سداد القروض، فالمبالغ المطلوب سدادها للعام القادم مثلا بالغة 28 مليار دولار بخلاف فوائد القروض قصيرة الأجل، رغم تأجيل دول الخليج سداد مستحقاتها إلى عام 2026، هي مبالغ تفوق قدرة الاقتصاد على توليد تلك المبالغ، خاصة أن هناك أمورا أخرى يتحتم استيرادها، مثل: القمح، والذرة، والمشتقات البترولية من بنزين وسولار وبوتجاز، وغير ذلك من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج للصناعة، مع الأخذ بالاعتبار أن المبالغ المطلوب سدادها خلال السنوات المقبلة ستزيد عن الأرقام المذكورة عندما يحين وقت السداد فى ظل استمرار الاقتراض، وعدم وضع حد أقصى للاقتراض السنوي حتى الآن، والسقوط بمصيدة القروض؛ بحيث نقترض لسداد الأقساط التي يحل أجل سدادها، فعندما حل أجل سداد أحد إصدارات سندات خارجية مصرية بشهر فبراير الماضي كانت الفائدة عليها أقل من 6 % عند إصدارها، تم إصدار صكوك سيادية بفائدة حوالي 11 % لسدادها.

 

– هل تعد مصر حالة استثنائية في حجم الديون الخارجية مقارنة بالدول المشابهة في القدرات الاقتصادية ؟

  •  هناك دول أخرى زادت ديونها الخارجية مثل باكستان والأرجنتين وغانا وتونس والأردن، مما جعل بعضها غير قادر على السداد مثل سيريلانكا وغانا، ولهذا لجأت لصندوق النقد الدولي لطلب قروض، ومن هنا فعليها تنفيذ روشتة الصندوق المؤلمة شعبيا، التي تتضمن عادة زيادة الضرائب وتقليص الدعم وتحرير سعر الصرف، بغض النظر عن الآثار السلبية لذلك، وخاصة ارتفاع التضخم وتقليص العمالة بالحكومة وبيع الشركات العامة. 

– لماذا هناك نوع من التركيز من المؤسسات الدولية حول قدرة مصر على سداد ديونها ؟ 

  • القضية تتعلق بأن القروض تم إنفاق معظمها فى أمور لا تمثل أولوية للناس ، كما أنها لا تدر عوائد دولارية تسهم فى سداد أقساط الديون، كما أن الموارد التقليدية للنقد الأجنبي تواجه بعض المعوقات، إذ أدى تأخر الإفراج عن البضائع بالموانئ من مواد خام ومستلزمات إنتاج إلى انخفاض الصادرات، كما أدى وجود سعر موازٍ للدولار إلى تراجع تحويلات المصريين بالخارج عن طريق البنوك الرسمية، وأدى الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي، إلى عدم إدخال شركات السياحة المصرية جانبا من إيراداتها السياحية عبر البنوك المصرية، ونفس الأمر يحدث من قبل الشركات المُصدرة، وعلى الجانب الآخر زادت المدفوعات إلى الخارج، فبعد خروج الأجانب من البورصة المصرية، وبيع كثير من الأجانب جانبا من مشترياتهم من أدوات الدين الحكومي المصري، وهو ما يسمى بالأموال الساخنة التى خرجت خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، التى تخطت 20 مليار دولار، ويضاف إلى كل ذلك زيادة الاستثمار الأجنبي الخارج من مصر، خلال العام الماضي إلى 13.66 مليار دولار وهو رقم غير مسبوق تاريخيا، إلى جانب تعثر خطة الحكومة لبيع حصص من الشركات التابعة لها، التى كان يتوقع أن تسهم حصيلتها فى علاج نقص الدولار، وصعوبة قيام مصر حاليا بطرح سندات بالأسواق الدولية، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة من ناحية وتراجع أسعار معظم الإصدارات السابقة لحوالي نصف قيمتها عند الطرح، ولجوء مصر إلى ضامن إضافي كي تطرح سندات بالأسواق الصينية بنصف مليار دولار، إذ لجأت إلى كل من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الآسيوي للاستثمار فى البنية التحتية لضمان تلك السندات، وهو ما يشير إلى تراجع الثقة فى الاقتصاد المصري، خاصة بعد تراجع تصنيفه عند وكالات التصنيف الرئيسية الثلاث موديز وفيتش وإستاندر آند بور، وفى ضوء كل تلك العوامل يزداد شك المؤسسات الدولية فى قدرة الحكومة على سداد أقساط وفوائد الديون.

 

– هل تخلي الداعمين التقليديين – الخليج – عن مساعدة مصر هو السبب وراء الأزمة الحالية ؟

  • هم لم يتخلوا عن النظام المصرى، لأن تكلفة سقوطه بالنسبة إليهم أكبر من تكلفة دعمه، ولا ننسى أن مصر حصلت على ودائع خليجية، بقيمة 13 مليار دولار بالربع الأول من العام الماضي، بواقع 5 مليارات دولار من كلا من السعودية والإمارات، و3 مليارات دولار من قطر، ثم أتبعتها قطر بمليار دولار إضافية في نوفمبر الماضي، فهم مستمرون فى دعمه ولكن بشكل أبطأ، إذ كان فى السابق كلما واجه النظام نقصا في العملات قاموا على الفور بمعاونته، بينما هم حاليا يتعاملون بمنطق المستثمر أو التاجر، فهم يريدون حصصا من الشركات المصرية الناجحة التى يحددونها، ويساومون في سعر الشراء، وينتظرون خفضا جديدا متوقعا بالجنيه المصري أمام الدولار، حتى يشتروا تلك الحصص بتكلفة أقل، لكنهم لم يتخلوا عن النظام المصري بدليل استمرار بعض المشتريات من قبل شركات خاصة خليجية، سواء إماراتية او سعودية أو قطرية لحصص من شركات خاصة مصرية، لكن الحكومة المصرية تعول على مشتريات الصناديق السيادية الخليجية الأكبر فى قيمة الشراء، بما يحقق لها موارد تساعدها على تخفيف أزمة نقص الدولار، وحتى تكون رصيدا من الاحتياطيات من النقد الأجنبي، يساعدها على اتخاذ قرار الخفض الجديد المرتقب للجنيه المصري أمام الدولار، لكن كل طرف ينتظر المبادرة من الطرف الآخر، والأزمة المصرية ليست حديثة بل هي سابقة للحرب الروسية الأوكرانية، بدليل أن المصارف التجارية المصرية تعانىيمن عجز دولاري منذ يوليو 2021 وحتى الآن، وانضم إليها البنك المركزي فى ذلك العجز الدولاري منذ مارس من العام الماضي وحتى الآن.

 

– متى يمكن أن تزول الشكوك حول قدرة مصر على سداد ديونها؟ 

  • عندما تعود الأمور الاقتصادية إلى طبيعتها، من حيث سيادة دور القطاع الخاص بالنشاط الاقتصادى، والإغداق بالحوافز للمنتجين بالمناطق الصناعية، ومواجهة البيروقراطية في إصدار رخص التشغيل ومنح الأراضي الصناعية والخدمية، وتراجع دور الجيش بالاقتصاد، ووجود سعر صرف واحد بالأسواق، واستجابة البنوك لطلب المستوردين للدولار، والاستجابة للطلبات العادية من أجل السفر والعلاج وتعليم الأبناء بالخارج، أي ببساطة التنفيذ العملى للوحة أسعار الصرف  الموجودة بفروع البنوك ، أى الشراء والبيع بالسعر المعلن ، وليس كما يحدث منذ عدة سنوات بتنفيذ سعر الشراء فقط  دون تنفيذ  البيع للجمهور  بالسعر المعلن. وأمامنا تجربة تحرير سعر الصرف عام 1991 التى استمر  نجاحها حتى الأزمة الآسيوية عام 1997 ، حيث تم السماح وقتها ببيع وشراء الدولار من خلال فروع البنوك وشركات الصرافة دون السؤال عن مصدر العملة ، وعدم تجريم التعامل فى الدولار بتلك العقوبات القاسية الحالية ، فعندما يجد الأفراد أن البنك يبيع لهم الدولار فى أى وقت ، فقد زادت ثقتهم فى امكانية الحصول عليه عندما يرغبون ، فباعوا ما توفر لهم من فوائض دولارية للإستفادة من فارق سعر الفائدة الأعلى على الودائع بالجنيه وقتها. هنا ستتدفق تحويلات المصريين على البنوك كما حدث فى أوائل التسعينات ، وستزيد الصادرات وسيكون المناخ أفضل بالنسبة للإستثمارات الأجنبية سواء المباشرة أو غير المباشرة – الحافظة – ، مما ينتج عنه فائضا دولاريا يسهل من سداد أقساط وفوائد الدين. وهو حل يحتاج الى إدارة جديدة وجرأة فى اتخاذ القرار ، ووقت حتى تتم إستعادة الثقة داخل الأسواق سواء بالنسبة للقطاع الخاص أوالأفراد ، وهو ما نرى أنه يحتاج الى ما بين عامين الى ثلاثة  على الأقل حسب السناريو المتفائل .

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023