كتب-أسامة جاويش
“أنا راجع أشتغل في الذهب في السودان”..
اعتراف خطير لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس أدلى به على حسابه على موقع التغريدات المصغرة، تويتر، في معرض رده على سؤال وجهتُه له في برنامج آخر كلام على شاشة مكملين حول علاقة استثماراته في ذهب السودان بدعمه المعلن لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي.
ساويرس أحد أهم أباطرة العالم في التنقيب عن الذهب اتخذ موقفا معلنا وواضحا وقويا بدعم قائد قوات الدعم السريع في الأزمة السودانية؛ التي بدأت صباح الخامس عشر من نيسان/ أبريل الجاري، ويدعي الملياردير المصري أن قوات الدعم السريع تريد العودة للاتفاق الإطاري مرة أخرى وتسليم السلطة لنظام مدني ديموقراطي.
سوار الذهب ليس كستار الذهب
في أعقاب انتفاضة الشعب السوداني عام 1985 ضد الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري، تولى وزير الدفاع السوداني ورئيس الأركان السابق عبد الرحمن سوار الذهب؛ رئاسة المجلس العسكري الانتقالي وتمت ترقيته لرتبة المشير.
تعهد سوار الذهب بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة بعد عام واحد فقط، وهو الوعد الذي أوفى به الرجل بعد عام واحد وسلم السلطة لحكومة مدنية منتخبة برئاسة الصادق المهدي، ليصبح سوار الذهب أول رئيس عربي في التاريخ يتنازل عن السلطة لحكومة مدنية بكامل إرادته.
سوار الذهب حافظ على السودان، احترم إرادة الشعب ورغبته في انتخاب حكومة مدنية تدير أمور البلاد، وتم تكريمه بعدها والاحتفاء به وتخليد دوره الوطني في التاريخ السوداني حتى وافته المنية عام 2018.
بعد عقود كان السودان على موعد مع ستار الذهب، الملقب بمحمد حمدان حميدتي، الرجل الذي سيطر على مناجم ذهب جبل عامر، الرجل الذي منح لشقيقه الأصغر عبد الرحمن دقلو شركة الجنيد السودانية التي تدير ملف التنقيب عن الذهب في السودان ويديرها نائب حميدتي في رئاسة قوات الدعم السريع.
ستار الذهب محمد حمدان حميدتي كتبت عنه الغارديان البريطانية في تقرير مطول تشرح سيطرته على قطاع الذهب في السودان، وكشفت منظمات بريطانية في الأعوام السابقة أن نفوذه في قطاع الذهب سيصعّب من ترك المكون العسكري للسلطة وتسليمها للمدنيين.
منذ اللحظة الأولى لانتفاضة الشعب السوداني ضد الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في 2019، ونوايا حميدتي في السيطرة على السلطة وإبعاد المدنيين عنها واضحة. اشترك الرجل بقواته في مجزرة القيادة العامة بالتنسيق مع البرهان، وأبعدا المكون المدني عن المشهد السياسي، ثم بدأ في الترويج لنفسه إقليميا ودوليا بأنه البديل الأفضل للسودان إذا نجح في إزاحة البرهان.
نعود إلى نجيب ساويرس الذي كانت له صولات وجولات تتعلق بالتنقيب عن الذهب في السودان عبر شركته لامنشا ريسورسز وحصته السابقة في شركة أرياب السودانية، وهو الذي يؤمن بأن المستقبل للذهب ويرى في حميدتي ضمانة لتأمين عمله في مناجم الذهب في السودان بشكل أسرع وأسهل.
يحاول ساويرس أن يقنعنا بأن ستار الذهب “حميدتي” يمكن أن يلعب دور سوار الذهب قديما، ويصبح هو الضمانة الأكبر لنظام مدني ديموقراطي في السودان، ولكن الفارق كبير.
سوار الذهب لم يكوّن مليشيات مسلحة ولم يرتكب جرائم حرب ضد أبناء شعبه، لم تدعمه دولة مثل الإمارات بالمال والعتاد والسلاح، ولم تستضف شقيقه في دبي لإدارة حملاته الإعلامية كما تفعل الآن مع ستار الذهب “حميدتي”.
سوار الذهب وعد بتسليم السلطة ولم يكن له مطمع في الحكم، وقد أوفى بوعده بعد عام واحد واختقى من المشهد السياسي، أما ستار الذهب “حميدتي” فلديه مطمع في السلطة منذ اللحظة الأولى ولا يريد تسليم قواته أو إخضاعها لإشراف القوات المسلحة السودانية، ولا مانع لديه في قتل أي أحد يقف في طريقه.
ساويرس رجل أعمال ناجح، له مصالح اقتصادية وتجارية ممتدة في دول كثيرة جعلته من أثرى أثرياء العرب والعالم، له كامل الحق في البحث عن مصالحه والحفاظ عليها سواء كانت في مصر أو السودان أو غيرها من البلدان، ولكنه في الأزمة السودانية الأخيرة يحاول ترويج موقف سياسي بعينه ودعم طرف ضد الآخر؛ في موقف اعترف ساويرس نفسه أنه مضاد للموقف الرسمي المصري الحالي، وهذا حقه، ولكن التدليس بأن ستار الذهب حميدتي يمكن أن يتحول لسوار الذهب ويوفر نظاما مدنيا ديموقراطيا هو نوع من التدليس الذي لا يقبله عقل.