أحيا العالم الذكرى الـ58 لرحيل الناشط المسلم مالكوم إكس، أحد أبرز الشخصيات المناضلة في مجال الحقوق المدنية ضد العنصرية، والذي اغتيل في 21 فبراير 1965.
ويعد مالكوم، أحد الأسماء البارزة في التاريخ الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما بلغ الكفاح ذروته من أجل العدالة والحرية ضد السياسات العنصرية حيال السود.
وفي تلك الفترة، برز مالكوم، كرمز مناضل من أجل الحرية والمساواة والعدل، وكبطل لشعوب العالم الإسلامي التي كانت تبحث عن هويتها ما بعد الاستعمار.
** أسرة ضد العنصرية
ولد “مالكوم إكس ليتل” بمدينة أوماها بولاية نبراسكا في 19 مايو 1925، وكان الرابع بين إخوته السبعة.
والدته، لويز ليتل، سكرتيرة في اتحاد حقوق السود، ووالده “إيرل ليتل” كان قسا متأثرا بأفكار ناشط أسود جامايكي يدعى “ماركوس غرايز”.
تلقى الأب “إيرل” تهديدات متكررة بالقتل من العنصريين البيض، وخاصة منظمة “كلو كلوكس كلان” التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض ومعاداة السامية والعنصرية ومعاداة الكاثوليكية.
ولهذا السبب، اضطرت عائلة ليتل إلى تغيير مكان سكنهم عدة مرات، لكنها لم تستطع الهروب من مضايقات العنصريين البيض في أي مكان ذهبوا إليه.
** فقدان الأب والأم
عندما كان عمره 4 سنوات، أضرم النار في منزل مالكوم، وبعد وصوله إلى سن السادسة عُثر على والده ميتا على مسار لقطار الترام.
ورغم أن الشرطة سجلت في محضر الضبط أن سبب الوالد جاء نتيجة حادث؛ إلا أن الأسرة لم تقتنع بمحضر الشرطة.
بعد وفاة والده، وضع الأطباء تشخيصا لحالة والدته لويز على أنها غير مستقرة عقليا جراء ما ألمّ بها من الحزن واليأس، ليتم إدخالها إلى مستشفى للأمراض العقلية في ولاية ميشيغان حيث قضت 26 عاما.
مالكوم الذي فقد أباه ثم عاد وفقد والدته جراء حالتها المرضية (إيداعها للمستشفى) ترك وحيدا دون أم وأب مع أشقائه في سن الثانية عشرة، ثم عاش لفترة عند عائلة تحمي السود.
ترك مالكوم مدرسته رغم أنه كان تلميذا مجتهدا؛ بسبب معلمه الأبيض الذي نصحه بأن يكون واقعيا ويختار مهنة النجارة بدلا من رغبته بأن يصبح محاميا.
انتقل مالكوم في عمر الـ 15 إلى جوار أخته غير الشقيقة في بوسطن، وعمل في العديد من المجالات كتلميع الأحذية ونادلا في المطاعم.
عندما كان يبع المأكولات في قطار بوسطن-نيويورك تعرف مالكوم على حي هارلم الذي يقطنه غالبية السود في نيويورك، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات قبل بضعة أشهر من دخوله سن الـ21 لتورطه بمختلف أنواع الجرائم كالمخدرات والسرقة والدعارة.
** من مجرم إلى ناشط مسلم
كان السجن أكبر نقطة تحوّل غيرت حياة مالكوم، حيث قال عبارته الشهيرة “أرى أن السجن يأتي بعد الجامعة مباشرة كأنسب مكان لمن يريد أن يفكر”.
أمضى سنواته خلف القضبان وهو يقرأ في السجن حيث تعرف على “حركة أمة الإسلام” التي يتزعمها إليجاه محمد.
بمجرد إطلاق سراحه من السجن في عام 1952، ذهب مالكوم إلى مدينة ديترويت بولاية ميشيغان حيث مقر حركة “أمة الإسلام”.
ورفض لقب “ليتل” الذي يعني “الصغير” لاعتقادا أنه لقب وضعه أسياد البيض أيام العبودية على أسرته، وبدأ في استخدم اللقب “إكس” (X) والذي يعني مجهول، في إشارة إلى جذوره المفقودة في إفريقيا.
كانت حركة “أمة الإسلام” في حد ذاتها حركة عنصرية لم تفهم بالكامل تعاليم العقيدة الإسلامية، وتدعو إلى تفوق العرق الأسود كرد فعل على العنصرية البيضاء.
أصبح مالكوم من أشد المدافعين عن هذه المجموعة الهامشية التي يبلغ عدد أفرادها حوالي 400 عضو.
وفي فترة زمنية قصيرة استطاع مالكوم أن يرفع عدد الأعضاء إلى 40 ألفا، ورفع عدد المراكز التي يسمونها “المعابد” من 4 إلى 50 في 22 ولاية أمريكية.
في عام 1958، تزوج مالكوم من الطبيبة بيتي ساندرز، وأنجبا 6 أطفال بينهم ذكر.
وفي تلك السنوات، ألقى مالكوم، مئات المحاضرات مستشهدا بـ”محمد إلايجا” كمرجع له ليصبح معروفا على المستوى الوطني بخطابه القوي وشخصيته الكاريزمية وبطول قامته.
ودخل اسم مالكوم في القائمة الحمراء التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي في التتبع والملاحقة، فور دعوته إلى “مواجهة العنف العنصري الأبيض إذا لزم الأمر”.
وفي عام 1959، سافر إلى غانا والسودان ونيجيريا وإيران وسوريا ومصر والإمارات والتقى بزعماء دينيين وسياسيين.
زادت ضغوطات مكتب التحقيقات الفدرالي والشرطة على مالكوم وعائلته في الفترة الأكثر نفوذا وتقلبا في “حركة أمة الإسلام” خلال الأعوام 1960-1964، كما بدأت المشاكل الداخلية وصراع المصالح بالظهور داخل حركته.
وفي عام 1963 وبعد عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، منع مالكوم من الخطابة لمدة 3 أشهر، وخلال تلك الفترة أصيب بخيبة أمل كبيرة عندما علم بوجود علاقة غير لائقة بين محمد إلايجا وشابات يعملن معه، ليبدأ في إجراء تحقيقات حول أفكار “أمة الإسلام” العنصرية التي دافع عنها.
** روح الوحدة والأخوة
وفي عام 1964، انفصل تماماً عن الحركة وسافر في أبريل من العام نفسه إلى الحج.
وقال حينها: “لقد رأيت في الأراضي المقدسة روح الوحدة والأخوة بين الناس من جميع الألوان ومن جميع أنحاء العالم، كما لم أر من قبل”.
وعقب عودته من الحج أطلق على نفسه اسم “مالك الشاباز”، وأسس تشكيلا جديدا وبدأ بالعمل في مشاريع مشتركة مع الأمم المتحدة لفضح النفاق في النظام الأمريكي القائم على الظلم والعنصرية ضد السود.
وتلى ذلك تزايد الضغوطات والتهديدات من “أمة الإسلام” ضد “الشاباز”، وفي 14 فبراير 1965، ألقيت قنبلة حارقة على منزله فجرا، وقال عقب الحادث الذي لم يصب فيه أحد :”الهجوم نفذ بأمر من محمد إلايجا”.
اغتيل “مالكوم” في 21 فبراير 1965، عن عمر ناهز 39 عاما، خلال إلقائه خطابا في قاعة مؤتمرات بـ”هارلم” أمام 400 شخص، حيث أصيب بأكثر من 20 رصاصة من مسافة قريبة.
ولا تزال مسألة اغتياله غير واضحة، إلا أن الشكوك ظلت موجهة لأعضاء “أمة الإسلام”، حيث تم سجن 3 أشخاص مدى الحياة بعد عملية الاغتيال.
قبل اغتياله بعامين، عمل الشاباز مع الكاتب أليكس هيلي لكتابة سيرته الذاتية وقال آنذاك: “إذا كنت لا أزال على قيد الحياة عند نشر هذا الكتاب، فستكون هذه معجزة”.
وبعد أشهر قليلة من مقتله أنهى هيلي الكتاب وأصبح مصدرا لفيلم “مالكوم إكس” الذي لعب دوره الممثل دينزل واشنطن عام 1992.
*الأناضول