تواجه مصر واحدة من أسوأ فترات التضخم منذ سنوات، حيث يدفع ثمنه عامة المصريين بعد أن تضاعفت تكلفة الوجبات الأساسية.
وبحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، أصبحت الوجبات ذات الأسعار المعقولة أكثر تكلفة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية مما أثر على المواطن البسيط.
ويمر المصريون بوضع اقتصادي صعب في ظل غلاء معيشة، وفقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته منذ بداية العام الحالي أمام الدولار الأميركي، بعدما قرر البنك المركزي المصري مؤخرا اعتماد سعر صرف مرن، وفقا لـ”فرانس برس”.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 30.9 بالمئة مقارنة بمثل هذا الوقت من العام الماضي.
ويحاول المصريون التكيف مع التكاليف المرتفعة من خلال التخلي عن الكماليات – من تجنب تنازل الطعام في الخارج إلى تأجيل حفلات الزفاف – على أمل أن تنخفض التكاليف المعيشية قريبا.
وحتى ملاك المطاعم الشهيرة تأثروا بالأزمة وارتفاع الأسعار، كما هو الحال مع يوسف زكي صاحب مطعم “أبو طارق” المتخصص في طبق الكشري الشهير.
ورغم تقلص قاعدة عملائه، فلحسن الحظ بالنسبة لزكي، يظل الكشري عنصرا أساسيا في النظام الغذائي المصري. ولتجنب رفع الأسعار على اعتبار أن الزبائن لا يستطيعون تحمله، جعل أبو طارق كميته أصغر قليلا.
ومع وجود عشرات الموظفين بين المطبخ وفرق التوصيل، يدفع زكي رواتب العمال ذاتها مع وجود هامش ربحي أقل.
قال زكي وهو جالس على كرسي بلاستيكي في الشارع بالخارج، إن العملاء الذين يفضلون “طبق الكشري الكبير، ربما يشترون طبقا صغيرا” الآن. وأضاف: “بدلا من تناول ثلاث وجبات، قد يأكل الناس وجبة أو وجبتين فقط”.
وتأثرت مصر خاصة من الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أن تسببت تداعيات الحرب في أزمة اقتصادية متفاقمة للقاهرة. وسحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من البلاد في غضون أسابيع من الغزو، مما تسبب في اضطراب الاقتصاد.
كما تستورد مصر قمحا أكثر من أي دولة أخرى – معظمه من روسيا وأوكرانيا، حيث بدأت تكلفة القمح والنفط في الارتفاع بينما انخفضت أعداد السياحة مرة أخرى بسبب الاعتماد منذ فترة طويلة على الزوار الروس والأوكرانيين.
قال خبير الاقتصاد السياسي المصري، وائل جمال، إن إلقاء اللوم على الحرب في أوكرانيا وحدها ليس دقيقا.
وأضاف أن سنوات من الاقتراض والاستثمار في المشروعات العملاقة جعلت مصر بشكل خاص عرضة للخطر.
ودافع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، عن هذه المشاريع بعد أن جعل تطوير البنية التحتية سمة مميزة لرئاسته.
بعد شهور من المفاوضات، أعلنت مصر في ديسمبر أنها ستتلقى قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي – بما في ذلك 347 مليون دولار سيتم صرفها على الفور.
وتعد هذه هي المرة الرابعة التي يساعد فيها صندوق النقد الدولي مصر خلال السنوات الست الماضية.
وقال جمال إن المشاكل الاقتصادية في مصر “تتعمق في كل مرة يذهبون فيها إلى صندوق النقد الدولي ويأخذون المزيد من القروض لتغطية القروض القديمة بقروض جديدة”.
“أمر عجيب”
في حي الزمالك، يعمل أحمد رمضان، 27 عاما، في مطعم لبيع الكشري، حيث يقدم 700 طلب يوميا لزبائنه الذين هم طلاب وموظفون من الطبقة العاملة.
بالمقارنة مع الآخرين في حي إمبابة، يعتبر رمضان نفسه محظوظا، إذ لديه عمل ثابت ويمكنه المشي إلى مطعم الكشري في الزمالك كل يوم دون القلق من ارتفاع تكاليف المواصلات.
بالنسبة لجيرانه “لقد ازداد الوضع سوءًا” على حد قوله، مضيفا: “عليهم تدبير أمورهم وتناول الخضار والأرز فقط. ما الذي يستطيعون فعله؟”.
وقال رمضان إنه حتى وقت قريب كان بإمكانه شراء طن أرز بحوالي 8000 جنيه مصري، مشيرا إلى أنه السعر صار 18 ألف جنيه حاليا.
كما قفزت تكلفة إمداد المعكرونة لديه بمقدار 6000 جنيه. وحتى العلب والأكياس البلاستيكية المستخدمة في تغليف الوجبات أصبحت أغلى من ذي قبل. لكن العملاء ما زالوا يقبلون على الشراء. قال رمضان: “على الناس أن يأكلوا”.
وارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساس ليبلغ مستوى 21.5 في المئة خلال شهر نوفمبر مقارنة بنحو 19 في المئة خلال شهر أكتوبر السابق له، وفقا لـ”البنك المركزي المصري”.
وتبلغ نسبة الفقر في مصر بحسب البيانات الرسمية، 30 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ زهاء 104 ملايين نسمة.
وفي حي العجوزة القريب، يعمل مدحت محمد، 47 عاما، في مطعم لبيع الطعمية والفول. وقال محمد إن العملاء بدأوا في الاستغناء عن الشطائر التي كان يبيعها بثلاثة جنيهات ونصف قبل أن يرتفع سعرها جنيها واحدا.
وأضاف: “تسببت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطحين والنفط”. عندما زاد ذلك، زاد كل شيء آخر”.
ويشتري بعض العملاء الأفقر قطعا من الطعمية بدلا من الشطيرة، إذ يضعونها في الخبز الذي يحصلون عليه من خلال برنامج الدعم الحكومي وذلك فقط لتوفير بضع جنيهات.
وحتى لو ضاعف المطعم أسعاره، قال مدير المطعم، سيد الأمير، “لن نحقق الكثير من الأرباح”.
وأشار إلى أن العديد من المتاجر الأخرى تغلق أبوابها، لكنه سيفعل كل ما في وسعه لتجنب تسريح العمال.
وقال إن “هؤلاء العمال” لديهم ثلاثة إلى أربعة أطفال، مشيرا إلى أنهم جميعا يملكون وظائف أخرى في توصيل الطلبات أو العمل بمطاعم أخرى. وتابع: “إنه لأمر عجيب كيف يعيش الناس”.