أنفقت مصر مليارات الدولارات لبناء ما أسمتها العاصمة الجديدة، في إطار خطة عبد الفتاح السيسي، لتحديث البلاد، لكن هذه المدينة الجديدة قد لا يزورها المواطنون، نظرا لبعدها عن القاهرة وارتفاع تكاليف المعيشة، وفقا لتقرير مطول لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتقول الصحيفة إن المدينة تقع في منطقة صحراوية على بعد 40 ميلا (64 كيلومتر) شرق وسط القاهرة، حيث “تتشكل عاصمة جديدة مترامية الأطراف، بها ناطحات سحاب ومساكن فاخرة وأسواق مفتوحة مخصصة للمشاة، وتمثل رؤية السيسي لمصر حديثة، تغذيها ديون بمليارات الدولارات”.
وتلفت إلى أن “الجزء الصعب” بعد اكتمال هذا المشروع يتمثل في “جعل الناس يعيشون ويعملون هناك”.
وتهدف مصر بحسب الصحيفة إلى جذب أكثر من ستة ملايين شخص إلى تلك المنطقة التي تبلغ مساحتها 270 ميلا مربعا (700 كيلومتر مربع)، والتي من المفترض أن تكون العاصمة الجديدة للبلاد.
وتضيف “رغم أن المشروع يحتاج لسنوات حتى يكتمل، حيث توجد خطوط نقل غير مكتملة، وبرج أعمال يقع في وسط موقع بناء، إلا أن الحكومة تخطط للبدء في نقل 40 ألف موظف مدني إلى منطقة حكومية مكتملة في يناير المقبل”.
ويشكل هذا المشروع محور خطة السيسي لتحويل مصر إلى دولة حديثة، إلى جانب مشاريع البنية التحتية مثل توسعة قناة السويس، وشبكة وطنية من الطرق السريعة والجسور والأنفاق الجديدة ومنتجع على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويتابع السيسي هذه المشاريع الباهظة الثمن – التي تقدر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات – على الرغم من الأزمة الاقتصادية المستمرة في مصر.
وسيتراكم على البلاد أكثر من تريليون دولار من الديون المحلية والأجنبية في السنوات المقبلة، وفقا لما نقلته الصحيفة عن شركة الأبحاث البريطانية “أكسفورد إيكونوميكس”.
وقال سامح العلايلي، أستاذ التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، للصحيفة “شيدت الحكومة العاصمة الجديدة لتقول إن لدينا دولة حديثة ونبدو مثل دبي. وفي الواقع، إنه مشروع لعرض ناطحات السحاب، بدلا من تلبية الاحتياجات الحقيقية للبلد”.
وفي القطاع المالي، قال موظفو بنوك ومسؤولون للصحيفة إن نقل عدد كبير من الموظفين إلى العاصمة الجديدة سيستغرق سنوات. وتقول بعض الشركات إنها تنتظر رؤية هيئة الرقابة المالية وسوق الأسهم المصرية تتحرك هناك أولا. وتتجمع معظم بنوك الاستثمار في غرب القاهرة، حيث يوجد مقر البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية حاليا.
وتحاول السلطات إقناع السفارات الأجنبية بشراء أرض في منطقة دبلوماسية جديدة. قال العديد من الدبلوماسيين الأجانب إن سفاراتهم ستحتاج إلى رؤية الوزارات الحكومية المصرية هناك أولا. كما أنهم يريدون أن يروا أن رأس المال الجديد يكتسب زخما قبل أن يفكروا فيما إذا كان من الممكن ماليا ولوجستيا فتح مكتب هناك، وفقا للصحيفة.
وفيما يخص الشقق السكنية الراقية، قال ديفيد سيمز، وهو مخطط حضري مقيم في القاهرة، للصحيفة إنه متشكك في مدى جاذبية المدينة بالنسبة للمصريين العاديين، خاصة أن هناك “طبقة وسطى ضخمة ومتنامية ومحدودة الدخل”.
وتشير الصحيفة أيضا إلى أن “المدارس والمستشفيات والمطاعم في المدينة الجديدة لم تكتمل بعد، ومن المحتمل أن تكون باهظة الثمن بالنسبة لمعظم المصريين الفقراء”.
وفي أكتوبر الماضي، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن “العاصمة الإدارية الجديدة التي تبنى في مصر في إطار مشاريع فخمة يقودها الرئيس، السيسي، تكلفتها مبعث شكوك في قدرة البلاد على تحملها، فيما يعاني الاقتصاد المصري مشاكل كبيرة”.
وتضيف أن “العاصمة الجديدة تمتد على مساحة صحراوية تبلغ أربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة، وهي تجسد الطموحات الكبيرة للسيسي كحاكم للبلاد من دون منازع”.
وتضم العاصمة الإدارية الجديدة، خارج القاهرة مباشرة، أطول مبنى في أفريقيا وهرما كريستاليا وقصرا واسعا. وبعد ست سنوات من الإعداد تعد المدينة الأضخم بين عدد كبير من المشاريع التي يبنيها رئيس مصمم على إعادة تشكيل مصر.
هذه المشاريع، التي شيدها في الغالب الجيش القوي في البلاد، تجعل من السيسي الأحدث في سلسلة طويلة من القادة المصريين، تمتد إلى قرون مضت، الذين سعوا إلى عكس سلطتهم في أبنية تتجلى من الصحراء، بحسب تعبير الصحيفة.
ولكن في الوقت الذي تمر فيه مصر بانكماش اقتصادي حاد، وتعاني مواردها المالية من ضغوط خطيرة، تظهر شكوك بشكل متزايد حول ما إذا كانت البلاد قادرة على تحمل أحلام السيسي الفخمة.