كتب-أسامة جاويش:
لقد كان أسبوعا حافلا بعبد الفتاح السيسي، ما بين كلمة في افتتاح المؤتمر الاقتصادي وحطاب امتد لساعتين كاملتين في ختام هذا المؤتمر، ثم مداخلة هاتفية لمدة ساعة وثلث مع أحد أذرعه الإعلامية الذي ظل واقفا كمجند في الجيش أمام قائده طيلة فترة المكالمة.
السيسي زعلان وواخد على خاطره من المصريين والإعلاميين ومؤسسات وجهات لا نعلمها، ولكنه يراها ويعلمها ويحاربها ويوجه لها رسائل علنية وأخرى مخفية ليترك الجميع في حيرة من أمرهم؛ هل السيسي خائف أم متوتر أم متخبط؟ أم أنها لعبة جديدة من مدير المخابرات الحربية السابق لصرف أنظار المصريين الغلابة عن قرارات اقتصادية بشعة ستأتي بعد ظهور الإعلامي المتكرر بساعات؟
يعتبر السيسي نفسه البطل الأيقونة المخلص الذي أنقذ البلاد من الانهيار، وأنقذ الاعلاميين من الذبح، وأنقذ مؤسسات الدولة من سيطرة الإخوان، وأنقذ البلاد من الفوضى، وأنقذ الاقتصاد بقراراته الحكيمة من خطر الانهيار.
ولكن مهلا، هل انتعش الاقتصاد تحت حكم السيسي؟
وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرض جديد بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمدة ستة أشهر، وهو مبلغ زهيد لن يسمن ولن يغني من جوع ولن يحل الأزمة الاقتصادية الرهيبة التي يعانيها الاقتصاد المصري مؤخرا، بل الأكثر من ذلك أن شروط صندوق النقد الدولي من ضرورة تعويم الجنيه وخفض سعره أمام الدولار؛ ستنعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية وسيشعر بذلك المواطن البسيط في محافظات مصر، ولن تتحرك الحكومة لمساعدته.
في بيان صندوق النقد الدولي تظهر عبارة مثيرة للارتياب، حيث ذكر البيان أنه سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دورا حاسما في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها، ما أثار تساؤلات عن المغزى من عبارة كهذه، وهل هذا يعني أن مصر ستخضع لحماية أو مراقبة من شركاء إقليمين ودوليين؟ ومن هم وما هو دورهم؟ وهل هذا يعني عودة مصر الى عصر المندوب السامي؟
أسئلة كثيرة أعادت للأذهان ما أعلنته بريطانيا في الثامن عشر من ديسمبر 1914، أي قبل نحو 108 أعوام، من وضع مصر تحت حمايتها وتسخير إمكاناتها العسكرية والاقتصادية في خدمة الوجود البريطاني، ما زاد من معاناة الشعب المصري وخاصة الطبقة الفقيرة من العمال والفلاحين حتى انتهت الحماية البريطانية على مصر في عام 1922.
السيسي البطل الأيقونة صاحب الخلفية العسكرية؛ يعيد مصر بقراراته إلى زمن الاحتلال الاجنبي، وأفقد مصر سيادتها على أراضيها ومواردها، فجاء بشركات بريطانية مثل بريتيش بيتروليوم وغيرها لتدير وتسطو على غاز مصر ونفطها، والآن يخضع لشروط صندوق النقد الدولي ويأتي بحماية ووصاية أجنبية على اقتصادها.
في عام 2016 ذهب السيسي لاستشارة بعض خبراء الاقتصاد في مصر وعرض عليهم تولي حقائب وزارية وإدارة برنامج الإصلاح الاقتصادي قبل قرار التعويم الأول، ولكنهم رفضوا ذلك وأخبروه بأن تاريخهم لا يسمح بالمضي قدما في مسار فاشل، فماذا فعل السيسي؟
أقدم الرجل على مساره الفاشل وأغرق البلاد في ديون لا حصر لها ودمر عملتها المحلية، وجعل اقتصادها تحت الحماية الإقليمية والدولية، ثم خرج ليهدد الجميع بأنه كان مديرا للمخابرات الحربية وبأن جميع ملفاتهم وفضائحهم موجودة لديه منذ ثورة يناير وحتى الآن.
إنه منطق البلطجي الذي يبتز ضحاياه بالفضائح حتى يحصل منهم على الولاء الكامل، ويسطو على ممتلكاتهم ويفرض عليهم الجباية بدعوى أنه الحامي البطل الأيقونة الذي إذا ذهب أو رحل فمصيرهم جميعا غير معلوم.
السيسي البطل الأيقونة هو تجسيد صارخ لشخصية حسونة السبع في رواية الحرافيش للأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، فهو يشبهه في مواصفاته الجسمانية التي كانت أقل من أي بلطجي قبله، وكان يخشى الدسائس والمؤامرات، واعتاد دوما أن يأمر فيطاع، وكان يستغل حتى أفقر الفقراء.. لم يكن السبع في حالة تفاهم حتى مع نفسه وكذلك يفعل السيسي، ولم يكن يستثنى في الظلم أحدا إلا من يدفع له أكثر.. كانت أحكامه تأتي من حسب هواه دون أن يستشير أو يأخذ رأيا إلا ما يوافق هواه.
نهاية البلطجي أو البطل الأيقونة ستكون مثل نهاية أي بلطجي أمعن في القتل والظلم والجباية، تنفجر المظالم في وجهه فجأة دون سابق إنذار ويتحول ضحاياه إلى بركان غضب لا يبقي ولا يذر، ويكون أول ضحاياه هو السيسي أو البطل الأيقونة.