وقال المقال: “حتى وقت قريب، كان حزب المحافظين قادرا على الزعم، وبقدر كبير من المصداقية، أنه أنجح حزب سياسي في العالم الغربي”. فحزب بنجامين دزرائيلي وونستون تشرتشل ومارغريت تاتشر حكم بريطانيا قرنين تقريبا.
وأوضح أن حزب المحافظين ظل خلال تلك الفترة صنوا للحس العام الجيد والرصانة المالية والبراغماتية الحذرة، وكان حساسا للإيديولوجية وقريبا من الأقاليم وبعيدا عن المدن الكبرى، إلا أنه كان سعيدا بكونه حزب الوسط الممل القوي.
ورأى أن الحزب لم يعد كما كان؛ لأنه أصبح قرين الفوضى. وعلى ليز تراس رئيسة الوزراء الأخيرة التي انهارت واحترقت تحمل حصتها من المسؤولية، معتبرا أن هناك أسبابا منطقية لإجبارها على التنحي بعد 44 يوما من توليها الوزارة، وهي أقصر مدة في التاريخ.
فقد كانت فكرة عزلها أهم مسؤول في حكومتها حمقاء، وأنها قادرة على إعادة تجديد الإدارة الاقتصادية، وتحدي الحكمة الجمعية للأسواق المالية، وكانت هناك نتيجة واحدة لكل هذا. لكن الحقيقة الكبرى هي أن تراس العاجزة، هي عرض وليس السبب لأزمة الحكم المزمنة في بريطانيا، التي جعلت البلد المحترم عالميا “مسخرة العالم”.
وأشار إلى أن حزب المحافظين اختار ليز تراس للزعامة مع أنها لم تكن مهيأة للوظيفة، و “لم تكن بحاجة لنبوءات نوستردام لكي تعرف أنها ستفشل، وعلى حزب المحافظين تحمل المسؤولية وبشكل جماعي، عن مهزلة رئاسته للحكومة والكارثة التي جلبتها على البلد”.
وبالنسبة لحزب المحافظين، فرئيسا وزراء في بحر ثلاثة أشهر، يعبر عن شيء أكبر من الإهمال، بل وأن الحزب بات خارج السيطرة، فالحكومة لديها رابع وزير مالية هذا العام، واحد منهم وهو كواسي كوارتينغ، سحق قيمة الجنيه ودمر سمعة بريطانيا في الإدارة المالية الجيدة.
ومثل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، أصبح المحافظون البريطانيون منفصمين عن الواقع. وفي جيل واحد، تحولوا إلى حزب الأيديولوجيين المجانين والعاجزين.
وربما استطاع الحزب بعد عقد أو عقدين تجاوز المرحلة الحالية، وعلينا ألا نستبعد إمكانية نهايته وللأبد. ومع ذلك هناك مخرج، ففي أعقاب استقالة تراس، أعلن الحزب أنه سيعقد انتخابات أخرى للزعامة، وهي المرة الثانية في ثلاثة أشهر.
وكما في العمليات التي توجت بوريس جونسون وتراس كرئيسي وزراء، فسيتم اختيار الزعيم الجديد من نواب الحزب وأعضائه. وحتى لو نتجت العملية عن نصف مرشح لديه الكفاءة للحكم، فلن يساعد هذا بدعم حظوظه، فالحزب ممزق ويعاني من الخلافات الداخلية والكراهية الشخصية والخلافات الأيديولوجية، ولا أحد يستطيع السيطرة عليه.
وبريطانيا تمر بمرحلة خطيرة، وقد تواجه أكبر أزمة اقتصادية وسياسية، وربما دستورية لم تمر عليها منذ الحرب العالمية الثانية. ومن السخف توقع أن يقوم حزب المحافظين الذي حكم لعقد وتسبب بالدمار، سيعود ويحكم بطريقة عقلانية.
ولن تعقد انتخابات عامة إلا بعد عامين، ولكن بريطانيا بحاجة لها الآن. وعلينا أن نعترف بعدم توفر الجاذبية السياسية لزعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر.
ورغم عدم براعته، إلا أن لديه صفات القيادة العالمية، مثل جو بايدن في الولايات المتحدة وأنتوني ألبانيز في أستراليا، فلديهما نبرة تطمئن حتى لو لم يحرقا العالم.
ويبدو نوابه في الصفوف الأمامية أكثر كفاءة من نواب الفوضى لدى المحافظين، كما أنهم لا يعانون من ندوب الهزيمة أو يحاولون المساومة على فشلهم.
وهناك عدد متزايد من الناخبين المؤيدين للمحافظين، علاوة على بقية البلد لديهم استعدادهم لمنحهم الفرصة الآن، لكل هذا تعدّ انتخاباتٌ عامة مصلحة وطنية.
وربما كان تهورا من حزب المحافظين الذي تحدق به الهزيمة الدعوة لانتخابات كهذه، لكن أمجاد المحافظين التقليديين المعروفة عنهم، أنهم طالما قدموا مصلحة البلد على مصلحة الحزب.
وكان صاحب هذه العقيدة هو وينستون تشرتشل، وفي واحد من آخر أعماله قبل أن يستقيل كرئيس للوزراء في عام 1955، قال أمام الجماهير في منطقته الانتخابية: “الواجب الأول لعضو البرلمان”، هو “عمل عبر حكمه المخلص وغير الشخصي، ما يعتقد أنه الصواب وضروري لشرف وأمن بريطانيا العظمى”.
وهذا الخطاب معروف ولكن لا أحد يمكن الجدال بصحته، وفهمه جيجا حزب المحافظين الوطني والمنصف الذي فهم هذه الحكمة قبل 70 عاما. ولكن حزب المحافظين اليوم وبالمقارنة، يتمسك بالسلطة من أجل السلطة. فإلى جانب إلحاقهم مزيدا من الضرر لسمعة حزبهم، فإن عنادهم يضمن تدمير بريطانيا كلها.