ظهرت علامات استفهام عدة على استقالة محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر وتعيين حسن عبد الله بديلا عنه، خصوصا مع تقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتخوف المواطنين من تعويم جديد للجنيه، هذه التغييرات.
وعلى عكس ما يعتقد البعض- ليست في صالح الجنيه المصري؛ فكلا المحافظين القديم والجديد ينفذ سياسة نظام عبد الفتاح السيسي المعتمدة على القروض الدولية التي تأتي دوما بشرط أساسي هو تحرير سعر الصرف.
وأصدر عبد الفتاح السيسي يوم 18 أغسطس الماضي قرارًا بتعيين حسن عبد الله قائمًا بأعمال محافظ البنك المركزي، خلفا لطارق عامر الذي استقال من منصبه قبل انتهاء مدته بعام.
و تتفاوض الحكومة حاليا مع صندوق النقد الدولي من أجل قرض جديد، كما خفّضت قيمة الجنيه في مارس الماضي بنحو 17 % أمام الدولار ليصل إلى 18 جنيها آنذاك، كما انخفض الجنيه مجددا خلال نهاية يوليو وأغسطس ليصل حاليا إلى أكثر من 19 جنيها للدولار الواحد.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبريج الأميركية، فرغم ظهور مؤشرات للاستقرار مع تعيين رئيس جديد للبنك المركزي، فإن المخاوف من أن تفشل في الوفاء بديونها ستظل في صدارة أذهان المستثمرين حتى تخفّض مصر من قيمة عملتها، وتكون حزمة صندوق النقد الدولي كبيرة بما يكفي لسد فجوة العجز.
وتبلغ نسبة الديون مقارنة بالناتج المحلي 94%، ويتعين عليها حاليًّا سداد ديون خارجية تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار في الربع الرابع من عام 2022، و9 مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023، وإن مصر بحاجة حاليًّا إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.
وأكد الأستاذ مصطفى يوسف الباحث في الاقتصاد السياسي ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية في حواره مع شبكة «رصد»، أن ما يحدث في مصر مثلث شيطاني يبدأ بالاقتراض للإنفاق على مشروعات غير إنتاجية، ثم سداد تلك القروض.
بدايةً، ما سبب قدوم حسن عبد الله لقيادة البنك المركزي؟
حسن عبد الله جاء نتيجة خلافات داخلية، فهناك تيار في إدارة التفاوض مع الصندوق، مثل: محمد معيط، ومحمود محيي الدين، وهشام عز العرب، وحسن عبد الله، هؤلاء تيار مخالف لتيار طارق عامر وداليا خورشيد.
استقالة طارق عامر هي نتيجة صراعات داخلية في النظام، خصوصا أنها تأتي بالتزامن مع التعديل الوزاري الذي استهدف وزارات غير سيادية، ولا قيمة له.
فتعتبر استقالة طارق عامر أهم تغيير سياسي حدث الفترة الماضية، وهو صراع بين جناح محمد معيط المدعوم من محمود محيي الدين صاحب المنصب المتنفذ في البنك الدولي.
وعلى الجانب الآخر طارق عامر وداليا خورشيد؛ فهم مدعومون من متنفذين إماراتيين، فما يحدث إعادة ترتيب داخلي لجمهورية الجنرالات التي تتحكم في مفاصل الاقتصاد.
هل نجح طارق عامر في مهمته؟
طارق عامر لم ينجح في عمل أي نوع من أنواع التوازن، فهو تولى منصبه بدلا من هشام رامز، بعدما صرح رامز أن سبب نقص العملة الأجنبية هو تفريعة قناة السويس.
وطارق عامر مشهور منذ قيادته البنك الأهلي بأنه مرؤوس مطيع للغاية لقياداته؛ فكل ما فعله هو تنفيذ طلبات صندوق النقد الدولي، ومنفذ مطيع لخطط حكومة الجنرال السيسي عن طريق التمويل بالعجز و الاستدانة والاقتراض.
حسن عبد الله مثل طارق عامر، لكن هو منسجم أكثر مع محمد معيط وزير المالية والمصرفي هشام عز العرب، عكس طارق عامر الذي حاول الابتعاد عنهم.
وحسن عبد الله أظهر أنه أكثر ولاء عندما تولى شركة المتحدة للإعلام التابعة للمخابرات فكانت ترقيته إلى قيادة البنك المركزي.
برأيك، ما هي مهمة حسن عبد الله؟
حسن عبد الله سيُدير تعويما شبه كامل، لكن لن يستخدم أسلوب الصدمة مثلما فعل طارق عامر في 2016.
وهناك توقعات دولية بخفض قيمة الجنيه يوميًا إلى أن يصل إلى قيمته المتوقعة التي تتراوح بين 21 إلى 23 جنيها خلال أسابيع قليلة.
هل صفقات الاستحواذ الخارجية لشركات مصرية تعتبر استثمار أجنبي؟
هناك خلط معيب في مفهوم الاستثمارات الخارجية سمعناها من قيادات النظام، فالاستثمار الخارجي يجب أن يكون استثمارا مباشرا، تأتي شركات كبرى تنشئ مصانع، وتُعيّن عمالة، وتنفق إنفاقًا استثماريًا كبيرًا، وإنفاق دوريّ على أعمال داخل البلاد تسهم في التنمية.
أما ما يزعمه النظام حاليا من تدفق استثمارات فهو مثلث شيطانى: اقتراض ثم رفع ضرائب ورسوم وجباية، ثم بيع مؤسسات وأصول.
وهو ما يسمى في الاقتصاد “الاستحواذ”، أن تعطي أصولا تمتلكها لكي تحصل على بعض الأموال لسداد فوائد ديون ناتجة عن اقتراض لعمل مشروعات ليست ذات جدوى اقتصادية ولا تقلل من البطالة.
هل يعني هذا أن الاستحواذ على مشروعات قائمة خطر؟
الاستحواذ على مشروعات قائمة يؤدي إلى كارثة، وذلك بخروج أرباح تلك المؤسسات إلى الخارج، والاستغناء عن عمالة مصرية كانت تعمل وتدفع ضرائب وتزيد من الإنفاق والاستهلاك المحلي؛ مما يؤدي إلى زيادة البطالة، ونحن أمام موقف خطير للغاية.
برأيك ما هو سعر الجنيه الحقيقي؟
سعر الجنيه أمام الدولار الحقيقي -حسب المؤسسات الدولية- يتراوح ما بين 21 إلى 24 جنيها، لكن خوفا من حدوث انفجار مجتمعي يهدد استقرار النظام ويعكر صفو المنطقة وداعمي النظام المصري، سيجري تخفيض قيمة الجنيه تدريجيا.
هل مصير سريلانكا يمكن أن يتكرر في مصر؟
مصر لن ترى مصير سريلانكا كما حدث لعدة أسباب، أولها: الدعم الكبير الذي يحصل عليه النظام العسكري المصري من إسرائيل والسعودية والإمارات وأميركا.
ولا أحد من هؤلاء يريد أن يرى النظام المصري يسقط، ولكن قد يحدث تغيير في رأس النظام، أما تخلف مصر عن سداد الديون فغير مطروح حاليا.
فمصر تتجه حاليا إلى خيار صفر، وهو بيع الأصول المربحة مقابل الديون، والتنازل عن أصول إستراتيجية لا يمكن لدولة التنازل عنها مقابل مبادلتها بالديون.
أما حدوث الانفلات والانفجار والتوقف عن سداد الديون فهذا أمر غير مطروح؛ بسبب موقع مصر الجغرافي، ولكن سيجري الضغط على النظام المصري للتنازل عن أصول إستراتيجية كبيرة لم يكن يتوقع أحد أن يتنازل عنها.
ما رأيك في المشروعات التي تتفاخر بها الحكومة مثل العاصمة الجديدة؟
أن تستدين الحكومة لعمل مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية ومشروعات تقوم فقط على الإبهار، مثل: أكبر برج في أفريقيا، وأكبر مسجد، وأكبر كنيسة، وأطول سارية علم وطائرات رئاسية.
فالحكومة تستدين ثم تبيع الأصول، ولك أن تتخيل أن هناك مبادلة بشركات للأسمدة، وشركات للحاويات، والموانئ، وشركات مالية رابحة مقابل الحصول على قروض.
أو الحصول على قروض لمشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، مثل: العاصمة الإدارية، أو تفريعة قناة السويس.
نحن أمام مشهد ينذر بانهيار اقتصادي على المدى المتوسط وليس على المدى القصير، وهناك إزدياد كبير جدا في معدلات الفقر وتآكل الطبقة المتوسطة، وغلاء كبير جدا في الأسعار.
كل هذا نتيجة فشل الأداء الاقتصادي، وغياب خطط التنمية، وسوء إدارة كبير جدا في استخدام موارد الدولة.
ما يحدث هو استبدال أصول مربحة، والتضحية بالعمالة، والتضحية بالضرائب ومدخولات كبرى بالمليارات، يجري مبادلتها بقصور رئاسية، وطائرات رئاسية، وبرج أيقوني، وهذا أمر عبثي يفرط في مقدرات الأمن القومي والأمن الاقتصادي.