أعلنت شركتان من الاحتلال الإسرائيلي عن خططيهما لتنفيذ مشروعات طاقة متجددة بمصر والمنطقة العربية، مما فاقم التساؤلات والتكهنات والمخاوف من الحضور الإسرائيلي خاصة أنه يأتي في وقت يشهد فيه السوق المصري عمليات استحواذ واسعة من شركات إماراتية وسعودية، وأجنبية، على قطاعات إستراتيجية.
وبحسب ما نقلته نشرة “انتربرايز”، الثلاثاء، تخطط شركة الطاقة الإسرائيلية “نيوميد إنرجي” (ديليك دريلينج سابقا)، لإطلاق شراكة مع “إنلايت” للطاقة المتجددة المدرجة في بورصة تل أبيب للاستثمار، في مشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتعد “نيوميد” ذات الصلة الكبيرة بقطاع الطاقة في مصر والإمارات، و”إنلايت”، صاحبة الخبرة بمجال الطاقة الخضراء، تنويان إنشاء مشاريع بمصر، والأردن، والمغرب، وعمان، والبحرين، والإمارات، والسعودية، بالتعاون مع شركات بتلك الدول في مشاريع عدة للطاقة المتجددة.
تلك الشراكة تستهدف مجالات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتخزين الطاقة، وقطاعات الطاقة المتجددة الأخرى، التي تنال اهتمام دول العالم الآن في ظل تعاظم تأثير الوقود التقليدي على البيئة وزيادة الاحترار العالمي، وما يتبعه ذلك من مخاطر على مستقبل البشرية.
وكالة “بلومبرغ” الأميركية، نقلت عن الرئيس التنفيذي لشركة “إنلايت” جلعاد يافيتز، قوله: “نسعى لاستغلال مشروعات الطاقة التي نراها فرصة كبيرة للغاية في المنطقة والتي بدأت بالغاز الطبيعي، وهو تطور قادته إلى حد كبير نيوميد”، في إشارة لشراكة سابقة مع القاهرة وأبوظبي.
ولدى “نيوميد” عمل سابق في مصر، حيث كانت الشركة التي عدلت اسمها من “ديليك دريلينج” هذا العام، لاعبا رئيسيا في صفقة تصدير الغاز من حقول الأراضي الفلسطينية المحتلة، للقاهرة عام 2018، وأثارت الجدل حول استفادة مصر منها خاصة مع ارتفاع سعر توريد الغاز لمصر.
وتقوم “نيوميد” وشركة “شيفرون” الأمريكية على أكبر حقلين بحريين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهما “تمار” و”ليفايثان”، واللذان يضخان الغاز الطبيعي إلى مصر للإسالة قبل أن يعاد تصديره إلى أوروبا.
وطوال السنوات السابقة ومع تواصل دمج واستحواذ وشراء الصناديق الإماراتية والسعودية لشركات وأصول مصرية رابحة ثارت المخاوف لدى المصريين من أن تمرر تلك الشركات شركاء ومستثمرين إسرائيليين في مصر خاصة وسط تسارع عمليات بيع الشركات والأصول المصرية، وزيادة الاستثمارات الخليجية مع الإسرائيليين.
في 11 أغسطس الجاري، صدر تقرير عن مؤسسة “إرنست آند يونج” أكد أن مصر جاءت بعد الإمارات كأبرز وجهات عمليات الدمج والاستحواذ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال النصف الأول من عام 2022، مسجلة 65 صفقة بإجمالي 3.2 مليارات دولار كان بطلها الشركات والصناديق الإماراتية.
وتوقع التقرير أداء مماثلا في النصف الثاني من 2022، بطله الصندوق السيادي السعودي، مشيرا لاستثمار 1.3 مليار دولار في أربع شركات مدرجة بالبورصة المصرية ضمن خطة لاستثمار 10 مليارات دولار من خلال صفقات استحواذ على شركات في مجالات جذابة من الاقتصاد المصري.
وتأتي الخطوة الإسرائيلية في توقيت تعاني فيه مصر من أزمة مالية كبيرة وتراجع للاحتياطي النقدي من العملات الصعبة بالبنك المركزي وسط ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصري ما دفع القاهرة لطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي في مارس الماضي.
لكن خبر دخول الشركتين الإسرائيليتين علنا في مصر إلى قطاعات الطاقة والغاز ومشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتخزين الطاقة وقطاعات الطاقة المتجددة الأخرى، يثير الجدل والمخاوف والتساؤلات.
وحول دلالات إعلان شركتين إسرائيليتين دخول سوق الطاقة المصري رسميا وعلنا، تقول رئيسة المجلس الثوري المصري الدكتورة مها عزام: “لفهم استراتيجية الكيان الصهيوني للتوغل بالمحيط العربي، علينا النظر للتطورات الكارثية بالمناخ، وبالذات مشكلة المياه والاحتباس الحراري”.
تؤكد أن “كارثة الاحتباس الحراري ستسبب ارتفاع درجة الحرارة بالعالم، ولكن نتائج الاحتباس أسوأ للإقليم العربي، أولا: لأنها تعني الابتعاد عن استعمال النفط عالميا -مصدر دخل دول الخليج- والتوجه بالمرحلة الأولى تجاه الغاز، ومن ثم لاستعمال الطاقة المتجددة”.
“من هنا نفهم تدخل شركات الكيان المحتل في مشاريع الغاز واهتمامهم بملكيتها”، تضيف السياسية المصرية.
وتوضح أنه “من هذا الإعلان نرى عزمهم على التدخل بمشاريع الطاقة المتجددة لتكون لهم سيطرة تامة على مصادر الطاقة (تصدير الغاز والطاقة المتجددة)، وعلى مصادر دخل المنطقة مستقبلا، ولسحب أي استقلالية اقتصادية (وإن كانت ضئيلة) من الدول العربية التي تملك حقول الغاز والنفط”.
وتعتقد السياسية المصرية، أن “للاحتباس الحراري نتيجة كارثية أخرى بالمنطقة بارتفاع مستوى سطح البحر ما يتلف الكثير من الأراضي الزراعية وبالذات بدلتا مصر، بجانب الخطر الكبير على الإسكندرية؛ وهو ما يؤدي لزيادة الفقر المائي والغذائي لمصر وللمنطقة بغض النظر عن وجود النيل وسد النهضة”.
وتواصل عرض رؤيتها بالقول: “مستقبلا ستضطر جميع دول المنطقة بما فيها مصر للاعتماد على محطات تحلية المياه البحرية لإيجاد ما يكفي من الماء للزراعة والشرب، (ونجد أن الكيان لديه الريادة في تكنولوجيا تعذيب المياه) وستضطر هذه المحطات للاعتماد على مصادر طاقة متجددة بدل الغاز”.
وترى أنه “إذا جمعنا بين هذين العاملين نرى أن استراتيجية الكيان تشبه استراتيجية الإمبراطورية البريطانية تجاه مصر بالقرن الـ19 باستعمار مصر والسيطرة على الاقتصاد وموارد دخل الدولة (وتراكم الديون كان جزءا من ذلك)، تلاه استعمار عسكري”.
وتختم عزام بالقول إن “الكيان يرسخ قواعد سيطرته التامة على دول المنطقة واستعمارها فعليا”.
وفي رؤيته يقول، الأكاديمي المصري وعضو “المعهد الأوروبي لحوكمة المؤسسات” (ECGI) الدكتور سمير الوسيمي، إن “دلالات دخول الشركات الإسرائيلية بهذه الفجاجة إلى الأسواق المصرية وبخاصة في مجال الطاقة تعني بالدرجة الأولى فقدان السيطرة على السوق المصري من عدة نواحي”.
ويلفت إلى أن “هذه الأمور يتم تجاوزها للأسف منذ فترة وخاصة على مدار الـ9 سنوات الماضية”، مضيفا أن “مصر حاليا -للأسف الشديد- واقعة بين مطرقة مشاريع الهيمنة الإقليمية والدولية التي ارتمت البلد في أحضانها على ما يبدو راضية، وبين سندان الديون الرهيبة التي تكبدتها وتتكبدها حاليا وتؤثر على واقعها وقرارها الحالي والمستقبلي”.
الوسيمي، يواصل توضيح رؤيته بالقول إن “النظام العالمي في طريقه لإعادة التموضع والتشكيل، وبالتالي تظهر خرائط قوى وتأثير جديدة على ما يبدو للجميع، وبخاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الدولية عموما”.
“حيث إن خريطة الطاقة في شرق المتوسط على وجه التحديد تتغير لصالح إسرائيل وهو ما تعبر عنه مثل تلك الاتفاقيات والقبول المصري والإقليمي بذلك”، بحسب الأكاديمي المصري.
ويرى أن “غياب الحوكمة الرشيدة في مصر وأغلب بلادنا أدى إلى مزيد من التخبط والتراجع في الدور الإقليمي لبلد بحجم مصر التي عانت وتعاني من تغيير قواعدها بشكل دراماتيكي باتجاه التبعية المفرطة وعدم القدرة على السيطرة على مواردها وحماية ثرواتها”.
“وبدلا من أن تكون مثلا الحدود العربية بالكامل وربما الأفريقية هي حدود الأمن القومي المصري، حدث تراجع إلى أن تلك الحدود لم تعد معروفة ولا واضحة من الأساس، وربما ستتجاوز الحدود المصرية ذاتها إلى الداخل بحيث تتقلص لأدنى مستوياتها عبر تغول بلدان وكيانات إقليمية بالموارد والثروات والمسارات الأساسية لمصر، ومن ثم التأثير على قراراتها وتموضعها وتأثيرها فتزداد ضعفا على ضعف”.
وأشار إلى أن “غياب مبادئ مثل تغليب المصلحة الوطنية على مصلحة الحاكم والسلطة، وغياب الشفافية والنزاهة، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وغياب سلطة القانون، وغياب قواعد الاستقلال الوطني، وغير ذلك من مبادئ ومفاهيم الحوكمة، سيؤدي بالطبع إلى حالة من الفردية السلطوية وإيقاع البلد في متاهات لا تستطيع الخروج منها”.
وأكد أنه في المقابل فإن “العمل الوطني السليم والصحيح والمأمول يقتضي سرعة التوقف بغرض تلافي الكوارث الحالية، وإعادة ضبط البوصلة باتجاه الوطن والمواطن وليس باتجاه الحاكم والسلطة، وعندها ربما نرى تغييرا حقيقيا وليس شكليا مصطنعا سريعا ما يختفي وتظهر الخطايا في حق الوطن”.