شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الإذاعة البريطانية: صراع مكتوم بين الأزهر والسيسي حول السلطة الدينية

صورة أرشيفية

نشرت الإذاعة البريطانية BBC بحث حول علاقة الأزهر بالنظام الحاكم في مصر، خاصة مع تصاعد وانخفاض الشد والجذب بين مؤسسات الدولة من جهة وبين الأزهر من جهة اخرى وبروز العديد من القضايا الخلافية.

ويتناول ناثان براون والباحثة ميشيل دنّ حضور المؤسسات الحكومية المصرية القوي في المجال الديني، في ورقتهما البحثية «من سيتحدث باسم الإسلام في مصر، ومن سيستمع؟».

ويقول أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، ناثان براون، إن أي “هجوم” على الأزهر في الإعلام المصري، “له رمزية، لأن قبضة النظام محكمة على الإعلام بقوة”.

ويرى براون أن السبب في ذلك كون الأزهر هو المؤسسة الوحيدة في الدولة المصرية التي لا تزال تحتفظ باستقلاليتها. وشيخ الأزهر هو من الشخصيات القليلة التي لا يمكن للرئيس أن يعزلها قانونياً.

وبحسب البحث، فإنّ عبد الفتاح السيسي، عمل على بسط نفوذه على كافة مرافق السلطة ومناحي الحياة في مصر، ومن بينها السلطة الدينية، منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عشر سنوات.

وحرص السيسي على تقديم نفسه كـ “ساع لتجديد الخطاب الديني”، وكرأس حربة في استئصال جذوة الإسلام السياسي، ومحاربة التطرّف، بعد حقبة قصيرة من تولي حركة الإخوان المسلمين الحكم في البلاد. لذلك، ترى السلطة في مصر أن الأزهر يعدّ “جائزة سياسية مهمة”، يسعى للفوز به.

وبعد وصول السيسي إلى الحكم في يوليو 2013، وبالرغم من إعلان شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية دعمهما للنظام الجديد، صدرت عن الطيب دعوات لمصالحة وطنية شاملة، كما اعتزل المشهد العام اعتراضاً على استخدام القوة في سحق الإخوان المسلمين.

وبحسب الدراسة، شعر السيسي بالاستياء من محاولات الطيب للبقاء على الحياد واعتبر أنه بذلك يضرّ “جهود الدولة في محاربة الإرهاب”.

من جانبه، يقول الأستاذ المساعد في “مركز روبرت شومن” للأبحاث جورج فهمي، والباحث المختص بالشؤون الأزهرية، إنه لا “يمكننا الحديث عن حملات إعلامية موجهة من الدولة في مصر ضد الأزهر، لكن يوجد بالتأكيد أصوات داخل الدولة وداخل الإعلام وكذلك في الوسط الثقافي وداخل المجال الديني نفسه غير راضية عن أداء شيخ الأزهر أحمد الطيب”.

ولكل طرف من هذه الأطراف، بحسب فهمي، أسبابه. بالنسبة للدولة، فإنّ استقلالية الأزهر تشكّل تحدياً للسلطة، وبالنسبة لبعض المثقفين والإعلاميين فإنّ “أحمد الطيب يقف حجر عثرة في مواجهة دعوات الإصلاح الديني، ويتحمّل مسؤولية جمود الفكر الديني”. أما بعض الشخصيات الدينية، فترى أنها في منافسة على النفوذ والشعبية مع الطيب.

وإن اختيار أحمد الطيب أن يحافظ على مسافة تفصله عن النظام السياسي الحالي، في مواجهة اصطفاف كل من دار الإفتاء ووزارة الأوقاف خلفه، قد أعطى الأخيرتين فرصة لزيادة نفوذيهما. فعلى سبيل المثال، أصدر رئيس الجمهورية العام الماضي قراراً جمهورياً باعتبار دار الإفتاء هيئة ذات طبيعة خاصة، ما يسمح للمفتي الحالي (شوقي علام) بعدم التقيد بسن التقاعد، وينزع عن الأزهر صلاحية اختيار خليفته”.

فعلى مرّ قرون، ومنذ تأسيسه في عام 972، كان الأزهر المرجع الأبرز للإسلام في مصر. و”يعود الخلاف حول السيطرة على المدارس الإسلامية والمساجد وغيرها من الهيئات الدينية إلى القرن التاسع عشر، حين بدأ تأسيس الدولة المصرية النظامية الحديثة التي يسعى فيها الحكام للهيمنة على كافة مؤسسات البلاد وتوجيهها”، بحسب ناثان براون وميشيل دنّ.

وشهد القرن التاسع عشر تأسيس دار الإفتاء، عام 1895، مع “تحول مجموعة من المناصب الدينية إلى بيروقراطيات حكومية”.

ذلك، تأسست وزارة الأوقاف عام 1835، وهي جزء مباشر من السلطة التنفيذية، ونشأت بسبب تنامي الرقابة الإدارية على أوقاف الدولة المصرية الحديثة.

وبحسب البحث: “ففي فترة الستينيات اتخذ نظام الرئيس جمال عبد الناصر نهجاً تدخلياً واضحاً، ووصلت السيطرة المباشرة للدولة على الأجهزة الدينية ذروتها، أما في العقود التالية فقد خففت الدولة قبضتها تدريجياً، ورغم أن الحكام استمروا في التلاعب بالمؤسسات الدينية وضرب بعضها ببعض”.

خلال السنوات الماضية، تكرّست استقلالية الأزهر مع قانون مرّره المجلس العسكري في يناير 2012، أعاد إحياء هيئة كبار العلماء، وعلى رأسها الإمام الأكبر، الذي يختار أعضاء الهيئة. وتتولى الهيئة بدورها انتخاب شيخ الأزهر عند خلو منصبه.

فبحسب البحث سمح القانون لهيئة كبار العلماء بتسمية مفتي الجمهورية مع احتفاظ رئيس الجمهورية بحق إصدار قرار التعيين بناءً على ترشيح شيخ الأزهر، وذلك ما تغير مع صدور قرار جمهوري يمنح دار الإفتاء صفة “هيئة ذات طبيعة خاصة”.

وبحسب الدستور الصادر عام 2014، فإنّ الأزهر “هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء”.

ويقول جورج فهمي: “هناك أصوات داخل الدولة المصرية ترفض مساحة الاستقلال التي يسعى أحمد الطيب إلى تأمينها لمؤسسته وترى أن كلّ مؤسسات الدولة يجب أن تصطف خلف النظام السياسي بشكل واضح في ظل حالة التفكك التي تعانيها الكثير من دول المنطقة. وقد سعت تلك الأصوات بالفعل، في عام 2017، إلى تمرير مشروع قانون يسمح لشيخ الازهر بالبقاء في منصبه لمدة ولايتين فقط، مدة كل منها ست سنوات، إلا أن معارضة الأزهر الشريف لمشروع القانون انتهت إلى عدم التصويت عليه”.

إلى جانب الوضع الدستوري والقانوني لمشيخة الأزهر، فإن الأزهر يتمتع بمكانة اجتماعية كبرى، بفضل مدارسه ومؤسساته، “ما يمنحه قاعدة شعبية واسعة، ويجعل الهجوم المباشر عليه صعباً”. بحسب ناثان براون. يضاف إلى ذلك، حضور الطيب المتنامي بشكل ملحوظ على الساحة الدولية، بعد لقاءاته المتكررة مع بابا الفاتيكان فرنسيس، وتوقيعهما وثيقة “الأخوة الإنسانية” في الإمارات، عام 2019، ما عدّ محطّة مهمة في العلاقات الإسلامية المسيحية، ومنح الطيب حضوراً إعلامياً قوياً في العالم كشخصية تمثّل الإسلام المعتدل.

يقول ناثان براون إن استقلالية الأزهر ومكانته الكبرى، لا تعنيان “أن قادة الأزهر يضعون أنفسهم في خانة المعارضين للنظام، بل على العكس، فهم يتقبلون تماماً شرعية النظام السياسي القائم ويدعمون سلطة القيادة السياسية في إدارة البلاد بما يحقق الصالح العام”.

يتفق جورج فهي مع هذا الرأي، ويقول إن “أحمد الطيب يدير علاقته مع النظام السياسي بحكمة. فهي يسعى إلى الحفاظ على استقلالية الأزهر، ولكن من دون الاصطدام بالسلطة السياسية. وكذلك هو حال النظام السياسي، فهناك إلى إعادة هيكلة العلاقة بين المؤسسات الإسلامية الثلاث لصالح دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، لكن من دون الاصطدام بأحمد الطيب”.

هذا الخلاف على النفوذ، لا يعدّ بالنسبة لناثان براون خلافاً فقهياً أو إيديولوجياً، بين المؤسسات الدينية في مصر.

فبحسب البحث “المؤسسات الثلاث تتفق على القضايا الدينية الأساسية، وتعلن الانتماء إلى الإسلام الوسطي، وسعيها للحفاظ على التراث الإسلامي مع تطبيقه وفقاً لشروط العصر الحديث. قد تختلف تلك المؤسسات على تفاصيل بسيطة، ولكن التوجه العام هو نفسه، إذ لا يجب أن ننسى أنهم جميعاً متخرجون من الأزهر”.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023