الكاتب: محمد عايش
الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها مصر لا تتوقف عند المديونية العامة التي هي اليوم الأضخم في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وإنما تمتد هذه الأزمة الى عدة قطاعات وجملة من البيانات والمؤشرات التي تشير كلها الى وضع اقتصادي بالغ البؤس وتدفع الى توقع أن تشهد العملة المحلية مزيداً من الهبوط خلال الفترة المقبلة.
بحسب أحدث التقارير الصادرة عن وكالة التصنيف الائتماني العالمية «ستاندرد أند بورز» فإن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن تصل مع نهاية العام الحالي 2022 الى 391.8 مليار دولار أميركي، فيما كانت المديونية العامة للبلاد عند مستوى 54 مليار دولار فقط في بداية العام 2011، وهذا يعني أن الرقم تضاعف ثماني مرات تقريباً خلال 11 عاما فقط.
المشكلة الاقتصادية المصرية ليست في المديونية فقط، وإنما هي في تسارع وتراكم هذه الديون، إذ يكاد لا يوجد بلد في العالم تسارعت ديونه بهذه الوتيرة خلال عشر سنوات فقط، كما أن هذه السرعة في تضخم المديونية هي أخطر من المديونية ذاتها، إذ أنها مؤشر على أن الاقتصاد غير منتج ويعالج الديون بالديون، كما أنه مؤشر على تعمق العجز في الميزان التجاري وزيادة الحاجة للعملة الصعبة، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن البلاد تتجه الى الإفلاس الحتمي وأنَّ العملة المحلية تتجه لمزيد من الانهيار.
بحسب توقعات «ستاندرد آند بورز» فان مصر سوف تقترض خلال العام الحالي 2022 مبلغا فلكيا جديدا وهو 73 مليار دولار، لكن أكثر من ثلث هذا المبلغ تقريباً سوف يتم استخدامه في سداد ديون سابقة، ما يعني أن الاقتصاد سوف يتحمل أعباء الدين الجديد لكنه سوف يستفيد من نصفه فقط.
أما على المستوى الفردي فإن هذه المديونية العملاقة تعني أن كل مواطن مصري أصبح مديناً بنحو 3900 دولار أمريكي، أي أكثر من 71 ألف جنيه مصري، هذا فضلاً عن أنَّ 44% من الموازنة العامة لمالية الدولة تذهب الى “خدمة الديون” أي أن ما يقرب من نصف الانفاق العام في البلاد أصبح مخصصاً لسداد القروض والفوائد.
هذه الأزمة لا تقتصر على الديون وإنما أصبح واضحاً أن الاقتصاد يعاني من نقص في العملة الصعبة، وهو الذي أدى في الحقيقة الى الهبوط الأخير في سعر صرف الجنيه، إذ ارتفعت أسعار القمح والنفط الى مستويات قياسية، وهي سلع يتم استيرادها بالدولار الأمريكي، بينما هبطت إيرادات القطاع السياحي الذي يعتبر المصدر الرئيس للدولار، وسبب ضربة هذا القطاع معروف إذ أن أكثر من نصف السياح الذين يقصدون مصر يأتون من روسيا وأوكرانيا، فيما تأتي هذه الحرب بعد عامين على أزمة كورونا التي كانت قد سددت ضربة قاسية لقطاع السياحة والسفر في كل العالم.
وبسبب أزمة الدولار اضطر البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة على الجنيه، أملا باجتذاب العملة الصعبة، لكنَّ المفاجأة والكارثة كانت في أن الجنيه واصل الهبوط بدلاً من أن يرتفع -كما يحدث في كل العالم عند رفع الفائدة-، وهذا مؤشر آخر على أن المستثمرين لم يعودوا يثقون بالاقتصاد وأدائه.
وفي هذه الأثناء تنشغل بعض وسائل الاعلام المقربة من الحكومة في مصر في التمهيد وبشكل واضح لمسألة الافلاس، وتُسلط الضوء على أن «دولاً كبرى سبق وأعلنت إفلاسها»، كما نشرت إحدى الصحف المحلية.
ما يحدث في مصر هو أنَّ أزمة الديون خرجت عن السيطرة، والانفاق العام يذهب أغلبه كفوائد لهذه الديون بدلاً من أن يتم تدويره في الاقتصاد ويستفيد منه الناس، وهذا يعني بالضرورة أنَّ البلاد تتجه الى الافلاس على غرار ما حدث في لبنان، كما أن البنوك قد تتخلف في أية لحظة عن تسييل الودائع لأصحابها، خاصة الودائع بالعملات الأجنبية -كما حدث في لبنان أيضا-، هذا فضلاً عن أنَّ العُملة المحلية ليس أمامها سوى طريق واحد وهو مزيد من الهبوط والانهيار.. وأمام هذا وذاك فلا طريقة للحفاظ على المدخرات في مصر سوى بتحويل الأموال الى دولار وذهب والاحتفاظ بهما في الخارج أو بعيداً عن البنوك التقليدية.