شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

حكايات كارفور – مروان عادل

حكايات كارفور – مروان عادل
  منذ شهور أعيش خارج مصر تحديدا في مدينة الرياض ،واعتدت أن أشتري ما يحتاجه منزلي من الهايبر ماركت الشهير كارفور...

 

منذ شهور أعيش خارج مصر تحديدا في مدينة الرياض ،واعتدت أن أشتري ما يحتاجه منزلي من الهايبر ماركت الشهير كارفور وكنت دائما ما أسعد حين ألقى العمال المصريين عند المحاسبة ، شعور لا يوصف إلا لمن عاش خارج مصر وأدرك كيف يلقى من يضحك على كلمته ويتحدث بلغته

والبارحة قابلت عاملا مصريا على الكاشير ، شابا سكندريا فابتسم لي في تودد وسألته هل تنوي التصويت على الدستور ؟ فقال لي طبعا ان شاء الله

فسألته: وهل قررت هل تصوت بنعم أم بلا ؟

فقال أنا قررت منذ فترة طويلة سأصوت بنعم ان شاء الله

فتعجبت من اجابته فأعدت عليه السؤال

فتكلم معي ضاحكا ولكنه نوع من الضحك المرير ، تكلم عن ظروفه المعيشية وكلمني عن أمنيته في الرجوع لمصر مرة اخرى ، قال لي "احنا عايزين نخلص من الدستور بقى علشان الدنيا تستقر ، عايزين الدنيا تشتغل وعايزين نلاقي شغل ، أنا أقسم بالله لو لقيت شغلانة في مصر بألف جنيه بكره الصبح هسيب البلد ديه وأرجع بلدي تاني"

ثم صمت لحظات وقال لي "هما البرادعي وصباحي عايزين ايه بقى مننا؟ هيولعوا البلد علشان مش عارفين يوصلوا للرئاسة ؟ عايزين ايه تاني بقى ؟ "

ثم نظر للحيتي ثم قال" لا مؤاخذة يتحرق الإخوان على البرادعي على صباحي ، هما رخر ليهم كلام مستفز بس عايزين نخلص بقى نفسي أرجع مصر تاني أنا كان مرتبي في مصر 450 جنيه في الشهر وكنت خاطب والمفروض اتجوز ولفيت على شغل وموت نفسي وملقتش حاجة وفي الأخر باظت الخطوبة"

فتركته ومضيت ، هذا حال كثير من المصريين بالخارج ، منذ فترة ليست بالطويلة قابلت عاملا مصريا اخر في كارفور أيضا ، شابا مصريا من المنصورة ، قال لي "يرضي مين ده ؟ ان واحدة تخش تشتري أكل قطط بثلاثة ألاف ريال ، يعني بتأكل القطط في الشهر أكثر ما أنا بصرف أنا وعيالي كلهم؟"

هذين النموذجين من الشباب هم الذين من أجلهم قامت الثورة ، أذكر صديقا لي كان بالقرب من كوبري قصر النيل يوم 28 يناير وكان يحكي عن الشباب الأرستقراطي الذي كان يجري من قنابل الغاز وفجأة وهم يجرون وجدوا شباب امبابة والوراق يعبرون الجسر ، ملامحهم بادي عليها الفقر والضياع ، ولكن أولهم جرى ببساطة ناحية القنبلة وأمسكها بيده ثم أعادها لمرسلها مع تحياته

صديق عزيز ومدون اسلامي شهير حكى عن مجموعة من الشباب بنفس الصورة وسط الضرب العنيف ركبوا أربعة على "مكنة" وقالوا لهذا الصديق "على الجنة ان شاء الله يا عم الشيخ ؟" ثم انطلقوا في قلب جحيم الرصاص ولم يرهم صديقي أبدا

أذكر في أيام أحداث محمد محمود صديقا اخر نشر قصة عن فتاة تعمل معه كيف جاء لها شاب "شكله غلط كما يقولون" فظنته في البداية يريد معاكستها فقال لها يا انسة ابعدي من هنا انتي شكلك بنت ناس ، احنا العشرة مننا بقرش ولومتنا كلنا في داهية لكن خلوا المتعلمين ولاد الناس المحترمين إلي زيكم علشان يبنوا البلد بعد ما نرجعها "

يمكنك أن تشعر بهذه الطعنة هذا الشاب أشرف مننا جميعا ، يرانا أحق بالحياة منه لمجرد أننا متعلمين ومتنورين

أخر قال لصديقي أنا ارتديت أفضل ثيابي حتى لا يقال علي بلطجي عندما أقتل!

هؤلاء الشباب تعاملنا معهم جميعا بعنصرية شديدة ، أذكر بعد نجاح الثورة كيف انتشرت مقالة شهيرة عنوانها "الفقراء أولا يا ولاد الكلب" فتحت جرحا غائرا ، صور لشباب ، كلهم يبدو عليهم الفقر ، كل منهم يضع طنا من الجل الرخيص على شعره على امل اعطائه وسامة ، كل منهم سعيد بقميصه الذي اشترى بعشرين جنيها أو بحذاءه الذي اشتراه من على الرصيف ، هؤلاء كلهم ماتوا من أجل حريتنا ، ماذا كان رد الجميل ؟ بخلنا بنشر صورهم ، واكتفينا بنشر صور من قتلوا من أبناء الطبقة البرجوازية ، حتى التكريم الأخير الذي يستحقونه عن جدارة بخلنا به عليهم ، نشرنا صور من مات من مواقع بعيدة في الميدان أو حتى من مات في طريقه لبيته أما هؤلاء الشباب فلن تذكر صورهم ولن تذكر أشكالهم

حينما خرج بعض المشايخ بإقتراح دفع الدية لهؤلاء – بغض النظر عن صحة الفتوى من عدمها – ثرنا وغضبنا وتكلمنا بألسنة أهلهم ولم نسأل أهلهم حقا كيف تعيشون من غيرهم ؟ لم نسأل أرملة الواحد فيهم كيف تعيشين الأن وكيف تربين ولدك ، نحن بحثنا عن الإنتقام السياسي ممن أذونا ونسينا حق هؤلاء

أنت تدخل لتشتري قميصا ثمنه ثلاث مئة جنيه من تمبرلند أو سروالا من ليفيس أو حذاءا بألف جنيه من ايكو ، لن تجرؤ يوما أن تفاصل مع هذه المحلات ، أصحاب هذه المحلات من أصحاب الياقات البيض يكسب أحدهم في الحذاء الواحد ما يكسبه أحد هؤلاء الشباب في شهر كامل ، رغم ذلك ستذهب وتفاصل مع شاب يفتح كشكا صغيرا ليبيع فيه استيكر للموبايل ، ستفاصله في ثلاث جنيها لن يفرقوا معك في شئ ، أما أصحاب الياقات البيض فلن تجرؤ على ذلك ، هذا الشاب المسكين الثلاث جنيهات التي تأخذها منه ويأخذها منه صاحبك وأخذها أنا منه تشكل في النهاية دخله الشهري لهذا لن يفهمونكم أبدا

حتى في أحداث قصر الإتحادية ، مارسنا العنصرية على أبشع صورها ، هذا مهندس في أورانج كيف يكون بلطجيا ؟ هذا سياسي وابن ناس كيف يكون بلطجيا ، هذا طبيب اخواني كيف يكون قاتلا؟ كأن السباك والعامل ومن يعمل في المطاعم فقط هو من يصلح أن يكون بلطجيا ؟ من الشبيح الحقيقي في مصر أليسوا أولاد الناس ؟ من الذي كان يسرق مصر ؟ أليسوا طيارين وظباط جيش ومهندسين وأطباء ؟

هؤلاء الشباب يا سادة لن يفهمونكم أبدا ، لن يفهموا مطلقا مشاجراتكم ، لن يفهموا لماذا تعترضون على مادة في الدستور تأخذ رأي مجلس الشورى وتصرون أن نأخذ رأي مجلس الشعب وهو أصلا لا يفهم الفارق بين الإثنين ! لا يفهم لماذا تصرون على حرق البلد لحذف عبارة "الرئيس هو القائد الأعلى للشرطة"

انهوا خلافاتكم سريعا ، صبر هؤلاء الشباب ينفذ بسرعة وغضبتهم ستكون عاتية ، في ظروف مثل هذه ولدت الثورة الفرنسية ،وفي ظروف مثلها قد تأتي ثورة أخرى ، ثورة غلابة تلتهم الأخضر واليابس ووقتها سنندم جميعا حين لا ينفع الندم



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023