كشف تقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ينذر بمعاناة واسعة النطاق في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت المجلة في التقرير أنه في المرة الأخيرة التي رفعت فيها مصر أسعار الخبز، كان الاتحاد السوفيتي لا يزال على حاله. منذ عام 1989، قدمت المخابز المدعومة 20 رغيفا من الخبز البلدي، وهو غذاء أساسي، مقابل جنيه مصري واحد. في ذلك الوقت، كان هذا المبلغ يساوي دولارا واحدا تقريبا. اليوم تبلغ قيمتها حوالي ستة سنتات، أي أقل من عُشر تكلفة إنتاج الخبز.
تنفق الدولة 45 مليار جنيه مصري (2.9 مليار دولار) سنويا لتعويض الفارق، أي أكثر من نصف إجمالي فاتورة دعم المواد الغذائية. لم تجرؤ أي حكومة على العبث بهذا الترتيب المكلف. الخبز هو المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية لملايين العرب، وبالتالي فهو قضية سياسية متفجرة.
إن غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، سوف يتسبب في معاناة واسعة النطاق. سيؤدي القمح الباهظ الثمن إلى تفجير الميزانيات في الشرق الأوسط، وربما يؤدي إلى خفض الدعم الذي يترك المواطنين جائعين. في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إجهاد الاقتصادات التي تعاني بالأصل. كل هذا قد يؤدي إلى الاضطرابات.
حاول الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلغاء دعم الخبز المصري عام 1977. تراجع عن قراره في غضون أيام بعد أعمال الشغب التي قام الجيش بقمعها. وجاءت ثورة إثيوبيا عام 1974 في أعقاب صدمة أسعار النفط. ساعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في عامي 2008 و2009 على اندلاع ثورات الربيع العربي، والاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بعمر البشير في السودان في عام 2019.
وفي الرباط، العاصمة المغربية، خرجت شرطة مكافحة الشغب بالفعل إلى الشوارع. يقول الصحفي المغربي أمين الربوب: “لطالما كان ارتفاع أسعار الخبز حافزا لأعمال الشغب في شمال أفريقيا”.
ورفضت العديد من الحكومات العربية والأفريقية التعبير عن دعمها لأي من الطرفين في الصراع الروسي الأوكراني، بحجة أن هذه ليست حربهم. ومع ذلك سيشعرون بآثارها.
نبدأ بالقمح، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا، على التوالي، أكبر وخامس أكبر مصدرين في العالم. أوقفت الحرب الشحنات القادمة من البحر الأسود. هذه أخبار مأساوية لمصر، أكبر مشتر للقمح في العالم. تحتاج إلى 21 مليون طن سنويا لإطعام 102 مليون شخص، لكنها تنتج أقل من نصف ذلك. توفر روسيا وأوكرانيا 86% من وارداتها.
افترضت ميزانية هذا العام أن الواردات ستكلف 255 دولارا للطن. الأسعار في أسواق العقود الآجلة بدأت تضاهي 400 دولار. ويمكن أن يضيف ذلك ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي) إلى فاتورة الواردات المصرية. وارتفع سعر الخبز غير المدعوم بنسبة 50% في بعض المحلات في الأيام الأخيرة.
عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري المستبد، لم يعجبه دعم الخبز أبدا. وقال العام الماضي “من غير المعقول بيع 20 رغيفا من الخبز بسعر سيجارة واحدة”. ستعطيه الأسعار المرتفعة ذريعة لمحاولة تغييرها. لكنه قد لا يحب رد الفعل. وما يقرب من ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر الرسمي المتدني البالغ 857 جنيها في الشهر.
يقع العديد من جيران مصر في مأزق مماثل. تقول فاضلة رابحي، وزيرة التجارة التونسية، إن إنتاج خبز الباغيت المدعم الذي يباع بـ 190 مليما (ستة سنتات) يكلف بالفعل 420 مليما. وتعاني الدولة من عجز في الميزانية يبلغ حوالي 9% من إجمالي الناتج المحلي ومدفوعات خدمة الدين السنوية عند نفس المستوى تقريبا.
وفي لبنان، الغارق منذ عام 2019 في أزمة مالية، ارتفع سعر كيس الخبز أصلا بأكثر من 400% في العامين السابقين للحرب. ودمرت صوامع الحبوب الرئيسية في انفجار بميناء بيروت عام 2020، مما ترك البلاد غير قادرة على تخزين ما يكفي من القمح لشهر واحد فقط.
قد يضر انخفاض شحنات الذرة من أوكرانيا بمصر التي تحصل على 26 بالمئة من وارداتها من هناك. نظرا لاستخدامه في علف الحيوانات، وسيؤدي ارتفاع أسعار الذرة إلى ارتفاع أسعار اللحوم في مصر، فضلا عن ارتفاع أسعار عصيدة الذرة في جنوب أفريقيا، حيث تُعد غذاء أساسيا.
أوكرانيا هي أيضا أكبر مصدر لزيت دوار الشمس. وتنتقل الأسعار المرتفعة إلى بدائل مثل زيت النخيل، الذي يحظى بشعبية في غرب أفريقيا، وفي يناير، لامس مؤشر الزيت النباتي التابع للأمم المتحدة أعلى مستوى له على الإطلاق. وقال مدير معمل تعليب في الصحراء الغربية إن تكاليف زيت عباد الشمس والألمنيوم الذي يحتاجه لتعليب السردين ارتفعت بنسبة 40 بالمئة خلال أسبوع.
يشكل الغذاء عبر أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 40 بالمئة من سلة أسعار المستهلك. بدأ تضخم الغذاء، الذي كان يصل إلى حوالي 9 بالمئة سنويا في 2019-2020، في الارتفاع قبل عام ليصل إلى 11 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر بسبب ارتفاع أسعار النقل والزيوت والأسمدة وتعطل الزراعة بسبب الوباء.
وأول من يتأثر بارتفاع أسعار القمح سيكون أمثال غانا وكينيا، حيث يمثلان حوالي ثلث استهلاك الحبوب، أو نيجيريا، حيث تستهلك العائلات الفقيرة في المدن الكثير من المكرونة سريعة التحضير.
تضر أسعار الغذاء المرتفعة بفقراء المدن أكثر من أي شيء آخر، لأنهم لا يزرعون محاصيل خاصة بهم. هذا مهم للاستقرار السياسي. سكان المدن أكثر كثافة وأقرب إلى مقر الحكومة من أبناء عمومتهم في الريف. لذا فإن أعمال الشغب في المدن يمكن أن تطيح بالحكومات.
قد يستفيد سكان الريف من الناحية النظرية من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن العديد منهم يبيعون الطعام كما يأكلونه. يمثل مزارعو الكفاف نسبة أعلى من السكان في أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالشرق الأوسط، ولا يعتمدون بشكل خاص على واردات الغذاء. لكن حتى هؤلاء سيتضررون من ارتفاع أسعار الأسمدة ووسائل النقل.
قال وانديل سيهلوبو من جامعة ستيلينبوش في جنوب أفريقيا، إن تكلفة الأمونيا، أحد المدخلات الرئيسية للأسمدة، ارتفعت أصلا بنسبة 260 بالمئة بين ديسمبر 2020 والفترة ذاتها في 2021. وسيؤدي انخفاض الشحنات من روسيا وبيلاروسيا، وكلاهما من كبار المصدرين، إلى زيادة الأسعار.
أسعار النفط الخام المرتفعة هي نعمة مختلطة للشرق الأوسط. بالأسعار الجارية، يجب أن تكون جميع البلدان المصدرة للنفط في المنطقة، باستثناء الجزائر، قادرة على إدارة فوائض الحساب المالي والجاري.
خفضت العديد من الحكومات الخليجية دعم الوقود في السنوات الأخيرة – يدفع سائقو السيارات في الإمارات العربية المتحدة 3.23 دراهم (88 سنتا) للتر هذا الشهر، وهو رقم قياسي – وهو ما سيخفف الضرر الذي كان يمكن أن يلحق بميزانيات الدولة.
والصورة أسوأ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث 38 من أصل 45 دولة مستوردة للنفط. سيكون ارتفاع الأسعار بمثابة صدمة سلبية “بالغة الأهمية”، كما يحذر أبيبي إيمرو سيلاسي، رئيس قسم أفريقيا في صندوق النقد الدولي.
حتى في أفضل الأوقات، تكافح معظم البلدان الأفريقية لتصدير ما يكفي لتكون قادرة على تغطية تكلفة وارداتها. وستؤدي الزيادة الهائلة في أسعار النفط إلى مشاكل في ميزان المدفوعات في جميع أنحاء القارة. قبل أن تبدأ الأسعار في الارتفاع بفترة طويلة، كان البنزين يمثل بالفعل حوالي 20 بالمئة من الواردات في كينيا وغانا.
كانت أسعار النقل أصلا السبب الأكبر للتضخم العام (الذي يشمل الغذاء والطاقة) في كينيا وغانا ورواندا العام الماضي. في نيجيريا، حيث يبلغ معدل التضخم السنوي ما يقرب من 15 بالمئة، تشكل تكاليف النقل والغذاء حوالي 57 بالمئة من مؤشر التضخم.
والبلدان الأفريقية القليلة التي تنتج النفط، مثل نيجيريا وأنغولا، ستستفيد. ومع ذلك، فإن أداءهما سيكون أقل مما كان يؤمل. كلا البلدين يدعمان البنزين للمستهلكين. قد يكلف دعم الوقود الآن حكومتي أنغولا ونيجيريا ما يعادل حوالي 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 1.4 بالمئة متوقعة في أنغولا و0.8 بالمئة العام الماضي في نيجيريا.
قد تأتي الأخبار الأفضل على المدى المتوسط فقط. أوروبا تبحث بيأس عن النفط والغاز غير الروسي. الجزائر، التي لديها خطوط أنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا، تتطلع للاستفادة. يأمل منتجون أفارقة آخرون في جني الأموال عن طريق شحن المزيد من الغاز الطبيعي المسال. وستكون الجائزة الكبرى هي الدعم الأوروبي لواحد من اثنين من خطوط أنابيب الغاز التي تمت مناقشتها والتي يمكن أن تربط نيجيريا بالمغرب وتنتقل إلى أوروبا، أو نيجيريا بالجزائر عبر الصحراء.