"السلام على إيران الثورة و الدعم" قالها .. صعقتني … إخترقت أذني كإحدى الرصاصات التي يطلقها كلاب الحرس الثوري الإيراني على إخواننا في سوريا . العبارة التي جاءت في معرض كلمة ممثل كتائب القسام في الإحتفالية بالذكرى الخامسة و العشرين لتأسيس حماس أشارت إلى مرض عضال أصاب حركات المقاومة منذ نشأتها و صار في الفترة الأخيرة عبئا حقيقيا . باختصار صارت علاقة حركة حماس بإيران و التي بدأت نتيجة غياب مصدر آخر معتبر للسلاح و تبني إيران " الإعلامي " الزائف للقضية الفلسطينية تمثل تناقضا صارخا بين نقاء المنطق الجهادي و مقتضيات السياسة التي تجاوزت المعايير الاخلاقية بعد أن كاد الاعمى يرى جرائم إيران في حق المسلمين .
والسؤال الذي يوجه لحماس بطريقة مباشرة … إذا كان الدور الإيراني في الإحتلال الأمريكي لإيران لم يمثل دافعا لإدانتها و قطع العلاقات معها … ألا تكفي دماء أهل السنة التي سالت على أيدي المليشيات الشيعية طوال سنوات الإحتلال ؟ و إن لم تكفي فما القول في الدور المباشر الذي تمارسه إيران المجرمة في الذبح المستمر للشعب السوري ؟ ألا تشعر الحركة بالحرج الأخلاقي و هي تعقد تحالفا مع طرف مجرم هذا الإجرام ؟ . ألا تدري الحركة شيئا عما يفعله النظام الشيعي المستبد في العراق حاليا بدعم أيضا من إيران حيث مازال التضييق على اهل السنة و إعتقال شبابهم و تعذيبهم مستمرا و مازال نائب الرئيس السني غير قادر على دخول العراق ؟ و إن كانت حماس تُعذر في المحافظة على هذه العلاقة أثناء حصارها من قبل الأنظمة العربية الغاصبة للسلطة والعميلة للصهاينة … فهل تُعذر في إستمرار تلك العلاقة بعد إندلاع الربيع العربي و بعد أن رأت موقف مصر في الحرب الأخيرة و الدعم الذي وجدته من الدول العربية و في مقدمتها مصر ؟ لقد كتب "رايان كروكر" السفير الأمريكي السابق في أفغانستان و العراق مقالا في مجلة النيوزويك بتاريخ 14 سبتمبر 2009 تحدث فيه عن المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي عقدت في جنيف قبل غزو أفغانستان للتحضير له و كيف أن الممثلين الإيرانيين كانوا متلهفين على بداية الغزو و يثورون كلما طرأ تأجيل على البرنامج , و بهذا لم تدع إيران عدوانا على المسلمين في العقد الاخير إلا و كان لها دور فيه … فما الذي ينقصها لتكون عدا لحركة إسلامية ؟ هذا بالطبع بالإضافة للقمع الشديد الذي يتعرض له أهل السنة في إيران
الجواب الأولي البسيط على كل تلك الأسلحة هو أنها كانت في يوم من الأيام المصدر الرئيسي للسلاح بالنسبة لحماس , و هذا قد يكون صحيحا و لكن إيران لا تدعم حركات المقاومة في فلسطين لأجل القضية و العقيدة و لتحرير فلسطين و إنما لتهديد منافسها الإقليمي الوحيد فغزة في نظر إيران لا تعدو كونها قاعدة متقدمة للصواريخ ضد إسرائيل التي تتنافس معها للسيطرة على الشرق الأوسط و العالم العربي فكلاهما يريد أن يهيمن علينا و يصير الطرف الاقوى … كلاهما عدو لنا . ثم إن الدعم غالبا ما يكون مقابل التبعية لإيران و هذا يدل عليه الدعم الأقوى الذي تقدمه إيران للجهاد الإسلامي التي إرتصت التبعية الكاملة لإيران بينما حافظت حماس على إستقلالها بالإضافة إلى ودية العلاقات !! و سؤال أوجهه إلى حماس ترى ما نسبة الدعم المالي الذي قدمته إيران للحكومة الفلسطينية في غزة مقابل ما وعدت به ؟ . و لنفترض أن الدعم الذي تقدمه إيران لحماس مالا و سلاحا هو ضروري و كان له دور رئيسي في الإنتصار الأخير في غزة .. هل يبرر هذا تحية من قتل إخواننا و إغتصب نساءنا و ذبح أطفالنا في سوريا و العراق و منهم اللاجئون الفلسطينيون في كلا القطرين ؟ إن هذه لسقطة أخلاقية شنيعة لا تليق بالمجاهدين . ثم إن المرء لو قبل على مضض هذا الأمر من القيادات السياسية بدعوى المجاملات و المواءمات و الدبلوماسية فإن الأمر لا يستثاغ أبدا من ممثل الكتائب العسكرية المجاهدة التي لا يجب أن تتدخل أبدا في أمور السياسة و يجب أن تحافظ على نقاء مسيراتها الجهادية من كل تبعية لغير الحق أو مجاملة لظالم قاتل .
فلتجرب حماس و تدين علنا دعم غير ان لنظام بشار لتعلم ساعتها هل سيستمر " تبني المقاومة" أم سيتوقف أمام المصلحة الخاصة . لقد تحدث "تريتا بارسي "الباحث الامريكي من أصل إيراني في كتابه تحالف الخداع عن الصفقة التي عرضتها إيران على أمريكا بعد سقط حكم البعث في العراق في أواخر إبريل 2003 و التي عرضت فيها التخلي عن دعم حماس و الجهاد الإسلامي و المساعدة في تحويل حزب الله إلى حزب سياسي في لبنان فقط و المساعدة في محاربة القاعدة و دعم المبادرة العربية للسلام علنا , في مقابل رفع العقوبات الإقتصادية و دعم المصالح الإيرانية في العراق و دعم الروابط الدينية في النجف و كربلاء- و كل هذا متعلق بالطبع بتمكين الشيعة من العراق – و السماح لها بتكنولوجيا نووية سلمية و ملاحقة مجاهدي خلق , و لقد أقنع ديك تشيني بوش ساعتها برفض الصفقة . إن هذا يعني أن حماس و المقاومة الفلسطينية كانت دائما مجرد ورقة ضغط في يد إيران تستعملها في التفاوض مع الولايات المتحدة لخدمة مشروعها الوحيد و هو التمكين للمذهب الشيعي و تنمية رقعة نفوذه . والأنكى أن هذه التحيات و العبارات الودية لا تصدر من قبل الحكومة الفلسطينية إذن لدخلت أيضا تحت بند العلاقات بين الحكومات على نحو ما تقتضيه الضرورة و غير ذلك … و لكنها تصدر من حركة مقاومة إسلامية يجب أن تكون مواقفها مبدأية بالأساس .
إنني لم أستوعب إلى الآن كيف إستطاع هذا الأخ أن ينطق هذه التحية رغم علمه الأكيد و علم قيادته بما تقوم به إيران – في سوريا على الأقل – و إني أدعو حماس أن تعيد النظر بالكامل في موقفها من إيران و أن تعلن قطع العلاقات معها ردا على موقفها من الثورة السوريا و أن تدين بأشد العبارات التدخل الإيراني في سوريا و أن تعود لتوازن مواقفها الأخلاقية حتى لا تفقد مصداقيتها كحركة مقاومة و على كل أخ في حماس قبل أن يكيل المدح لإيران أن يتذكر وجوه القتلى في العراق و سوريا و بكاء الثكالى و الأرامل و من فقد أبناءه من سنة إيران . و ألفت نظرهم إلى مفارقة مهمة , إن مقارنة عدد من قتل على يد اليهود منذ إحتلالهم لفلسطين عام 1948 إلى الآن بعدد من قتل الإيرانيون في العراق وحده تجعل الإعتراف ب"إسرائيل " أهون بكثير من إقامة علاقات مع إيران !!!! و إنا لله و إنا إليه راجعون !.