أظهرت دراسة مطولة عن الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية أن مستويات الفقر ارتفعت في المنطقة بصورة صادمة، كما أن البطالة تتصاعد بدرجة كبيرة، مما يجعل منطقة الشرق الأوسط الأكثر معاناة من عدم المساواة مقارنة بدول العالم الأخرى.
وقالت الدراسة، التي أعدها الباحث في الجامعة الأميركية في بيروت رامي خوري ونشرها موقع “العلوم السياسية في الشرق الأوسط”، إن أرقام قياس الفقر متعدد الأبعاد تشير إلى وجود معدلات فقر أربع مرات أعلى مما كان مفترضا من قبل.
وأضافت: ‘لقد تم تصنيف 116 مليون نسمة ضمن الفقراء في عشر دول عربية شملها مسح الإسكوا (أي ما نسبته 41 بالمائة من التعداد الإجمالي للسكان)، بينما صنف ما نسبته 25 بالمئة من السكان ضمن فئة المعرضين للفقر، وازدادت نسبة الفقراء في مصر من 19.5 بالمئة في عام 2005 إلى 28 بالمئة في عام 2015. وإذا كان هذا المستوى من الفقر / التعرض للفقر عند نسبة 66 بالمئة ينطبق على العالم العربي بأسره، فهذا يعني أن 250 مليون نسمة قد يكونون فقراء أو عرضة للفقر من مجمل تعداد السكان في العالم العربي البالغ 400 مليون نسمة. وبحسب ما صرح به الاقتصاديون في إسكوا، الذين قاموا بتحليل الظاهرة، فقد انكمشت الطبقة الوسطى في الدول غير المنتجة للنفط من 45 بالمئة إلى 33 بالمئة من السكان، ويرى هؤلاء الاقتصاديون أن العائلات متوسطة الدخل آخذة في الانحدار نحو فئة المعرضين للفقر، بينما تنحدر العائلات المعرضة للفقر بدورها نحو فئة الفقراء”.
وتابعت الدراسة: “حسبما تشير حسابات الإسكوا، فإن عدد العرب الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة بحد أدنى من الرعاية الصحية يقدر بما يقرب من ستين مليون نسمة يتوزعون على سبع دول متأزمة. وهؤلاء يشملون كثيراً من الثلاثين مليون نسمة الذين أجبروا على النزوح خلال السنوات الأخيرة في مختلف أرجاء المنطقة العربية”.
وبحسب ما صدر من توقعات عن صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات، فإن المنطقة العربية بحاجة إلى إيجاد ما بين ستين إلى مئة مليون وظيفة بحلول عام 2030، وإلى سبعة وعشرين مليون وظيفة خلال السنوات الخمس القادمة؛ من أجل تقليص البطالة بشكل ملحوظ، ولا يخفى أن القيام بهذه المهمة يتجاوز قدرات منظومة الدولة العربية الحالية وما فيها من قطاع خاص. وهذا يشير إلى أن العمالة غير الرسمية ستبقى سائدة لسنوات قادمة في معظم الأراضي العربية (بمعدل يتراوح ما بين 55 إلى 60 بالمئة حسب بعض التقديرات الأخيرة). وهذا يعني أن علينا توقع استمرار نمو الفقر والانكشاف بسبب تقلب الأجور وتدنيها ومعاناة العمالة غير الرسمية من انعدام إجراءات الحماية. كما أن الفقر المرتبط بالعمالة غير الرسمية ما هو إلا واحد من تداعيات مخرجات التعليم المتردية، حيث تشير بعض التصنيفات الاختبارية العالمية إلى أن ما يقرب من نصف طلاب المدارس الابتدائية والثانوية في مختلف أنحاء المنطقة العربية لا يتعلمون، وأن كثيرين منهم سيتركون الدراسة قبل إتمام التعليم الابتدائي أو التعليم الثانوي.
وأردفت الدراسة: “تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن الشرق الأوسط هو أكثر منطقة تعاني من عدم المساواة في العالم، حيث يستحوذ 10 بالمئة من سكانه على 61 بالمئة من الثروة (مقارنة بما نسبته 47 بالمئة في الولايات المتحدة وما نسبته 36 بالمئة في أوروبا الغربية). بات موثقاً انعدام المساواة في كل واحد من جوانب الحياة والمجتمع تقريباً، بما في ذلك التباين بين الحضري والريفي، والتباينات الجندرية والعرقية، والتباين في الدخل وفي غيرها، بما يفيد بأن تلك باتت مشكلة بنيوية راسخة وعميقة بدلاً من مجرد ظاهرة عابرة ناجمة عن اضطرابات اقتصادية قصيرة المدى”.
ويولد ما مقداره تسعة ملايين عربي كل عام (ما يقرب من مليونين يولدون في مصر وحدها)، وكل هؤلاء بحاجة إلى التعليم والخدمات الصحية والإسكان والمياه والوظائف، التي تعجز الدول العربية حالياً عن توفيرها لمن يوجد فيها الآن من سكان.
وقدمت الدراسة الأردن كنموذج، وقالت إنه منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2018، زاد الأردنيون بشكل كبير من إحساسهم بالظلم وانعدام المساواة في حياتهم، خاصة من حيث تعامل الدولة ومؤسساتها معهم. ويظهر من البيانات التي وفرتها استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسة ناما الاستشارية المحترمة، والتي يديرها الدكتور فارس بريزات، أن نسبة من يقولون إن العدالة لا وجود لها في حياتهم قد ارتفعت من 8 إلى 24 بالمئة خلال تلك الفترة، وأن الإحساس بعدم المساواة ازداد من 10 إلى 30 بالمئة.
كما ازدادت على سبيل المثال نسبة الأردنيين الذين لا يرون عدالة في حياتهم من 40 بالمئة إلى 46 بالمئة خلال أربعة شهور فقط من يونيو/ حزيران إلى سبتمبر/ أيلول من عام 2018. وبينما يشعر ثلثا المواطنين بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ،و قالت 72 بالمئة من العائلات إنها لا تستطيع توفير النفقات الأساسية لمعيشتهم (مقارنة بما نسبته 42 بالمئة في منتصف عام 2011)، وقالت ثلثا العائلات إن وضعها الاقتصادي أسوأ مما كان عليه قبل سنة. كما أن عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية للعائلة، أو مجرد التمكن من ذلك دون القدرة على توفير أي مال، تعكسه استطلاعات الرأي التي أجريت على مستوى الإقليم من قبل الباروميتر العربي والمركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، الذي يتخذ من الدوحة مقراً له، وكلاهما يستشف من استطلاعاتهما التي أجريت على مستوى العالم العربي أن ما بين 70 إلى 75 بالمئة من العائلات لا قبل لها بدفع تكاليف احتياجاتها الأساسية.