سلطت صحيفة عبرية، الضوء على المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في حرب 1948، التي تمكن فيها من احتلال فلسطين وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه وأرضه، إضافة لتدمير القرى والمدن الفلسطينية ومحو الكثير منها عن الوجود.
وأظهرت الوثائق الإسرائيلية السرية الصور البشعة، التي يساهم تركيبها بكشف حجم المجازر وأعمال القتل والجرائم والإبادة التي نفذها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في تلك الفترة، والتي لم تقف عند مذبحة دير ياسين التي لم تكن حقا هي المذبحة الإسرائيلية الوحيدة.
وبحسب تقرير صحيفة “هآرتس” الذي أعده آدم راز، فإن الشهادات الإسرائيلية تواصل التراكم لتكشف للعالم، نهج القتل الجماعي الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، من أطفال ونساء وشيوخ وغيرهم.
وأكدت أن “تلك الوثائق التي دونت عام 1948، لا تترك مجالا للشك، أن قادة إسرائيل كان يعرفون تماما وأولا بأول، عن الأحداث الدموية (المجازر) التي صاحبت اجتياح القوات الإسرائيلية للقرى الفلسطينية العربية”.
وفيما يلي الترجمة الخاصة بالجزء الأول من تقرير “هآرتس”، ولاحقا سيتم نشر الجزء الثاني.
الجزء الأول للترجمة الحرفية لنص تقرير “هآرتس”
كانت النقاشات مفعمة بالعواطف، قال حاييم موشيه شابيرا، أحد الوزراء في الحكومة، لقد تقوضت جميع الأسس الأخلاقية لإسرائيل، وقال دافيد ريميز، إن الأعمال التي ارتكبت أسقطتنا من فئة اليهود بل ومن فئة الكائنات البشرية، وعبر وزراء آخرون عن امتعاضهم، ومنهم موردخاي بنتوف الذي تساءل عن نوع اليهود الذين سيبقون في البلاد بعد الحرب، ومنهم أيضاً أهارون زيسلينغ الذي قال إنه لم يعرف طعم النوم في الليل، وإن المجرمين يضربون روح الحكومة بأسرها.
وطالب بعض الوزراء بالتحقيق في الشهادات وبمحاسبة المسؤولين، أما دافيد بن غوريون فكان يراوغ، ووفي النهاية قرر الوزراء إجراء تحقيق، وكانت النتيجة إنشاء “لجنة للتحقيق في حالات جرائم القتل التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي”.
كان ذلك في نوفمبر عام 1948، حيث كانت تتدفق الشهادات التي تتحدث عن ارتكاب القوات الإسرائيلية لمذابح ضد العرب – مستهدفة الرجال العزل والمسنين والنساء والأطفال – وتتراكم على طاولة مجلس الوزراء، وظلت هذه الشهادات محجوبة عن عين الجمهور لسنين بأمر من الرقابة العسكرية، والآن، يتم الإعلان بفضل تحقيق استقصائي من قبل صحيفة “هآرتس” والمعهد الإسرائيلي-الفلسطيني لأبحاث الصراع (أكيفوت) عن النقاشات الحادة التي كانت تدور بين الوزراء حول هذا الموضوع والكشف عن شهادات تتعلق بثلاث مذابح لم تكن معروفة من قبل، بالإضافة إلى تفاصيل جديدة حول عمليات القتل في “الحولة” في لبنان، والتي تعتبر واحدة من أبشع جرائم الحرب.
في أكتوبر عام 1948، شنت القوات الإسرائيلية عمليتان كبيرتان، الأولى في الجنوب باسم عملية يوآف، والتي فتحت الطريق إلى النقب، والثانية في الشمال باسم عملية هيرام. تمخضت الثانية خلال ثلاثين ساعة عن اجتياح العشرات من القرى العربية في الشمال وهرب أو طرد الآلاف من سكانها من ديارهم. وتمكنت قوات الدفاع الإسرائيلية من اجتياح الجليل خلال ثلاثة أيام وكذلك التمدد داخل عدد من القرى في جنوب لبنان. معظم سكان تلك المناطق لم يشاركوا في القتال، وكان جل تبادل إطلاق النار يجري بين قوات الدفاع الإسرائيلية وجيش الإنقاذ العربي المشكل من متطوعين قدموا من البلدان العربية.
أثناء حملة إسرائيل للاستيلاء على الجليل بقي مائة وعشرون ألف عربي في المنطقة، أي نصف عدد من كانوا يسكنونها عشية تبني الأمم المتحدة لخطة التقسيم في نوفمبر عام 1947. نجم عن التقدم السريع لقوات الدفاع الإسرائيلية باتجاه الحدود الشمالية حدوث تماس بين الجنود والسكان الذين بقوا في القرى، والذين كان من بينهم مسنون ونساء وأطفال. بات مصير الفلسطينيين الآن في أيدي القوات الإسرائيلية. تلك كانت خلفية المذابح التي ارتكبت بحق المدنيين وبحق الجنود العرب الذين وقعوا في الأسر. وفي نهاية الحرب، بقي ما يقرب من ثلاثين ألف عربي في الشمال.
تتوفر المعلومات حول الفظائع التي ارتكبت في عام 1948 من مختلف المصادر التوثيقية التاريخية، ومن ذلك خطابات الجنود، والمذكرات غير المنشورة التي دونت في ذلك الوقت، ومحاضر الاجتماعات التي كانت تعقدها الأحزاب السياسية، وغير ذلك من المصادر. ظلت جل التقارير التي تتحدث عن التحقيقات العسكرية والحكومية أسراراً مكنونة، وما زالت الرقابة تحكم قبضتها بشدة، الأمر الذي يشكل عقبة في طريق البحث الأكاديمي وإعداد التقارير الاستقصائية. ومع ذلك، ترسم المصادر المفتوحة صورة ما فتئت ببطء تتضح معالمها، ومن ذلك على سبيل المثال الشهادات المتعلقة بمذابح لم تكن معروفة من قبل وقعت في الرينة، في ميرون وفي البرج، والتي يجري نقاشها أدناه.
مذابح الرينة
تم اجتياح قرية الرينة، المجاورة للناصرة حتى قبل شن عملية هيروم في يوليو عام 1948. بعد مرور شهور قليلة على ذلك، طالب أهارون حاييم كوهين، الدائرة التي تتعامل مع السكان العرب داخل اتحاد النقابات العمالية، الهستدروت، بأن يقدم ممثل عن القطاع الموازي في مابام، الحزب اليساري الذي كان يشكل جزءاً من الحكومة، توضيحاً لما يأتي: “لماذا تم قتل أربعة عشر عربياً في قرية الرينة في مطلع سبتمبر، كان من بينهم امرأة بدوية وكذلك عضو في تحالف عمال أرض إسرائيل اسمه يوسف التركي؟ وكان هؤلاء قد ألقي القبض عليهم بجوار القرية واتهموا بالتهريب، ثم سيقوا إلى القرية حيث قتلوا”. وأصر الشيخ طاهر الطويري، أحد زعماء المجتمع الفلسطيني في الشمال، على أن مذبحة الرينة “لم تكن الوحيدة” وأن أعمال القتل تلك كانت “تنفذ بهدف السرقة”. وزعمت عائلات الضحايا أن الذين قتلوا كانوا يحملون معهم مئات الليرات، وكانت تلك مبالغ كبيرة.
كما أن قرية البرج (والتي صار اسمها الآن مودين) اجتيحت هي الأخرى في يوليو عام 1948 كجزء من عملية داني. وتشير وثيقة لا يُعرف كاتبها، تم العثور عليها في أرشيف ياد يعاري، إلى أن أربعة مسنين بقوا في القرية بعد الاستيلاء عليها: “الحاج إبراهيم، الذي كان يساعد داخل المطبخ العسكري، وامرأة مسنة مريضة ورجل مسن آخر وامرأة (مسنة)”. بعد مرور ثمانية أيام على اجتياح القرية، أرسل الجنود إبراهيم في مهمة لجلب الخضار، وذلك بهدف إقصائه عما كان يوشك أن يحدث. “تم اقتياد الثلاثة الآخرين إلى منزل معزول. ثم أطلقت قذيفة مضادة للدبابات (فيات)، وعندما أخطأت القذيفة هدفها، ألقيت ست قنابل يدوية داخل المنزل. قتلوا رجلاً مسناً وامرأة، بينما تم الإجهاز على المرأة المسنة باستخدام سلاح ناري. وبعد ذلك أشعلوا النار بالمنزل وحرقوا تلك الجثث. وعندما عاد الحاج إبراهيم مع حارسه قيل له بأن الثلاثة الآخرين أرسلوا إلى مستشفى في رام الله. يبدو أنه لم يصدق الحكاية، ثم بعد ساعات قليلة تم الإجهاز عليه هو الآخر بأربع رصاصات”.
طبقاً لشهادة شموئيل ميكونيس، عضو مجلس الدولة الانتقالي (سلف الكنيست) عن الحزب الشيوعي، والتي يتم الكشف عنها للمرة الأولى ههنا، تم أيضاً ارتكاب جرائم فظيعة في منطقة ميرون. تمكن ميكونيس حينذاك من الالتفاف حول الرقابة من خلال توجيه سؤال برلماني إلى رئيس الوزراء انتهى إلى أن يصبح جزءاً من أرشيف الكنيست، طلب فيه توضيحاً من بن غوريون حول أعمال قال ميكونيس إنها ارتكبت من قبل أعضاء في مليشيا الآرغون السرية.. “أولاً، لقد أبادوا باستخدام الرشاشات خمسة وثلاثين عربياً بعد أن استسلموا للمجموعة وكانوا يحملون رايات بيضاء في أيديهم. وثانياً، أسروا سكاناً مسالمين، كان من بينهم نساء وأطفال، وأمروهم بشق حفرة في الأرض ثم دفعوا بهم فيها بحراب فرنسية طويلة، ثم أطلقوا النار على البؤساء إلى أن أجهزوا عليهم جميعاً. وكان من بينهم امرأة تحمل في ذراعيها رضيعاً. وثالثاً، مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة كانوا يلعبون بشظايا القنابل أطلقت عليهم النيران وقتلوا جميعاً. ورابعاً، فتاة في التاسعة عشرة أو العشرين من عمرها اغتصبها رجال من ألتالينا (إحدى وحدات الآرغون)، ثم بعد ذلك طعنت بحربة وغرست في جسدها عصا خشبية”.
ولقد ورد أن الجنود في ميرون “اتخذوا السكان المسالمين أسارى وكان من بينهم نساء وأطفال، وأمروهم بشق حفرة في الأرض، ودفعوا بهم فيها… وأطلقوا النار على البؤساء إلى أن أجهزوا عليهم جميعاً، وكانت من بينهم امرأة تحمل رضيعاً في ذراعيها”.
وههنا نود التأكيد على أنه لا يوجد لدينا شهادات إضافية تعزز الوصف البشع لما وقع من أحداث في الرينة وفي البرج وفي ميرون. وهذا ليس مستغرباً، إذا ما أخذنا بالاعتبار الكم الهائل من المواد التي لا تزال محتجزة بعيداً عن الأنظار في الأرشيف. وفي ما يتعلق بشهادة ميكونيس، فإن هناك أسبابا إضافية للامتناع عن التشكيك في ما ذكره، ومنها أن ميكونيس، وفي نفس السؤال البرلماني الذي طرحه على بن غوريون، قدم توصيفاً دقيقاً للمذبحة التي وقعت في قرية الحولة اللبنانية، وتبين في المحكمة فيما بعد أن مصادره كانت موثوقة. (لا يوجد ما يثبت أن رئيس الوزراء رد على السؤال الذي طرح عليه).
“البعض ظهر منهم ما يثبت أنهم ما زالوا على قيد الحياة”
بدا الوزراء منزعجين بشكل خاص مما سمعوه عن مذبحة الحولة. فقد تم اجتياح القرية من قبل فرقة من لواء الكرمل، هي الكتيبة الثانية والعشرون، تحت قيادة شمويل لاهيس. وعلى الرغم من أن المئات من السكان، أي معظم أهل الحولة، تمكنوا من الهرب، إلا أن ستين منهم بقوا في القرية واستسلموا بدون مقاومة. وبعد الاجتياح ارتكبت مجزرتان هناك، على مدى يومين متعاقبين. في اليوم الأول، الحادي والثلاثين من أكتوبر 1948، قتل ثمانية عشر قروياً وفي اليوم التالي وصل عدد الضحايا إلى خمسة عشر.
كان قائد الفرقة، لاهيس، هو المقاتل الوحيد الذي حوكم بتهمة ارتكاب جرائم قتل في عملية هيرام، وصدر حكم بالبراءة بحقه بسبب الشكوك التي حامت حول وقوع الحادثة الأولى، ولكنه أدين بارتكاب مجزرة اليوم الثاني، والتي نفذها بنفسه. فيما بعد، أحيل نص الحكم الصادر بحق لاهيس إلى الأرشيف القانوني لجامعة تل أبيب، وههنا يتم لأول مرة نشر مقطع من الحكم المتعلق باستئنافه.
أمر لاهيس بإخلاء “أولئك العرب الخمسة عشر من البيت الذي كانوا فيه وساقهم إلى منزل معزول على مسافة من مقبرة المسلمين في القرية. عندما وصلوا إلى هناك أمر المستأنف (لاهيس) العرب بأن يُجمعوا في واحدة من الغرف وهناك أمرهم بالوقوف في صف واحد ووجوههم إلى الحائط… ثم قام المستأنف بإطلاق النار على العرب مستخدماً (بندقية) ستين كان ممسكاً بها وفرغ فيهم مشطين من الذخيرة. بعد أن سقط الناس، راح المستأنف يتفحص الجثث للتأكد مما إذا كانت فيها حياة. كان البعض منهم تظهر عليهم علامات تثبت أنهم ما زالوا على قيد الحياة، فما كان من المستأنف إلا أن أطلق عليهم رصاصات إضافية”.
صرح لاهيس في دفاعه بأنه إنما كان يعمل بروح ما ذكره آمر الكتيبة الذي قال له “لا حاجة لأن تثقل كاهل (عناصر) المخابرات بالأسرى”. وبين أنه شعر بحاجة ملحة إلى الانتقام بسبب موت أصدقائه، على الرغم من أن ضحاياه لم يشاركوا في القتال. وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وبعد الاستئناف تم تخفيض العقوبة إلى سنة واحدة، قضاها في أوضاع مريحة جداً داخل قاعدة عسكرية في الشمال.
على مدى السنين، سعى القضاة إلى التقدم بمختلف التفسيرات لتلك العقوبة الخفيفة. برر القاضي جدعون إيلات العقوبة من خلال الإشارة إلى أن لاهيس كان الشخص الوحيد الذي قدم للمحاكمة، على الرغم من أن جرائم قتل أفظع من ذلك كانت قد ارتكبت. وقال القاضي حاييم دفورين: “كقاض، كان من الصعب علي أن أنسجم مع وضع كنا فيه نجلس خلف طاولة لنحاكم شخصاً تصرف أثناء المعركة بالشكل الذي تصرف به. هل كان يعرف حينذاك من كان بريئاً ومن كان عدواً؟”.
بعد إطلاق سراحه، صدر بحق لاهيس عفو من قبل الرئيس إسحاق بن زيفي. وبعد ثلاثة عقود تم تعيينه مديراً عاماً للوكالة اليهودية. ومن موقعه ذاك ابتدع فكرة يوم القدس، للاحتفال بذكرى توحيد القدس أثناء حرب الأيام الستة، والذي ما زال يحتفل به سنوياً منذ ذلك الحين.
ما زالت ملايين الوثائق منذ تأسيس الدولة مخزنة في أرشيف الحكومة ويحظر نشرها. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك سياسة رقابة فعالة للحيلولة دون تمكن أحد من النشر. وخلال السنوات الأخيرة عمد موظفون من وحدة مالماب (وهي الاختصار العبري لجملة “مدير مؤسسة الأمن والدفاع”) إلى التنقيب في أرشيفات البلاد للتخلص من الأدلة التي تثبت وقوع جرائم حرب، وذلك ما كشف عنه تقرير استقصائي من إعداد هاجر شيزاف في صحيفة “هآرتس” في عام 2019. ولكن بالرغم من الجهود التي تبذل للإخفاء فإنها لم تزل التقارير حول المجاز التي ارتكبت تتراكم.
أول من مهد الطريق كان المؤرخ بيني موريس، الذي أجرى بحثاً شاملاً ورائداً في الأرشيفات، بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي. فيما بعد انضم إليه مؤرخ آخر هو عادل مناع، الذي يركز في عمله على التاريخ الشفهي، والذي درس تاريخ العرب في حيفا وفي الجليل. من بين الأحداث التي وصفها مناع فرقة الإعدام التي ذبحت تسعة من مواطني مجد الكروم (مسقط رأسه هو). ما نشر من أبحاث على مدى الأعوام التالية، مثل الشهادات المذكورة في هذا التقرير، أخذ تدريجياً يوفر القطع المفقودة من اللغز.
وثق موريس وقوع 24 مذبحة أثناء حرب 1948. ولكن بإمكاننا اليوم القول إن العدد كان أكبر من ذلك بكثير، وقد يصل إلى أضعاف ذلك. في بعض هذه الحلات قتل عدد قليل من الأفراد، وفي بعضها قتل العشرات، وفي بعض الحالات تجاوز عدد الضحايا المائة. وباستثناء مذبحة دير ياسين في شهر أبريل عام 1948، والتي ظل اسمها يتردد على الألسن لسنوات، يبدو أن هذه الشريحة الكئيبة من التاريخ ظلت مكبوتة ويتم النأي بها عن تناول الرأي العام في إسرائيل.
من بين المجازر الكبرى التي وقعت أثناء عملية هيرام وعملية يوعاف تلك الأحداث التي جرت في قرى صالحة وصفصف والدوايمة. في صالحة (والتي هي اليوم كيبوتس ييرون) والتي تقع بمحاذاة الحدود مع لبنان، أعدم اللواء السابع ما بين ستين إلى ثمانين من السكان مستخدماً أسلوباً تم اللجوء إليه مرات عديدة أثناء الحرب، ألا وهو تجميع السكان في بناية داخل القرية ثم تفجير المبني والناس في داخله.
وفي صفصف (التي هي اليوم موشاف صفصوفا)، بالقرب من صفد، ذبح الجنود من اللواء السابع العشرات من السكان. وبحسب إحدى الشهادات (التي ما لبثت فيما بعد أن فرضت عليها السرية من قبل وحدة مالماب) “تم توقيف اثنين وخمسين رجلاً، ربطوا بعضهم ببعض، وحفرت جورة، وضعوا فيها وأطلقت عليهم النيران. كان عشرة منهم مازالوا ينتفضون. جاءت النساء، يتوسلن ويطلبن الرحمة. وجدت جثث ستة من الشيوخ. بالمجمل كان هناك واحد وستون جثة، وثلاث حالات اغتصاب”.
وفي قرية الدوايمة (والتي هي اليوم موشاف أماتزيا)، في منطقة لاخيش، ذبح جنود من اللواء الثامن ما يقرب من مائة شخص. أحد الجنود الذين شهدوا الأحداث وصف للمسؤولين في مابام ما جرى قائلاً: “لم تكن هناك معركة ولا مقاومة. أول الداخلين قتلوا ما بين ثمانين إلى مائة من الرجال والنساء والأطفال العرب. قتل الأطفال بتهشيم جماجمهم بالعصي. لم يخل بيت واحد من أناس قتلوا فيه”. وطبقاً لما أورده ضابط مخابرات أرسل إلى القرية بعد يومين وصل عدد الذين قتلوا 120.
يشير مقال كتبه جندي مجهول في مجلة نير بعد الحرب إلى أن ظاهرة قتل غير المحاربين كانت منتشرة على نطاق واسع داخل جيش الدفاع الإسرائيلي. فقد روى كاتب المقال كيف قام رفاقه في الوحدة بقتل امرأة عربية مسنة تخلفت أثناء اجتياح قرية لوبيا في الجليل الأعلى، ويقول: “أصبح ذلك تقليداً، وعندما اشتكيت إلى قائد الكتيبة عما كان يجري وطلبت منه وضع حد للهيجان، الذي لم يكن له ما يبرره عسكرياً، هز كتفيه وقال: لا توجد أوامر من أعلى توعز بمنعه. منذ تلك اللحظة لم يكن من الكتيبة إلا أن انحدرت أكثر فأكثر. استمرت إنجازاتها العسكرية ولكن في المقابل تضاعفت الفظائع التي ترتكبها”.