تحل اليوم الذكرى الخامسة لتحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، وفقًا لآليات العرض والطلب، في 3 نوفمبر 2016، مما أدى إلى انخفاض الجنيه بشكل حاد من مستوى 8.8 جنيهات مقابل الدولار إلى أكثر من 19 جنيهًا قبل أن يرتفع إلى 15.7 جنيه.
وقال البنك المركزي حينها إن هذه الخطوة تأتي اتساقًا مع المنظومة الإصلاحية المتكاملة التي تتضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة الذي يتم تنفيذه بحسم، وإن حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة تمكن الاقتصاد المصري من مواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة.
وكان تحرير سعر الصرف أحد المطالب الرئيسية التي دعا إليها صندوق النقد الدولي حتى يوافق بشكل نهائي على إقراض مصر 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، بعد أن انخفض الاحتياطي النقدي إلى 16.3 مليار في سبتمبر 2015، بما يكفي بالكاد لتغطية ثلاثة أشهر من واردات السلع الاستراتيجية مقابل 36 مليار دولار في عام 2011.
وقفزت ديون مصر الخارجية منذ التعويم بشكل كبير، وارتفعت في نهاية العام المالي المنتهي في يونيو الماضي إلى نحو 137.8 مليار دولار، مقارنة بـ55.8 مليار دولار في نهاية العام المالي 2015-2016.
ومنذ ذلك التاريخ زادت فاتورة استيراد الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وتضاعفت الأسعار في جميع القطاعات بنسب تجاوزت 200% و 300%، بما فيها الاتصالات والصحة والتعليم والنقل والمواصلات، والمقاولات، والمواد الغذائية، وغيرها، وانخفضت قيمة مدخرات المصريين وأجورهم بأكثر من 60%، على أقل تقدير.
– ارتفاع الجنيه وانخفاض قوته الشرائية
وما زاد الطين بلة، قيام الحكومة بخفض دعم الوقود والكهرباء والمياه والغاز عدة مرات حتى رفعت الدعم بشكل شبه نهائي، ما كبد ملايين المصريين خسائر كبيرة، وحملهم أعباء ضخمة، وارتفعت نسبة الفقر بينهم إلى 32.5% قبل أن تنخفض إلى 30%، وسط شكوك حول صحة هذه النسبة.
ولم تستفد الصادرات المصرية من انخفاض قيمة الجنيه كما روجت الحكومة وظلت تراوح مكانها ما بين 27 و30 مليار دولار فقط ما بين عامي 2016 و 2020، وكذلك راوحت الواردات المصرية مكانها ما بين 72 و 80 مليار دولار، خلال نفس الفترة.
ورغم ارتفاع الجنيه مقابل الدولار بنحو 15% خلال العامين الماضيين، فإن الأسعار ارتفعت بشكل متواصل في جميع مناحي الحياة، بدلا من أن تخفض بنفس النسبة، وسط شكوك حول قيام البنك المركزي بما يسمى التعويم المدار، أي استمرار تثبيت الجنيه، وهو ما يؤكد انخفاض قوته الشرائية، ما أثار التكهنات بشأن تعويم جديد
– المعاناة بعد التعويم مستمرة
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إنه “منذ التعويم في نوفمبر 2016 وحتى الآن جميع المصريين عانوا حتى الآن من تضخم الأسعار بشكل كبير، ولم تنعكس المؤشرات الاقتصادية التي دأبت الحكومة على إعلانها، بالإيجاب على المواطنين، وظلت على الورق، وارتفعت الديون إلى مستوى غير مسبوق”.
وأكد لـ”عربي21″ أن “المواطن المصري خسر الكثير من عملية التعويم، ولم يشعر بأي تحسن”، مشيرا إلى أن “الجنيه المصرية لم يسترد عافيته منذ ذلك التاريخ ولم يعد إلى قيمته قبل تحريره، وكان من المفترض أن نشهد ارتفاعا حقيقا في قيمة الجنيه وقوته الشرائية وهو ما لم يحدث”.
وتابع: “كما أن تدفقات أموال القروض والودائع والاستثمار غير المباشر في أدوات الدين المختلفة لم تؤدي الغرض منها، ولم تحسن أوضاع المصريين المعيشية، وبالتالي لم يحدث استقرار في الأسعار حتى اليوم، حيث نشاهد ارتفاعات مستمرة”.
– هل ينخفض الجنيه مجددا
بدوره؛ أكد الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور مصطفى يوسف، أن “عملية التعويم لم تحقق المرجو منها، ولم تستفد الصادرات من خفض قيمة الجنيه لأنه لا يوجد إنتاج حقيقي يمكنه المنافسة بالخارج لأن مدخلاته تعتمد على مواد مستوردة، والواردات تبلغ أكثر من ضعفي الصادرات ما يعني زيادة فاتورة الواردات وزيادة الأسعار، وانخفاض مستوى المعيشة”.
وأوضح لـ”عربي21″ أن “تعويم الجنيه أدى إلى تآكل الطبقة الوسطى بشكل دراماتيكي، وزيادة معدلات الفقر، ووقوع الفقراء تحت خط الفقر المدقع، ويقدر البنك الدولي حجم الفقر بـ60 بالمئة، وكان الهدف الوحيد من تحرير سعر صرف الجنيه هو الانصياع لشروط صندوق النقد الدولي والحصول على قرض بـ 12 مليار دولار على 3 سنوات”.
بخصوص الاستفادة التي تم جنيها من عملية تحرير سعر الصرف، أشار يوسف إلى “فتح باب الاقتراض الخارجي لمصر للإنفاق على مشروعات غير مجدية اقتصاديا ولا إنتاجيا، كما أن الاقتراض لا يوجه إلى التعليم ولا الصحة، ولا إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وتركزت الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين فقط، ولذلك لن تستقر لا الأسعار ولن تخفض وقد يواجه الجنيه المصري عملية خفض أخرى في ظل تنامي القروض”.