أربعة سنوات تقريبًا ما يفصلنا عن العدوان الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على غزة نهاية عام 2008 والذي حمى وطيسه في27 ديسمبر من نفس العام، وانتهى في 18 يناير 2009، والعدوان الذي شنه الاحتلال منذ أيام وتحديدًا في 14 نوفمبر 2012.
كان الرهان فى عدوان 2008 هو كيف يمكن لشعب أعزل أن يواجه المدفعية الإسرائيلية التى تعد سابع أقوى الجيوش على مستوى العالم والذي يستهدف المدنين والأطفال على وجه الخصوص فى ظل إمكانيات المقاومة المحدودة، ولكن المعادلة تغيرت كثيرًا فى العدوان الأخير الذى انتهى منذ أيام بتهدئة برعاية مصرية.
لقد ساهم التوقيت وإمكانات الطرفين المادية والمعنوية ومتغيرات المشهد السياسي فى خضم ثورات الربيع العربى في جعل خسارة إسرائيل في عدوان 2012 تفوق بكثير خسارتها في عدوان 2009 ومسارعتها للقبول باتفاق التهدئة الذي تم برعاية مصرية والتى وخرجت فيه فصائل المقاومة رابحة تفرض هى شروطها بشأن التهدئة.
ذرائع العدوان
العدوانان يتفقان في كونهما تزامنا مع قرب الانتخابات الإسرائيلية، التي يسعى فيها زعماء الأحزاب الإسرائيلية إلى ضرب المقاومة قطاع غزة وإراقة المزيد من الدماء في سبيل كسب التأييد الشعبي والفوز في الانتخابات، لذا وجدنا إسرائيل تعلل عدوانها الأخير على قطاع غزة باستمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولكن إسرائيل هي من بدأت باستهداف الفلسطينيين على الحدود ثم نفذت عملية اغتيال القيادي أحمد الجعبرى -نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام- في قطاع غزة، وهو ما دفع المقاومة إلى الرد بسيل من الصواريخ على المدن الإسرائيلية المختلفة .
ولم تختلف كثيرًا الأسباب المعلنة لعدوان 2008 -2009 عن أسباب العدوان الأخير، و التي تمثلت في خرق التهدئة، التي تمت بين الاحتلال وحماس برعاية مصرية في يونيو2008،من قبل الجانب الإسرائيلي،وقاموا بتنفيذ غارة إسرائيلية في 4 نوفمبر 2008 استشهد على أثرها 6 مسلحين من حركة حماس.
تفوق مسبق للمقاومة
كانت إمكانيات المقاومة في معركة الفرقان 2008 هي صواريخ جراد صينية الصنع، والتي أقصى مسافة لها تصل إلى 20 كم بالإضافة إلى الصواريخ محلية الصنع كالقسام 1 و2 و3 وصورايخ فصائل المقاومة الأخرى لسرايا القدس وشهداء الأقصى التي كانت تتراوح مسافاتها بين 5كم إلى 15 كم.
أما في معركة "حجارة سجيل" التي مثلت رد فصائل المقاومة على العدوان الإسرائيلي الأخير منتصف الشهر الجاري لوحظ تفوق كبير في مستوى الإمكانيات، فاستخدمت المقاومة صواريخ طويلة المدى، مثل صواريخ فجر 5، والتي تمد بين 75 و85 ميلا، مستهدفة تل أبيب التي تبعد عن غزة بنحو 71 ميلا، إضافة إلى حيازة المقاومة لكم أكبر من الصواريخ حيث دكت بــ 1573 قذيفة صاروخية، مواقع العدو، واستهدفت طائرات الاحتلال وبوارجه وآلياته.
وبتلك الإمكانيات، وفقا ما أعلنت كتائب القسام، أصبحتحديد قواعد المواجهة لم يعد حكراً على إسرائيل، فالمقاومة اليوم تقرر وتحدد خياراتها، وتلزم المحتل بها، وتفرض شروطها على المعتدي، وم تعد ترضخ للضربات الإستباقية.
إضافة إلى إيقاع خسائر في الجانب الإسرائيلي تصل إلى 750 مليون دولار بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت بينما كشفت مجلة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن العدوان على غزة كلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 3 مليار شيكل على الأقل منها 2 مليار شيكل مخصصة للنفقات العسكرية وهو ما يشكل نحو 5% من ميزانية الدفاع لعام 2012، ونحو 1 مليار شيكل من التكلفة المدنية.
خسائر الطرفين
ارتفع ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير إلى 145 شخصا وأكثر 1100 جريح، بينما قدرت خسائر العدو الصهيوني بعشرات القتلى والمصابين، فضلًا عن أن صواريخ المقاومة التي دفعت 750 ألف إسرائيلي إلى مغادرة منازلهم بحسب تصريحات محمود الزهار، القيادي البارز في حركة حماس.
وفي الوقت الذي أسفرت فيه عملية "الرصاص المصبوب"، التي استمرت على مدار 22 يومًا متواصلين،عن وفاة 1417 فلسطينياً، من بينهم 926 مدنياً، و412 طفلاً، و111 امرأة وإصابة 5450 آخرين، مقابل مقتل 10 جنود إسرائيليين و 3 مدنيين وإصابة 400 آخرين أغلبهم مدنيين أصيبوا بالهلع وليس إصابات جسديه حسب اعتراف الجيش، وكل ذلك في وقت.
خسائر قطاع غزة
بلغت الخسائر الاقتصادية في عدوان غزة 2012 بـ1.2مليار دولار،حيث أعلن طاهر النونو- متحدث باسم حكومة حماس المقالة- إن حرب الأيام الثمانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة تسببت في أضرار مباشرة وغير مباشرة تقدر بأكثر من مليار ومائتي مليون دولار.
وبحسب المصدر ذاته فقد تم تدمير 200 منزل بصورة كاملة إضافة إلى إلحاق الضرر بثمانية آلاف منزل آخر، يضاف إلى ذلك تدمير 42 مبنى غير سكني بصورة كاملة، بما في ذلك المبنى الرئيسي لحكومة حماس.
كما دمرت الغارات الإسرائيلية ثلاثة مساجد ومركزا للصحة تدميرا كاملا، ولحق الضرر بمئات من المباني الحكومية
وربما لا يوجد رقم محدد استطاعنا الوصول إليه حول إجمالي خسائر عدوان 2008 لكن المركز الفلسطيني للإعلام كان قد أعلن في تقرير سابق له أن عدوان 2008دمر 2114 منزلاً بشكل كلي، كما أدى إلى تدمير 3242 منزلاً بشكل جزئي، وفضلاً عن ذلك، تعرض نحو 16000 منزل آخر إلى أضرار مختلفة جراء القصف وأعمال التدمير، بما في ذلك احتراق العشرات منها وفي أحياء مختلفة في مدن القطاع.
ويتضح من الأرقام السابقة ونظرًا لقصر فترة العدوان الأخير أن كم الخسائر التي وقعت على قطاع غزة أقل بكثير من خسائر عدوان 2008 في المقابل حيث ساهم تطور أسلحة المقاومة إلى جعل خسائر إسرائيل أقوى من حيث عدد القتلى وعدد الذين روعوا من جراء سقوط الصواريخ على مدنهم أو بالقرب منها.
التهدئة.. مكسب للمقاومة
انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2012 بمبادرة مصرية لوقف إطلاق النار بين الطرفين أتاحت مكاسب لم تصل لها المقاومة من قبل فى نضالها تجاه العدوان الإسرائيلي، حيثزحف المئات من سكان المناطق الحدودية ما بين بيت حانون شمالا ورفح جنوبا لرؤية أراضيهم على الحدود والتجوال فيها التي حرموا منها منذ 12يأتى ذلك ضمن بنود التهدئة التي من بنودها "عدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية ".
وكما كانت زوراق الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة فى بحر غزة على تمنع الصيادين من الإبحار أكثر من ثلاثة أميال بما يخالف اتفاق أوسلو وقد أتاح تدخل مصر فى اتفاق التهدئة لمراكب الصيد الفلسطينية الإبحار لمسافة 6 ميل .
وفي الجدول التالي تلخيص مقارنة لوضع القطاع أثناء العدوانين:
وجه المقارنة |
غزة 2009 |
غزة2012 |
مدة العدوان |
22 يومًا |
8 أيام |
عدد الشهداء الفلسطينين |
1417 |
161 |
عدد الجرحى الفلسطينيين |
5550 |
1222 |
عدد الهجمات الصاروخية |
1202 |
1573 |
مدى صواريخ المقاومة |
20 كم |
85كم |
ولكن تبقى تساؤلات تحتاج إلى الإجابة وهى: ما المدة التي ستستغرقها الهدنة؟ وهل من الممكن أن تعاود إسرائيل التفكير في العدوان على قطاع غزة؟ وما هي إستراتيجيتها الجديدة في التعامل مع قطاع غزة وما هي إستراتيجية حماس وغيرها من فصائل المقاومة تجاه التعامل مع إسرائيل؟