في ظل الأوضاع الحالية التي تعانى منها البلاد بعد إصدار الرئيس محمد مرسى لإعلان دستوري ينص على تحصين تأسيسية الدستورية من أي حكم قضائي بحلها، ومع قرب انتهاء أعضاء التأسيسية على الاستفتاء على مسودة الدستور لعرضها على الرئيس، كان لرصد حوار مع الأب رفيق جريش-المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية، وراعى كنيسة القديس كيرلس- للتعرف على أسباب انسحاب الكنيسة من التأسيسية، و رأيها في الإعلان الدستوري الأخير، والمخرج للوضع الحالي.
بداية..ما رأى الكنيسة في الإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس مرسي؟
الإعلان الدستوري وإن كان به بعض المطالب الثورية في محاكمات عادلة ,إلا انه جاء متأخراً, فهناك تباطؤ في اتخاذ القرارات منذ تولي الرئيس الحكم, ففي فترة الخمس شهور الأخيرة كان من السهل على الرئيس مرسي أن يعيد المحاكمات مرة أخري, أما الآن فأعتقد أن الكثير من أدلة قتل الثوار ستختفي , فليس من المعقول من وزارة الداخلية أو الجيش أن يقدما أدلة ضد أنفسهم وسيكون من السذاجة أن نعتقد العكس.
وماذا عن بقية مواد الإعلان الدستوري؟
بالنسبة للقرارات الأخرى كمد فترة التأسيسية , أو تحصين مجلس الشورى من الحل, فأري انه يمثل انقلاب على القانون، فإذا كان للرئيس مشاكل مع المحكمة الدستورية, فعليه أن يجد طرقه الأخرى ليحلها ,لا أن يحصن ذاته ويضع نفسه فوق القانون, فالقانون له قدسيته الخاصة وعلى الجميع احترامه بداية من رئيس الجمهورية.
لذلك كان لابد من توافق وطني بين القوى السياسية للتشاور حول ذلك, بدلاً من الإعلان عن أفكار تصادمية من شأنها أن تقسم البلاد بين مؤيد ومعارض.
كيف تري دور مستشاري الرئيس في هذا الإعلان؟
أعتقد أن مستشاري الرئيس لم يكونوا على علم بهذه القرارات قبل الإعلان عنها, والدليل على ذلك استقالة دكتور سمير مرقص – المسئول عن ملف التحول الديمقراطي – من المجلس الاستشاري، فمعظم مستشاريه تنصلوا من تلك القرارات مما يعنى أن اختيار الرئيس لهم كان مجرد ديكور لا أكثر.
هل تتفق مع البعض الذي يري أن تلك القرارات جعلت من مرسي"ديكتاتور مؤقت"؟
لا أريد استخدام مصطلحات أو كلمات قاسية, ولكن هو الذي وضع نفسه فوق القانون , لذلك فالتسمية متاحة إما ديمقراطي ,أو ديكتاتوري.
ما هو مصير التأسيسية بعد الانسحاب المتوالي للعديد من القوى؟
بعد القرارات الأخيرة التي تم الإعلان عنها الخميس الماضي , أري أن مصير التأسيسية الآن بين يدي الرئيس , فلابد أن يقوم بعمل خارطة طريق جديدة لحل التأسيسية وإعادة تشكيلها من جديد بعد إجراء توافق وطني ، وإلا سينتج دستوراً اعوج لن يرضي الجميع، مؤكدًا على أنه لولا قرارات يوم الخميس بها شيْ من التعسف والعصبية -حتى وإن كان لصالح الشعب -فلا يصح أن تكون بهذه الطريقة .
لماذا انسحبت الكنيسة من تأسيسية الدستور، وهل كان هناك خلاف علي المواد التي تخص حقوق الأقباط أو الأقليات داخل مصر ؟
الكنيسة لم تنسحب لمصلحتها الطائفية, إنما انسحبت لمصلحة الوطن، فمشروع الدستور الحالي به الكثير من العوائق وعدم التوافق بين جميع أبناء الشعب الواحد. فلا يوجد تقريبا بند واحد تم الاتفاق عليه سواء بالنسبة للمرأة أو الطفل أو نظام الحكم، كما أن هناك ضغوط لتمرير بعض البنود, فبعد الاتفاق علي أفكار ومقترحات معينة تدخل هذه البنود لجنة الصياغة وتخرج بشكل أخر فيتم الاختلاف والتشاجر من جديد، كل هذا إلى جانب أننا لازال في عصر مبارك من حيث امتلاك جميع السلطات بين يديه.
و بالنسبة لوجود خلاف حول المواد الخاصة بحقوق الأقباط، فلم يكن هناك اختلاف علي ا لبند الثالث الذي ينص علي احتكام المسيحيين، واليهود إلي شرائعهم وتعيين رؤساؤهم ، أما البند الثاني، الذي ينص علي أن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع فقد توافقنا علي البقاء عليه كما هو في دستور 71, ولكن بصفة عامة كانت تختلف المقترحات و المواد من شكل لأخر بعد الاتفاق عليها، خاصة بعد خروجها من لجنة الصياغة، كما توجد العديد من المواد المطاطية والغير واضحة التأويل.
ما أكثر المواد خلافا داخل التأسيسية ؟
إذا كان هناك خلاف في مادة واحدة فهذا يعنى خلاف في باقي المواد فهو موضوع مبدأ, كما أن هناك أكثر من 40بند داخل التأسيسية ،سواء له علاقة بالكنيسة أو بباقي المواضيع، عليهم اعتراضات .
أرجعت الكنيسة سبب انسحابها إلى أن الدستور يتجه نحو تحويل مصر إلى دولة دينية؟ فكيف ذلك؟
نعم، فكل القوانين الموجودة تؤدي إلي تحويل مصر من دولة مدنية إلي دولة دينية ,فأنا لست ضد الدين لأنني رجل دين ولكن أنا أري أن الدين في قلب الإنسان وسلوكياته فإذا كانت سلوكياته سليمة ويؤدي فرض ربه ويطيعه سوف تنم سلوكياته عن دينه، ولكن إذا فرض عليا قانون ديني لكي أكون متدين فسأفعل ما أشاء من وراء الأبواب. فالدين ليس بالقوة أو بالضغط بل هو علاقة بين الإنسان وربه.
هل يمكن للكنيسة أن تعود للتأسيسية مرة أخرى؟
تم الضغط علينا كثيرًا من الدولة للعودة ، و رفضنا مبادرة شيخ الأزهر، ولكن الكنيسة لن تعود للتأسيسية مرة أخري خصوصا بعد ما حدث، إلا إذا تم تغيير اللجنة، و الأسلوب فنحن نريد تغيير الأسلوب وليس تغيير أفراد، ووضع معايير حقيقية للدستور بحيث تتم مراجعته ,والعمل علي إقامة حوار مجتمعي علي كل الأصعدة في القرى والمحافظات والمدن والكنائس والمساجد، فإذا تغيرت الشروط والمعايير ممكن أن نعود .
في حالة انتهاء عمل التأسيسية دون الاستقرار علي دستور معين هل تري الحل فى تعديل دستور71؟
أنا رجل دين وليس خبير دستوري , ولكن اقترح أن نعود لدستور71 مؤقتاً لمدة ستة أشهر أو سنة حتى يتم تعديل الدستور..فلما التعجل؟ فأمريكا مثلاً توقفت سنتين لعمل دستورها فلابد وأن يأتي الدستور المصري ليتفق عليه الجميع ويعبر عن طوائف الشعب .
كيف يمكن للرئيس مصر أن يحقق التوافق السياسي المطلوب؟
على الرئيس مرسي أن يكون رئيساً لكل المصريين وليس لأفكاره فقط، وعليه أن يزيد من قاعدة التشاور مع مستشاريه حتى يحقق توافق بين القوى السياسية.