نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالا لرئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن، رضوان المصمودي، حذر فيه من قيام الرئيس التونسي قيس سعيد بإقحام الجيش بالسياسة.
وقال الكاتب التونسي؛ إنه لا يزال هناك مجال لعكس مسار محاولة الانقلاب التي قام بها سعيد – ولكن فقط من خلال التمسك بالتقاليد التونسية المتمثلة في إبعاد الجيش عن السياسة.
وقال؛ إن القوات المسلحة التونسية هي الجيش الوحيد في العالم العربي الذي لم يشارك قط في الشؤون السياسية أو الاقتصادية المحلية. وعندما حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا عام 1956، أدى الرئيس الحبيب بورقيبة دورا رئيسيا في ضمان ابتعاد الجيش عن الشؤون السياسية والاقتصادية. ذهب أول دستور تونس إلى حد منع الجنود من التصويت – وهو بند لا يزال ساري المفعول.
وثبت أن هذا القرار كان حكيما خلال السنوات الستين اللاحقة، عندما اجتاحت موجة من الانقلابات العسكرية والديكتاتوريات العالم العربي. وكانت تونس محصنة من العدوى وظلت جمهورية يقودها المدنيون. حتى نظام زين العابدين بن علي، الذي كان يخشى التدخل العسكري في السياسة، حافظ على هذا الفصل بين الشؤون المدنية والعسكرية بعد انقلاب عام 1987 غير الدموي.
وعلى الرغم من أن ابن علي كان جنرالا قبل أن يصبح رئيسا، فقد اعتمد على الشرطة، وليس الجيش، للحفاظ على السلطة وإسكات المعارضين.
ثم جاءت ثورة 2011. تم الترحيب بأفراد الجيش على أنهم أبطال الشعب لأنهم رفضوا دعم ابن علي خلال أيامه الأخيرة – رافضين الأوامر المباشرة بقصف مدينة القصرين وإطلاق النار على المتظاهرين. كما قاموا بحماية المتظاهرين من عنف الشرطة وحماية الممتلكات العامة والخاصة. لكنهم رفضوا التدخل في الأمور السياسية.
وبعد سقوط نظام ابن علي، اختبأت الشرطة. لذلك أخذ الجيش على عاتقه توفير الأمن، وأصبح مسؤولا عن حماية الأشخاص والمؤسسات والممتلكات، حتى أصبح في تونس مجلس منتخَب للتو وحكومة جديدة. ولم يتدخل في عملية الإصلاح السياسي، ثم واصل دوره في الدفاع عن البلاد في محاربة الإرهاب تحت القيادة المدنية لوزارة الدفاع.
في عام 2017، قدم حزب نداء تونس – وهو حزب علماني وسطي – اقتراحا في البرلمان لمنح الجنود والضباط العسكريين حق التصويت. وأثار نقاشا مثيرا للجدل، حيث قال أنصاره إن العسكريين هم أيضا مواطنون تونسيون وأن الحقوق مكفولة بموجب الدستور. تمت الموافقة على الاقتراح في النهاية، بـ 144 صوتا مع، و11 ضد، وامتنع ثلاثة عن التصويت – ولكن فقط للانتخابات المحلية، وليس الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
شعر غالبية التونسيين وممثليهم أنه من الأكثر أمانا الاستمرار في إبعاد الجيش عن السياسة، خاصة في هذه الفترة الانتقالية بعد الربيع العربي، حيث لم يتم استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية بعد.
وعلق الكاتب أن الشعب التونسي فخور بجيشه غير السياسي وبتضحياته، وهو مدين للقوات المسلحة بالكثير من الامتنان. واكتسب الجيش هذا الاحترام على وجه التحديد لأنه دافع عن البلاد ورفض الانحياز لأي طرف في الخلافات السياسية أو المشاركة في المشاريع الاقتصادية. تم تحديد هذا الدور بوضوح في المادة 18 من الدستور الجديد لعام 2014، التي تنص على أن الجيش «مطالب بالحياد التام»، ودعم «السلطات المدنية وفقا لأحكام القانون».
لكن هذه المادة تم انتهاكها في 25 يوليو، عندما نفذ جنود برفقة دبابات عسكرية أمر سعيد بإغلاق مكتب رئيس الوزراء هشام المشيشي وكل مجلس النواب، ومَنْعِ أعضائه المنتخبين من دخوله وإدارة شؤون الشعب. كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ تونس الحديث التي ينخرط فيها الجيش في الشؤون السياسية، وكان من الواضح أن ذلك كان غير دستوري.
ولم تكن تلك جريمة سعيد الوحيدة، حيث تنص المادة 80 من الدستور على أن الرئيس لا يملك السلطة ولا الحق في إغلاق البرلمان في المقام الأول. كما أنه من غير الدستوري بموجب المادة 110 استخدام سعيد المتزايد للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين في قضايا ضد السياسيين والمدونين المتهمين بانتقاده؛ بحجة أنه القائد العام للقوات المسلحة.
مباشرة بعد إعلان سعيد إغلاق مجلس النواب في خطاب ألقاه، وضع الجيش دبابتين عند مدخلي المبنى، ومنع جميع أعضائه المنتخبين من الدخول. وفي اليوم التالي، فعلوا الشيء نفسه أمام مكتب رئيس الوزراء ومعظم الوزارات. ظهرت الدبابات أيضا عند التقاطعات الرئيسية في تونس العاصمة.
وظهر ضباط رفيعو الرتب في العديد من الاجتماعات مع سعيد خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية – حتى قبل أن يعلق البرلمان – بعد أو في أثناء الإدلاء بتصريحات عامة حول السياسة والمسائل السياسية.
من خلال وجود هؤلاء الضباط إلى جانبه حرفيا، يعطي سعيد الانطباع بأنهم يدعمون تصريحاته ومواقفه وقراراته – بما في ذلك إغلاق الحكومة. وليس من الواضح ما الذي تغير في القيادة العسكرية خلال السنوات القليلة الماضية، الذي دفعهم إلى اتخاذ مثل هذا الموقف، بصرف النظر عن اليأس المطلق المرتبط بالوضع الاقتصادي المتردي في تونس ووباء كوفيد-19.
وهناك بعض الدعم الشعبي لأفعال سعيد؛ لأن الديمقراطية فشلت في تحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية أفضل للعديد من التونسيين، وخاصة الشباب العاطلين عن العمل. ومع ذلك، من الصعب قياس مقدار الدعم الحقيقي، لأنه كما هو الحال دائما بعد الانقلاب، يخشى الناس حقا التعبير عن آرائهم ومشاعرهم، فالإحباط الاقتصادي لا يعني دعم العودة إلى الديكتاتورية.
كانت احتجاجات 25 يوليو لدعم سعيد صغيرة نسبيا. المظاهرات محظورة حاليا، لذا لن يحتج الناس على الانقلاب خوفا من أن يؤدي ذلك إلى اشتباكات عنيفة مع الجيش – وربما اعتقالات واسعة النطاق وأعمال عنف. بدأ المزيد من السياسيين والأحزاب والمنظمات التونسية في التحدث ضد الانقلاب، لكن الكثيرين يخشون أيضا.
في 23 أغسطس، أعلن سعيد عن «تمديد غير محدد» لـ «الفترة الاستثنائية» على فيسبوك. وهذا يمنح سعيد جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، مما يعني أنه يمكنه الآن الحكم بالمراسيم. وهذا انتهاك واضح للقوانين والدستور التونسي.
لكنه قد لا يكون قد انتهى بعد، حيث تشير الشائعات إلى أن سعيد سيعلن قريبا عن خارطة طريق، تتضمن الحل الكامل للبرلمان المنتخب وتعليق الدستور وتعيين لجنة جديدة من الخبراء المفترضين لكتابة دستور جديد تتم الموافقة عليه عن طريق الاستفتاء، وتعيين حكومة تعمل تحت إشرافه، ولكن دون موافقة برلمانية، إلى ما بعد إجراء انتخابات جديدة في غضون ستة إلى تسعة أشهر – التي ستتبع اعتماد دستور جديد وتعمل بموجب قوانين انتخابات مختلفة. إذا أدلى سعيد بهذه التصريحات، فستكون نهاية عملية التحول الديمقراطي في تونس.
ومع ذلك، يمكن للمؤسسات السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني حل الأزمة الحالية في تونس من خلال الحوار والمفاوضات. في عام 2013، بعد عامين من الربيع العربي، واجهت تونس لحظة دستورية غير مستقرة شبيهة. لكن البلاد كانت قادرة على التغلب على الصعاب من خلال عمل اللجنة الرباعية للحوار الوطني، وهي مجموعة من أربع منظمات غير حكومية تونسية كبرى فازت في نهاية المطاف بجائزة نوبل للسلام لعام 2015. لا يؤدي إشراك الجيش في هذه الأزمة إلى تعقيد الوضع فحسب، بل يشكل أيضا سابقة خطيرة جدا للديمقراطية الفتية.
يجب على الديمقراطيات الزميلة، مثل أميركا، أن تؤكد للجيش التونسي أهمية الابتعاد عن السياسة، لا سيما فيما يبدو أنه انتزاع غير دستوري للسلطة. إذا لزم الأمر، يشمل ذلك اشتراط المزيد من المساعدة الاقتصادية والعسكرية، على عدم تعاون الجيش مع انتزاع سعيد للسلطة.
إذا أعلن سعيد بالفعل عن مزيد من الإجراءات، فلا ينبغي لإدارة بايدن الاعتراف بشرعية الحكومة الجديدة ما لم يوافق عليها البرلمان. يجب على أميركا أيضا أن تحث الدول العربية الثلاث التي قدمت الدعم لسعيد – السعودية ومصر والإمارات – على التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لتونس. أخيرا، يجب على واشنطن دعم حوار وطني جديد لتجديد وتحديث النظام الاقتصادي والسياسي في تونس، بموافقة جميع الأحزاب السياسية الرئيسية ومنظمات المجتمع المدني في تونس.
إن الديمقراطية في تونس في خطر شديد. ولكن من خلال استعادة خطواتها وإعادة اكتشاف دورها القيم كجهة فاعلة غير سياسية، يمكن للجيش التونسي أن يستمر في تقديم نموذج للسلام في منطقته وفي العالم بأسره.