نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده أندرو إنجلاند أشارت فيه إلى التحولات الدبلوماسية في المنطقة العربية، ووجود حالة من خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته عربي 21، إلى مناخ من ترتيب الأوراق بين المتنافسين والأعداء في الماضي بشكل ساهم في صنع مزاج خفض التصعيد. وهو أمر لم يكن متوقعا قبل عام ونصف عندما كان الرئيس دونالد ترامب في الحكم.
ويرى مسؤولون عرب نقلت عنهم الصحيفة أن مشاكل الاقتصاد وتراجع أسعار النفط وانتشار كوفيد- 19 وانتخاب جوزيف بايدن كانت عوامل ساهمت في محاولات قادة المنطقة ضبط علاقاتهم الخارجية.
ويقول مسؤول عربي بارز: “سئم الجميع من تعقد الأمور، وعليك ألا تقلل من الأثر الاقتصادي الذي تركه كوفيد- 19″، ويضيف: “أنظر لم نكن قادرين على التقدم حتى نحقق الاستقرار السياسي، ونحن بحاجة للوظائف ونريد اقتصادا قويا ولا نستطيع عمل هذا إن لم نكن نتحدث لبعضنا البعض”.
ويحذر الدبلوماسيون والمحللون من أن التطورات هي تعبير عن سلام بارد وتحول براغماتي عن الفترة المضطربة لرئاسة دونالد ترامب، حيث فاقمت عدوانيته ضد إيران التوترات.
وأضافوا أن هذا السلام البارد قد يعطل بسهولة. فاتهام إيران هذا الشهر بالوقوف وراء الهجوم على ناقلة مرتبطة بإسرائيل والمناوشات الحدودية بين حزب الله اللبناني المدعوم من إيران وإسرائيل تؤكد على أن التوتر قد يزداد في أي لحظة، كما أن ترددات انتصار طالبان في كابول ستصل إلى المنطقة.
ويقول إيميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إن “خفض التوتر هذا هش لأنه نتاج ظروف إقليمية مؤقتة ولا يعبر عن تغير واسع في العقلية”.
وسيكون الإمتحان الأول لهذا الزخم هي الجهود العراقية التي يدعمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإقناع قادة المنطقة بحضور مؤتمر “الجيران” في بغداد نهاية هذا الأسبوع، ولو حضر المسؤولون السعوديون والإيرانيون فستكون هي المرة الأولى التي يظهرون علنا في مناسبة إقليمية منذ قطع العلاقات الدبلوماسية عام 2016.
وعلق مسؤول عراقي أن “إقناع الجميع للجلوس حول الطاولة سيساعد على تقوية المزاج باتجاه خفض التصعيد”.
واستضافت بغداد لقاءات سرية بين المسؤولين السعوديين والإيرانيين. وكشفت “فايننشال تايمز” أول مرة عن هذه المحادثات حيث تم عقد ثلاث جولات منذ أبريل.
وقال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي واجه العام الماضي وباء كورونا وهبوطا في أسعار النفط إنه يريد بناء علاقة “جيدة وإيجابية” مع الجمهورية الإسلامية. وردت إيران على التصريحات بالمثل، وقال الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي إنه يريد “مد يد الصداقة والأخوة” للجيران. وقال مسؤول داخل النظام إن طهران قد تستخدم السعودية للحد من نشاط إسرائيل المتزايد بمنطقة الخليج.
وركزت المحادثات السرية بين إيران والسعودية على حرب اليمن والحركة الحوثية التي دخلت السعودية اليمن من أجل وقف تقدمها وإخراجها من صنعاء. وقال دبلوماسي إن ولي العهد السعودي الذي بدأ الحرب بات جادا في إنهائها. وناقشت الرياض وطهران إمكانية فتح قنصليات كبادرة حسن نية واحدة في مشهد وأخرى في جدة.
وقطعت العلاقات بين البلدين في عام 2016 عندما هوجمت سفارة السعودية في طهران احتجاجا على إعدام رجل ديني شيعي سعودي. وعندما قرر ترامب في 2018 الخروج من الاتفاقية النووية التي وقعتها إيران مع الدول الكبرى عام 2015، دعمت السعودية قراره. إلا أن انتخاب بايدن الذي أعلن عن العودة للاتفاقية النووية حال التزام إيران بشروطها وإعادة النظر في العلاقة مع السعودية وتخفيف التوترات الإقليمية قاد لإعادة تفكير في الرياض، حسبما يقول المحللون، سواء واصلت الرياض الحديث مع طهران، مشروطا بالتحرك الإيراني كما يقول مسؤول سعودي، الذي أضاف أن ترامب كان مركزا بشكل كبير على إيران و”نحن لسنا بحاجة لعمل هذا”. واعترف أن “الأحداث الدولية الأخيرة تعني تحولا في التركيز على الشؤون المحلية، وهذا راجع في جزء منه للوباء”.
وأشارت الصحيفة للتحرك السعودي بداية العام لرفع حصار ثلاثة أعوام عن قطر بشكل ساعد على تخفيف الأزمة التي وضعت محور السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد تحالف قطر- تركيا.
ويرى المراقبون أن الدافع وراء التحرك السعودي هو التقرب من إدارة بايدن. وخففت قناة الجزيرة القطرية من لهجتها تجاه السعودية وبثت تقارير إيجابية عن المملكة واستضافت معلقين سعوديين في بعض برامجها. وأدى حل الأزمة لذوبان الجليد بين مصر من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى. فطالما اتهمت مصر البلدين بدعم جماعة الإخوان المسلمين. ووجه السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعوات لزيارات متبادلة بينهما. وأعلنت القاهرة عن تعيين أول سفير لها بالدوحة في ونيو وتبعتها قطر بتسمية سفيرها بعد شهر.
وقامت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحركات مماثلة حيث عقدت محادثات مع القاهرة وطلبت من قنوات المعارضة المصرية في إسطنبول تخفيف لهجتها ونقدها للسيسي، وذلك حسب صحفي في مدينة إسطنبول.
ويبدو أردوغان الذي وقف مع قطر أثناء الحصار وانتقد السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول حريصا على إصلاح العلاقات مع الرياض. وقال مسؤول تركي إن انتخاب بايدن كان عاملا لا أحد ينكره وأن الجميع في المنطقة “يحاولون التكيف”.
وقال المسؤول التركي إن الكثير من المشاكل “مستمرة منذ وقت طويل” و”هناك محدودية” لما يمكن إنجازه. وأضاف أن الاقتصاد عامل “لو كان كل شيء قويا، فستكون لدى الأنظمة القدرة للتحرك بشجاعة، وبسبب الوباء فالاقتصاديات ليست على حال جيد والجميع بحاجة لبعضهم البعض”.
والأمر ذاته يقال عن الإمارات التي مارست عبر العقد الماضي سياسة خارجية حازمة في محاولاتها لمواجهة الإسلام السياسي وإيران. ولكن المسؤولين يتحدثون عن تحول نحو الدبلوماسية الاقتصادية، حيث تحاول الإمارات تحسين علاقاتها مع تركيا وإيران.
وعقد مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد محادثات مع أردوغان في أنقرة. في أوضح إشارة عن رغبة البلدين حل ما أصبح التنافس الإقليمي المر بينهما. كما والتقى نائب رئيس الوزراء الشيخ منصور بن زايد مع القائم بالأعمال الإيراني في الإمارات بالأسابيع الماضية.
وترى الصحيفة أن توقف الحرب الأهلية في ليبيا التي دعمت فيها روسيا والإمارات طرفا وتركيا وقطر طرفا آخر ساعد على تبريد العداء.
ولا يزال هناك عدد من النقاط الساخنة من اليمن إلى سوريا والهجمات التي تقوم بها الميليشيات الشيعية ضد القوات الأمريكية في العراق، لكن المحللين يرون أن أي تخفيض للتوتر يعتبر تقدما. ويقول مسؤول عربي آخر، إن خفض التوتر موجود لكن هناك أمور تجري تحت السطح وكولسات ولكنها تظل تطورا إيجابيا و”لن تتحسن أكثر من هذا”.