قررت مصر كسر حاجز الصمت فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة في تونس، وقام وزير خارجيتها سامح شكري، الثلاثاء، بتسليم رسالة من عبد الفتاح السيسي، إلى رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في ظل انقلاب الأخير على البرلمان والحكومة.
وقال شكري عقب لقائه سعيد في قصر الرئاسة التونسي بقرطاج، إن السيسي يدعم الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها نظيره التونسي قيس سعيد مؤخرا، مضيفا أن القاهرة تثق في حكمة سعيد وقدرته على قيادة هذا المسار الدستوري السليم بخطى ثابتة، بحسب ما أورده بيان للرئاسة التونسية.
من جهتها؛ قالت الخارجية المصرية إن السيسي أعرب عن تضامن مصر ودعمها لسعيد في جهوده الرامية للاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب التونسي الشقيق في الاستقرار والنماء، على نحو يصون مؤسسات الدولة الوطنية، ويحفظ مقدرات شعبها وإرادته الحرة.
وتتواصل، منذ 25 يوليو المنقضي، حملة إقالات وإعفاءات طالت عددًا من وزراء حكومة هشام المشيشي المقال، ومسؤولين بارزين بها، أبرزهم وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، ووزير المالية علي الكعلي.
وقبل أسبوع، قرر سعيّد إقالة المشيشي، وأن يتولى هو السّلطة التّنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النّواب، وترؤس النّيابة العامة.
– هدف مصري خليجي فرنسي مشترك –
اعتبر النائب السابق ورئيس مرصد رقابة، عماد الدليمي، أن «ما حصل في تونس من انقلاب دستوري تأثر كثيرا بأجندة إقليمية خليجية إماراتية سعودية مصرية، بالتنسيق مع فرنسا، لتغيير الأوضاع السياسية في تونس، في إطار حسابات إقليمية، بعضها مرتبط بالوضع التونسي وإفشال التجربة التونسية، التي كانت نموذجا لسنوات عدة، ولا تزال نموذجا يحتذى به من قبل العديد من الشعوب العربية».
وأضاف لموقع «عربي 21»: «هناك أجندة أخرى تتعلق بمحاولة إبعاد الإسلاميين عن الحكم، والتخلص من وجودهم، وأعتقد أيضا هناك حسابات تتعلق بالمصالح الاقتصادية المتمثلة في مشاريع إعادة إعمار ليبيا بعد هيمنة تركيا على المشهد الليبي، وهو ما يعكس التحركات الإقليمية التي حصلت والاتصالات العديدة في إطار الوضع التونسي».
ولكنه استبعد أن تلقى التجربة التونسية مصير نظيرتها المصرية، قائلا: «كان هناك التقاء بين غضب شعبي عارم وأجندة إقليمية، وتم إعداد العملية وفق خطة ممنهجة فيها تشابه مع ما حدث في مصر قبل أحداث 30 يونيو، لكن الوضع مختلف إلى حد ما في تونس، وأعتقد أن المآلات سوف تكون مختلفة؛ لأن هناك تمسكا في تونس بعدم المساس بالحريات، والعودة السريعة إلى المسار الديمقراطي والشرعية الدستورية، وأعتقد أن الأجندة الخارجية سوف تواصل التأثير في مستوى رئاسة الجمهورية، لكنها لن تحدد مستقبل تونس في المرحلة المقبلة».
– السيسي أداة استبداد إقليمية –
من جهته؛ قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، الدكتور عمرو عادل، إن «المنطقة تعاني من استبداد هيكلي بالسلطة، ليس فقط في رأسها، أي أن طبيعة تكوين مؤسسات السلطة استبدادية، وبالتالي هي تعادي الشعوب، والصراع بين الشعوب وبين السلطة، والسلطة مركزها العسكر في كل بلادنا، والشعوب القوة الضاربة لها الإسلاميون، كما أن المعركة واحدة في كل بلدان المنطقة، مهما اختلفت أشكالها من صراع مسلح كما في ليبيا واليمن وسوريا أو غيرها».
وأضاف أن «مصر دولة محورية في منتهى الأهمية، وأي تغيير بها يسمح للشعب حقيقة بالاستقلال سيغير الكثير من التوازنات الإقليمية، ولذلك السيطرة على مصر وتحويلها لعصا غليظة ضد كل محاولات التحرر بالمنطقة قرار إستراتيجي، لذلك نجد تغافلا مؤلما من القوى الدولية عن كل تجاوزات النظام المصري».
واستدرك: «لذلك لن تجد مكانا في المنطقة به صراع بين الشعب والسلطة إلا وتدخل فيه النظام المصري لصالح السلطة، فهو صراع في كل الإقليم، وغير مسموح بنجاح أي نموذج يتقاسم فيه الشعب السلطة، فمع كل التنازلات المؤلمة التي قامت بها النهضة لم يترك لها أي مساحة».
– تعميم النموذج المصري –
ذهب المحلل السياسي المصري في فرنسا، محمد السيد، إلى القول إن «ما حدث في تونس لم يكن مفاجأة بالنسبة له ولمن كان يراقب الأوضاع عن كثب، فالدعم الذي حصل عليه قيس سعيد من دول إقليمية، وعلى رأسها الإمارات ومصر والسعودية، مكنه من تحقيق مآربه الشخصية وأهداف محور الشر الموجه لتونس كآخر موضع لثورات الربيع العربي».
وأكد أن «السيسي وجد ضالته في قيس سعيد لضرب الثورة التونسية، وإقصاء الإخوان المسلمين من المشهد، كما فعل في مصر، لم ينس السيسي أن تونس مفجرة ثورات الربيع العربي، ولم ينس أن الفصيل الذي وصل للحكم وظل طيلة عشرة أعوام يتمتع بشعبية هم الإخوان الذين يناصبهم العداء، لذلك كان هدفه التخلص من وجودهم؛ حتى لا يتجدد الأمل وتنتفض مصر من جديد وتسترد عافيتها، ولا تكون لهم أي تجربة سياسية ديمقراطية ناجحة».
محاولات السيسي في محاربة التيارات الإسلامية، بحسب السيد، لم تتوقف، فقد أصبح رأس حربة لدول إقليمية ودولية (فرنسا)، مضيفا: «ما شاهدناه في ليبيا مثال على ذلك، وأيضا في بعض الدول الأوروبية التي أصبحت للأسف تنتهك حقوق الإنسان تحت مزاعم محاربة الإرهاب، وسنت قوانين غير دستورية كما حدث في فرنسا».