فى وقت حرج أضحت فيه الجمعية التأسيسية للدستور المصرى فى مهب الريح بعد أن انسحب منها ممثلوا التيار العلمانى وممثلوا الكنائس النصرانيه ما يزال بعض الاسلاميين يصرون على افتعال معركة ضخمة حول وضع الشريعة الاسلامية فى مسودة الدستور المصرى فهم يرون أن النصوص الواردة فيها لا تكفى لجعل الشريعة الاسلامية هى المرجعية الحاكمة للتشريع والقضاء فى مصر ، و الغريب أن يؤكد بعض الدعاة أنهم سيدعون الشعب للتصويت ب (لا) ضد الدستور ما لم يتم تعديل نصوص أهمها نص الماده الثانيه لتكون( أحكام الشريعه الاسلاميه هى المصدر الأساسى للتشريع) بدلاً من( مبادىء الشريعه الاسلاميه هى المصدر الأساسى للتشريع).
والسؤال المطروح هنا هل يوجد خطر حقيقى على الشريعه الاسلاميه فى مصر؟ وهل المرحلة الحرجة التى تمر بها مصر تسمح بتلك الحسابات الخاطئة أو المزايدات المتشددة؟
– إن نص الماده الثانية من مسودة الدستور ((الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسميه ومبادىء الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع)) ، ومع إضافة المادة 219 فى باب الأحكام العامة ((مبادىء الشريعة الاسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصوليه والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة)) صارا كافيين تماماً للقطع بمرجعية الشريعة الاسلامية كأساس للتشريع فى مصر، ولا حاجة هنا للنص على تجريم كبائر معينة كالزنا والربا وغيرهما لأن موضع ذلك فى تشريع القوانين والمعنى بها هم نواب الشعب فى المجلس التشريعى لذا فإن مهمة تطبيق مبادىء وأحكام الشريعة ملقاة بالأساس على عاتق البرلمان القادم.
– إن الأولى ببعض القوى الاسلاميه التى تُغرقُ الجمهور فى تلك التفصيلات أن تعمل أولاً بكل طاقتها لاخراج الدستور الجديد بما يخدم مستقبل البلاد ويعبر عن هويتها الحضاريه الاسلاميه دون اغراق فى التفاصيل ، وبعد اقرار الدستور شعبياً عليها ان تُخطط باتقان وتنهمك فى الاعداد لمعركة البرلمان القادم الفاصله ، وحينما تنجح فى كسب ثقة الجماهير وتصل لمقعد التشريع يمكن حينئذ البدء فى التطبيق الفعلى لأحكام الشريعه سواءاً بتعديل القوانين التى بها مخالفات للشريعة الاسلامية ، أو بالاجتهاد فى إستحداث تشريعات جديدة تخدم مقاصد الشريعة (حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين) كاستحداث تشريع يخول للدوله جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء وغيرها من االاجتهادات المطلوبة لتحقيق مقاصد الشريعة داخل المجتمع المصرى.
– إن غياب النصوص الدستورية التى تتيح تطبيق الشريعة الاسلامية لم تكن على الاطلاق هى المعضلة التى أعاقت تطبيق أحكامها أو تحقيق مقاصدها طوال عقود الاستبداد الماضية ، ويُذكر هنا مشروع تطبيق الشريعة الذى ظل حبيس أدراج البرلمان المصرى منذ مطلع الثمانينيات حين كان يترأسه (صوفى أبوطالب) ولكن المعضلة تمثلت فى التوجه السياسي العلمانى لدى رأس الدولة (ناصر – السادات – مبارك)المستبد بالسلطة التنفيذية و المسيطر على البرلمان عبر الأحزاب البائدة التى هيمنت على السلطة التشريعية نتيجة لإرهاب أجهزة البطش والقمع والتعذيب للقوى الاسلامية المعبرة عن هوية الشعب المصرى و صاحبة الشعبية الأكبر فى مصر، فالحل يكمن فى توجه السلطتين التشريعية والتنفيذية لتحقيق المطلب الشعبى المتعلق بالشريعة بالصورة التى تلائم الواقع المرير الذى تعيشه مصر جراء سياسات التخريب الاقتصادى والنهب والادارة بالافساد و سياسات تجفيف المنابع الثقافية والاعلامية والفكرية الاسلامية.
– إن العبرة فى الحقيقة تكمن فى الإرادة السياسية التى يمكنها تعديل تشريعات وتوجهات الدولة بأكملها نحو تحقيق المقاصد الكلية للشريعة ، وحيث أن الرئيس مرسى هو رأس السلطة التنفيذية القادم من رحم الجماعه الاسلامية الأعرق فى مصر والعالم الاسلامى ، لذا فإن المنتظر من القوى الاسلامية بمختلف أطيافها أن تبذل غاية جهدها كى تعين الرئيس على المهمة الوطنية العسيرة و الضخمة التى يخوضها نحو اصلاح هياكل الدولة و تحقيق أهداف الثورة ، أما واجب الوقت على الإسلاميين والوطنيين فهو إنجاح عمل الجمعية التأسيسة بإخراج الدستور المنتظر معبراً عن مصر الحرة المستقلة ذات الحضاره العريقة والاسراع بانتخاب المجالس النيابية عقب إقرار الدستور عبر الإستفتاء الشعبى.
إن النصر الكامل للثورة المصرية لن يكتمل إلا بنجاح المسار الديمقراطى عبر بناء المؤسسات التشريعية وضبط العلاقة بين السلطات الثلاث المستقلة بصورة تتيح تطهير جيوب الفساد الكامنة داخل السلطتين التنفيذية والقضائية ، ويالها من مهمة شاقة فى وقت توحدت فيه قوى المعارضة العلمانية مع فلول ورجال أعمال النظام البائد و مع شركاء الوطن المتأثرين بثقافة الاخوانوفوبيا وبتراث من التحالف بين الكنيسه والنظام البائد.
إن الهوية الاسلامية الحضارية لمصر قلعة الاسلام الصامدة على مر 14 قرناً لن تتأثر بكلمة هنا أو هناك فى الدستور المنتظر ، كما أن تحقيق مقاصد الاسلام ودفع المجتمع المصرى نحو التمسك بهويته الاسلامية لن يتحقق بالتظاهرات والخطب الرنانة ، فالطريق لتطبيق الشريعة تتمثل معالمه فى نجاح الاسلاميين فى حكم مصر عبر ادائهم فى السلطة التنفيذية يقيادة الرئيس مرسى وعبر ادائهم المنتظر فى البرلمان ومؤسسات الدولة المتعددة التى ينتظرهم اختبار عسير فى إصلاحها و إدارتها، والخلاصة أن الشريعة الاسلامية فى مصر ليست فى خطر فكيف لعاقل أن يتصور ذلك فى وقت تحررت فيه مصر من الاستبداد والتبعية وأمسى الإسلاميون على رأس السلطة التنفيذية فضلاً عن كونهم أصحاب الأغلبية الفاعلة فى الشارع المصرى؟