نشرت مجلة فورين بوليسي دراسة للباحث في قسم الدراسات الصينية في مؤسسة ذكرى ضحايا الشيوعية في واشنطن، إيدريان زينز، والأستاذة في كلية القانون في جامعة سنسيناتي، إيرين روزنبيرغ، قالا فيه إن الحكومة الأمريكية قالت في شهر يناير إن تصرفات الصين في منطقة شنجيانغ الإيغورية شمال غرب البلاد، تشكل إبادة جماعية ضد الأقلية العرقية.
وحذت أربعة برلمانات وطنية أخرى حذوها منذ ذلك الحين. واستندت هذه القرارات بشكل أساسي إلى أدلة على الإجراءات المنهجية لتخفيض عدد المواليد، حيث إن اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تنص على أن “فرض تدابير تهدف إلى منع المواليد داخل المجموعة” يشكل عملا من أعمال الإبادة الجماعية. إذا كانت “ارتكبت بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”.
تساءل بعض الخبراء القانونيين عما إذا كانت الفظائع التي ارتكبتها بكين ضد الإيغور، ترقى إلى درجة الإبادة الجماعية. فحتى الآن، لا تزال الأدلة على أن حملة بكين لمنع المواليد، تهدف إلى تدمير شعب الإيغور بشكل جوهري على الأقل “جزئيا” غير حاسمة إلى حد ما. وعلى الرغم من أنه يمكن الاستدلال على نية ارتكاب الإبادة الجماعية من نمط السلوك، إلا أن هذا الأمر أكثر تعقيدا في غياب القتل الجماعي. ما هي نية الحكومة الصينية طويلة المدى من تعقيم أعداد كبيرة من نساء الإيغور؟
وتقدم دراسة التي قام بها إيدريان زينز، وسيتم نشرها في دورية Central Asian Survey، أدلة جديدة شاملة ومقنعة تستند إلى بيانات وتقارير منشورة من الأكاديميين والمسؤولين الصينيين. ورسالتهم الأساسية واضحة ومباشرة: السكان الإيغور على هذا النحو يشكلون تهديدا للأمن القومي الصيني. ويشكل حجم الأقلية وتركيزها ونموها السريع مخاطر على الأمن القومي يجب تخفيفها إذا أريد حل مشكلة “الإرهاب” في المنطقة.
بدأت بكين في كبح معدلات مواليد الإيغور من أجل “تحسين” النسب السكانية العرقية لأغراض مكافحة الإرهاب. في جنوب شنجيانغ وحده، حيث يتركز الإيغور، من شأن ذلك أن يقلل النمو السكاني من خلال منع ما بين 2.6 و4.5 مليون مولود بحلول عام 2040، ومن المحتمل تقليص عدد الإيغور ككل.
قال لياو تشاويو، عميد معهد تاريخ وجغرافيا الحدود في جامعة تاريم في شنجيانغ، إن مشكلة الإرهاب في المنطقة هي نتيجة مباشرة لتركز الإيغور المرتفع في جنوب شنجيانغ. بسبب الهجرة الجماعية الأخيرة للصينيين من إثنية الهان، “وصل عدم التوازن بين الأقلية العرقية وتركيبة سكان الهان في جنوب شنجيانغ إلى درجة خطيرة بشكل لا يصدق”. ويجادل لياو بأنه يجب على جنوب شنجيانغ “تغيير التركيبة السكانية والتخطيط لإنهاء هيمنة مجموعة الإيغور العرقية”.
يعتبر ليو ييلي، نائب الأمين العام للجنة الحزب لسلك الإنتاج والبناء في شنجيانغ، الصوت الأكثر شهرة في شنجيانغ حول هذا الموضوع شديد الحساسية. في عام 2020، قال ليو: “لم يتم حل جذري لمشاكل الاستقرار الاجتماعي في شنجيانغ”.
وأضاف ليو أن “المشكلة في جنوب شنجيانغ تكمن أساسا في التركيبة السكانية غير المتوازنة.. إن نسبة السكان والأمن السكاني ركيزتان مهمتان لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل. نسبة سكان الهان في جنوب شنجيانغ منخفضة للغاية، أقل من 15 بالمئة. مشكلة عدم التوازن الديموغرافي هي القضية الأساسية لجنوب شنجيانغ”.
وفي عام 2017، وهو العام الذي بدأت فيه حملة الاعتقال الجماعي، أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ بنفسه تعليمات تتعلق بـ”البحث وتعزيز العمل الأمثل للبنية السكانية العرقية في جنوب شنجيانغ”. ولم يتم نشر الوثيقة المتعلقة بالموضوع.
وجادل باحثون صينيون آخرون بأن “أساس حل مكافحة الإرهاب في شنجيانغ” هو “حل المشكلة البشرية”. ويتطلب هذا على وجه التحديد “تخفيف… نسبة السكان العرقيين” عن طريق زيادة حصة سكان الهان وتقليل نسبة السكان ذوي “الطاقة السلبية”، مثل الإيغور المتدينين وذوي العقلية التقليدية. يشار إلى عملية التخفيف العرقي المستهدف هذه، التي اقترحها شي لأول مرة خلال زيارته إلى شنجيانغ في عام 2014، باسم “تضمين السكان”. ويتكرر في الخطاب حول هذه “المشكلة البشرية” مفهوم تحسين النسل القائم على “جودة السكان” وهو مفهوم له تاريخ طويل في الحزب الشيوعي الصيني حيث يعتبر الإيغور بطبيعتهم ذوي “جودة متدنية” كمجموعة أقلية عرقية.
لتعزيز نسبة سكان الهان، كان على بكين حث ملايين الهان على الانتقال إلى جنوب شنجيانغ، حيث تخطط لتوطين 300,000 شخص من الهان هناك بحلول عام 2022. ومع ذلك، فإن الجنوب هو أيضا أكثر مناطق شنجيانغ هشاشة من الناحية البيئية. الأراضي الصالحة للزراعة والمياه نادرة. أدى التحضر والتنمية الصناعية إلى زيادة استخدام الموارد للفرد بشكل كبير. تقدر الدراسات الصينية بأن شنجيانغ ككل كانت مكتظة بالفعل بمقدار 2.3 مليون شخص في عام 2015، وهو ما يتجاوز بشكل كبير قدرتها الاستيعابية البيئية.
ويتطلب تعزيز حصص سكان الهان دون تجاوز القدرات الاستيعابية انخفاضا جذريا في النمو السكاني للأقليات العرقية. ويمكن للدولة زيادة حصص سكان هان في جنوب شنجيانغ إلى ما يقرب من 25% من خلال توطين 1.9 مليون من الهان، وتقليص عدد سكان الأقليات العرقية هناك من 9.5 مليون حاليا إلى 9 ملايين بحلول عام 2040، وهو انخفاض قد يمر دون أن يلاحظه أحد من قبل المراقبين الخارجيين. من السهل أيضا السيطرة على عدد أقل من السكان وتذويبهم.
وبناء على التوقعات المعدلة التي نشرها مؤخرا باحثون صينيون في مجلة “الاستدامة”، فإنه يمكن أن يزيد عدد سكان الأقليات العرقية في جنوب شنجيانغ إلى ما يقدر بنحو 13.1 مليون شخص بحلول عام 2040 دون اتخاذ تدابير صارمة لمنع المواليد الجدد.
فيمكن النظر إلى الفارق بين 9 ملايين و13.1 مليون شخص (4.1 مليون شخص) على أنه “تدمير جزئي” ناجم عن “تحسين” الدولة لنسب السكان العرقية. وهذا من شأنه أن يقلل عدد السكان المنتمين إلى الأقليات العرقية المتوقعة خلال العشرين سنة القادمة بحوالي الثلث (31%).
ما مدى واقعية هذه الخطة؟ بعد حملة صارمة لكبح المواليد، يتجه النمو السكاني الطبيعي في جنوب شنجيانغ بالفعل نحو الصفر. خططت بعض المناطق لدفعها إلى ما دون الصفر لعامي 2020 و 2021.
مؤخرا، طلبت شنجيانغ من مكاتب تنظيم الأسرة “تحسين التركيبة السكانية” وتنفيذ “مراقبة السكان والإنذار المبكر”. لقد أوجدت المنطقة جميع الشروط المسبقة الضرورية “لتحسين” بنيتها السكانية العرقية. كما أنها لم تعد تذكر معدلات المواليد أو عدد السكان حسب المنطقة أو المجموعة العرقية.
تلقي هذه النتائج ضوءا جديدا مهما على نية بكين تدمير مجموعة الإيغور العرقية جزئيا عن طريق منع المواليد داخل المجموعة. يناقش المنشور الجديد بشكل مقنع تدابير أخرى تهدف إلى تحقيق تغييرات عرقية سكانية لأن الهان لن يحققوا الهدف العام بسبب القيود البيئية والاقتصادية والعملية الأخرى. ولذلك يعتبر منع ولادة الإيغور جزءا مهما وضروريا من سياسة “التحسين” الشاملة للصين في شنجيانغ – وهي سياسة تعتبر مسألة تتعلق بالأمن القومي. والأهم من ذلك، أن فهم الدور الذي يلعبه منع الإنجاب وتقليل عدد السكان على المدى الطويل في هذه السياسة العامة يميز إجراءات الصين ضد الإيغور عن إجراءاتها الوطنية العامة للسيطرة على السكان ومعاملتها للأقليات العرقية والدينية الأخرى، مثل التبتيين.
في حكمها الصادر في عام 2007 في قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، قضت محكمة العدل الدولية (ICJ)، وهي الهيئة القضائية التي لها اختصاص في النزاعات بين الدول في ما يتعلق باتفاقية الإبادة الجماعية، بأن “القصد يجب أن يكون تدمير جزء كبير على الأقل من مجموعة معينة”. توسعت محكمة العدل الدولية في معايير تقييم عتبة “الجزء الكبير” في حكمها الصادر في قضية كرواتيا ضد صربيا لعام 2015، معتبرة أنه ليس مجرد تقييم رقمي ولكنه يأخذ أيضا في الاعتبار نية التدمير “داخل منطقة محدودة جغرافيا” و”بروز الجزء المستهدف المزعوم داخل المجموعة ككل”. ونحن نجادل بأن السياسة طويلة المدى لمنع ملايين الإيغور من المواليد ترقى إلى هذه العتبة.
لفهم مدى جسامة الوضع الذي يواجهه الإيغور يجب الأخذ بالحسبان عاملين إضافيين، الأول هو السجن المنهجي للنخب الدينية والفكرية والثقافية الإيغورية. ويرافق الإقصاء المنهجي للأشخاص المحوريين في الحفاظ على ثقافة وهوية الإيغور ونقلهما، سياسة الفصل بين أفراد الأسرة، حيث يتم تعليم أطفال الإيغور تبني ثقافة الأغلبية من الهان. والثاني، القلق من أن متطلبات “التحسين” الصينية قد تتغير بمرور الوقت إذا لم يذوّب سكان الإيغور. فيمكن حينها تطور نية الإبادة الجماعية.
باختصار، يوفر البحث المنشور حديثا للدول والمجتمع الدولي أدلة دامغة على أن الإبادة الجماعية يتم تنفيذها ببطء. ومما يثير القلق بشكل خاص تصور الصين لتجمعات الإيغور على أنها تهديد للأمن القومي. كما تظهر بوضوح علامات أخرى على نية الإبادة الجماعية بموجب إطار الأمم المتحدة. ومع ذلك، حتى تلك الدول التي قد لا تشارك هذا الاستنتاج لا يمكنها أن تنكر، على الأقل، وجود خطر جدي بحدوث الإبادة الجماعية. لذلك نقول بأن الدول ملزمة بالتصرف بشكل عاجل بشأن تلك المعرفة.