كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الجزء الأصعب من أزمة جنوح سفينة الحاويات العملاقة “إيفر جيفن” في قناة السويس لم ينته بعد، رغم تعويم السفينة التي تسبب جنوحها بعرض القناة في توقف حركة الملاحة لمدة 6 أيام متواصلة.
وقالت الصحيفة: “في مفاجأة تشبه تقريبا مفاجأة علوقها تحررت السفينة وتحركت مرة أخرى، نحو جزء آخر من القناة، البحيرة المرة الكبرى، حيث رست الآن وتنتظر أن يتم فحصها”.
وأضافت: “يمكن الآن لمئات السفن التي كانت عالقة في الانتظار استئناف رحلاتها، وإحياء شريان رئيسي للتجارة العالمية، حيث بدأ يتراجع عدد السفن التي تنتظر العبور. لكن بالنسبة لصناعة الشحن العالمية، فإن الملحمة لم تنته بعد”.
وتابعت: “فبينما كان تحرير السفينة جهدا هائلا، فإن ما يحدث بعد ذلك هو الجزء الصعب من بعض النواحي، حيث يعيد الخبراء تفحص الافتراضات الأساسية حول الشحن والتجارة العالمية”.
ووفقا للصحيفة، فإن هناك أسئلة فورية قيد التحقيق، وقضايا شائكة تتعلق بالمسؤولية، لكن المخاوف طويلة المدى تلوح في الأفق. لطالما كانت القناة نقطة اختناق جيوسياسية. لكن أحداث الأسبوع الماضي أعطت وزنا جديدا للتساؤلات حول ما إذا كانت القناة ضعيفة للغاية في عالم يتسم بتغير الطقس والإرهاب والتهديدات الناشئة الأخرى.
صعد المحققون على متن السفينة إيفر جيفن يوم الثلاثاء، على أمل تقييم الضرر ومعرفة الخطأ الذي حدث عندما علقت السفينة.
كانت الاقتراحات الأولى هي أن السفينة، المغطاة بحاويات تعمل مثل الشراع، قد انحرفت عن مسارها خلال عاصفة ترابية في ذلك اليوم. لكن الفريق أسامة ربيع من هيئة قناة السويس أخبر المراسلين نهاية الأسبوع الماضي أنه لا يمكن استبعاد الأخطاء البشرية والفنية.
وقع بعض التدقيق على المرشدين المصريين اللذين صعدا إلى متن السفينة إيفر جيفن للمساعدة في توجيهها عبر القناة، كما هو معتاد.
قال غريغوري تيلوسكي، القبطان في مجموعة الخبراء البحرية ومقرها كاليفورنيا، إن التحقيق سيشمل بيانات من مسجل بيانات رحلة السفينة، والتي قد تتضمن تفاصيل مهمة غير متاحة للجمهور.
وقال تيلوسكي: “تتمتع الصناعة البحرية بسجل حافل جدا في الجهود المبذولة لزيادة السلامة والتعلم من الحوادث”. على سبيل المثال، بعد التسرب النفطي لشركة إكسون فالديز عام 1989، قاد المشرعون الأمريكيون دفعة عالمية من أجل سفن أكثر أمانا ذات جدران خارجية مزدوجة.
ستكون مسألة المسؤولية صعبة بشكل خاص. السفينة مملوكة لشركة شوي كيسن كايشا اليابانية المحدودة ولكن تديرها شركة تايوانية هي شركة إيفر غرين مارين.
لكن السفينة أبحرت تحت علم بنما، وهو ما يعني أن بنما ستتولى التحقيق في علوقها. بدلا من ذلك، يمكن أن تطلب مصر تولي التحقيق.
وحتى لو تبين أن المرشدين مخطئين، فإن القانون المصري يوضح أن المسؤولية لا تقع عليهم وأن القبطان مسؤول عن السفينة حتى عندما يكون المرشدين على متن السفينة.
ويجب مراعاة الأضرار التي لحقت بالسفينة، التي لا تزال تحمل ما يقرب من 20000 حاوية، خاصة إذا كانت هناك أي مشاكل هيكلية للسفينة ناتجة عن جهود إعادة تعويمها المعقدة.
كما أدى علوق السفينة إلى تعطيل مليارات الدولارات من التجارة، وقدر المحللون أن الأمر قد يستغرق 10 أيام أخرى لعبور كل السفن العالقة، ما قد يمهد الطريق للدعاوى القضائية والمعارك القانونية.
يثير الحادث تساؤلات أعمق حول جدوى الإعداد الحالي لقناة السويس. ويمر حوالي 15% من حركة الشحن البحري العالمية عبر الممر المائي كل عام، وفقا لخدمة المستثمرين من موديز، وبقيت القناة حيوية للتجارة لأكثر من قرن.
ولكن مع زيادة التجارة أصبحت السفن أكبر بكثير، وأصبحت الخدمات اللوجستية لعبور القناة أكثر تعقيدا. وقال مرشد قناة رفيع المستوى يعمل بهيئة قناة السويس إن هذه مشكلة حقيقية وإن الرياح أثرت على مسار السفن الأكبر حجما أكثر من السفن الصغيرة.
وقال: “السفن اليوم أكبر مما كانت عليه من قبل.. هذا شيء جديد، ولم نر هذا من قبل”.
ويعتبر طول سفينة إيفر غيفن (1312 قدما) هو الحد الأقصى للطول المسموح به في القناة. ويقدر وزن السفينة بنحو 200000 طن، ما جعل إحدى شركات الإنقاذ البحري تقارنها بـ “حوت ضخم على الشاطئ” عندما علقت بين جانبي الممر المائي.
وقامت مصر بتجديد القناة قبل ست سنوات فقط، حيث أنفقت أكثر من 8 مليارات دولار لتعميق الممر المائي الرئيسي وحفر مسارات جديدة للسماح بالعبور في اتجاهين في بعض الأجزاء. وأثار ارتفاع السعر ردود فعل انتقادية من البعض في البلاد، حيث جادلوا بأن الأموال يمكن إنفاقها بشكل أفضل على الخدمات العامة.
وقالت جينيفيف جوليانو، الأستاذة في كلية سول برايس للسياسة العامة بجامعة جنوب كاليفورنيا والتي عملت مستشارة لوزارة النقل الأمريكية في مجال لوجستيات الشحن، الأسبوع الماضي، إن صناعة الشحن قد تتحول في النهاية بعيدا عن السفن الأكبر.
لكن “الموانئ حول العالم أنفقت مبالغ طائلة لاستيعاب” هذه السفن الضخمة – حفر قنوات أعمق وشراء رافعات أكبر، على سبيل المثال – وفي الماضي بدا سوق الشحن جاهزا لاستيعاب المخاطر بسبب التكاليف الأرخص التي تقدمها تلك السفن.
وقالت جوليانو إن هذا يمكن أن يبدأ في التغير. “لا أحد يحب المخاطرة لأن المخاطرة هي المال. ما تخبرنا به هذه الحادثة هو أننا قللنا نوعا ما من شأن مخاطرة المرور عبر قناة السويس”.
قد يقدر بعض الشاحنين الآن أنه على الرغم من أن الطريق حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا – الذي شيدت قناة السويس في القرن التاسع عشر للتحايل عليه – قد يستغرق أسابيع أطول، إلا أن المخاطرة الأقل قد تستحق العناء.
يمكن أن تتغير البيئة الأوسع أيضا. فقد استغل المسؤولون الروس بالفعل إغلاق قناة السويس للترويج لطريق بحر الشمال، الذي أصبح مؤخرا طريقا ملاحيا أكثر قبولا بسبب تأثير الاحتباس الحراري.
وقال نيكولاي كورشونوف، مبعوث روسيا للتعاون الدولي في القطب الشمالي، يوم الجمعة: “يجب أن تجعل حادثة قناة السويس الجميع يفكرون في تنويع الطرق البحرية الاستراتيجية وسط النطاق المتزايد للشحن البحري”.
وقال تيلوسكي: “لقد سلط حادث إيفر غيفن الضوء على مستويات المخاطر المتزايدة والتهديدات الجديدة المرتبطة بالأصول البحرية الكبيرة التي تعبر هذا الممر الضيق في التجارة العالمية اليوم”.
وأضاف أنه بعد تحقيق شامل، يتوقع العالم أن “تعمل جميع الأطراف على تعديل بيئاتها التشغيلية حتى لا يحدث هذا مرة أخرى”.