شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ميدل إيست آي»: مشاريع السيسي التي تغذيها الاقتراض تدفع إلى الهاوية

سلط كاتب متخصص بالشأن الاقتصادي الضوء على سياسة التوسع في الاقتراض التي ينتهجها رئيس نظام الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي لتمويل المشاريع الضخمة، وأثرها الخطير على النظام المالي في البلاد.

وقال الكاتب ماجد مندور في مقال بموقع «ميدل إيست آي» البريطاني ترجمته «عربي21»، إنه «بوجود قطاع خاص ضعيف، ونظام ضريبة تنازلية ومع إصرار النظام على إقامة مشاريع بنية تحتية ضخمة ممولة بالدين، فقد نثر بذور الانهيار المالي».

ولفت مندور إلى أن جذور الأزمة في الاقتصاد السياسي للنظام، والذي أنتج شكلاً جديداً من رأسمالية الدولة المعسكرة، «يعتمد على الاستئثار بالأموال العامة لإثراء النخبة العسكرية بالترافق مع تقشف مفترس بدلاً من التركيز على تطوير أفضلية تنافسية مستدامة مترسخة في قطاع خاص ديناميكي ومبدع».

ومن نتائج هذا التوجه، تصاعد الفقر، مقابل مستويات متدنية من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وضعف الطلب على السوق المحلية. يضاف إلى ذلك ضعف القاعدة الضريبية وانكماش إيرادات الدولة، بما يعني، بحسب مندور، أن السبيل الوحيد لمراكمة رأسمال الدولة العسكرية سيكون من خلال المزيد من الاقتراض.

 

وفي ما يأتي نص المقال كاملا:

في مارس من عام 2015، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام مؤتمر استثمار دولي إن مصر بحاجة إلى ما بين 200 إلى 300 مليار دولار لكي تتطور. بدا ذلك حينها إغراقاً شديداً في المبالغة، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن حجم الاقتصاد المصري في عام 2015 كان 332 مليار دولار.

لو انتقلنا سريعاً إلى نوفمبر من عام 2019، عندما تفاخر السيسي بأن الدولة استثمرت 200 مليار دولار في مشاريع على مدى السنوات الخمس الماضية – فذلك إنجاز باهر. ولكنه تجاهل أن يذكر أن النظام انتهج سياسة النمو المدفوع بالدين والاستثمار الكثيف في مشاريع بنية تحتية ضخمة الفوائد الاقتصادية منها غامضة، ما وضع الأسس لأزمة اقتصادية عميقة توشك أن تقع.

تكمن جذور الأزمة في الاقتصاد السياسي للنظام، والذي أنتج شكلاً جديداً من رأسمالية الدولة المعسكرة التي تعتمد على الاستئثار بالأموال العامة لإثراء النخبة العسكرية بالترافق مع تقشف مفترس بدلاً من التركيز على تطوير أفضلية تنافسية مستدامة مترسخة في قطاع خاص ديناميكي ومبدع.

أدى ذلك ليس فقط إلى أن يكون أداء القطاع الخاص مخيباً للآمال ولكن أيضاً إلى مستويات متصاعدة من الفقر ومستويات متدنية من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإلى ضعف الطلب على السوق المحلية. يضاف إلى ذلك ضعف القاعدة الضريبية وانكماش إيرادات الدولة، ما يعني أن السبيل الوحيد لمراكمة رأسمال الدولة العسكرية سيكون من خلال المزيد من الاقتراض.

يفتح ذلك الطريق أمام أزمة دين عميقة، لا مفر من أن تحدث في حالة التباطؤ الاقتصادي الدولي. وقد يفضي ما يتبع ذلك من ضائقة اقتراض إلى عجز عن سداد الدين ثم انهيار العملة وتضخم مفرط – وتلك معاً هي متطلبات الاضطراب الشعبي العارم.

في نوفمبر الماضي، أصدر البنك الدولي تقريراً توقع فيه أن تصل نسبة الدين العام المصري إلى الناتج المحلي الإجمالي 96% بنهاية السنة المالية 2020-2021، وهذا ارتفاع عن نسبة الـ90% التي نصت عليها التوقعات قبل شهر واحد من ذلك. وهي زيادة عن نسبة الـ87 بالمائة التي كان عليها الحال في عام 2013 عندما استولى الجيش على السلطة.

خلال نفس الفترة، ارتفع مستوى الدين الخارجي بشكل صاروخي من 16 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 إلى 39 بالمائة في 2019، وصولاً إلى مستوى غير مسبوق في الارتفاع بلغ في شهر يونيو الماضي 123.5 مليار دولار.

وفي شهر مايو الماضي أصدرت مصر سندات خارجية بقيمة 5 مليارات دولار، وهو أضخم إصدار في تاريخ البلاد، ثم أتبعته بإصدار آخر بقيمة 3.75 مليار دولار هذا الشهر. وتسبب هذا الارتفاع السريع في مستوى الدين في إجهاد كبير حُمل على ميزانية الدولة، بحيث كان ثلث الإنفاق في 2020-2021 مخصصاً لتغطية دفعات الفوائد على الدين، أي ما يقرب من 556 مليار جنيه مصري «أو ما يعادل 35 مليار دولار أميركي».


ضغوط على الميزانية

يتفاقم ذلك الضغط على الميزانية بسبب تراجع إيرادات الحكومة وضعف القاعدة الضريبية، بالإضافة إلى أن أداء القطاع الخاص ضعيف ودون المستوى المطلوب، وذلك من شأنه أيضاً أن يراكم مزيداً من الضغط على تمويلات الحكومة. يظل الاقتراض هو الخيار الوحيد الممكن ليس فقط لتغطية عجز الحكومة ولكن أيضاً للاستمرار في اندفاع النظام باتجاه الاستثمارات الضخمة.

تراجع إيراد الحكومة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 22% في عام 2013 إلى 19% في عام 2020. وهذه نسبة منخفضة بحسب المعدلات الإقليمية، حيث بلغت النسب في البلدان المجاورة، مثل المغرب وتونس، 27.5% و 25% على التوالي.

في نفس الوقت يزخر نظام الضريبة التنازلية الضعيف في مصر بالإعفاءات الممنوحة للشركات الكبرى، العسكرية منها والمدنية، والتي تفضي إلى إثراء النخبة. كما يضعف ذلك من الإيرادات الضريبية، والتي وصلت بحسب أرقام وزارة المالية إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، وهذا أدنى من المعدل الأفريقي الذي كان 16.5% في عام 2018 «والذي وصل في الجارتين المغرب وتونس إلى 28% و 32% على التوالي في نفس ذلك العام».

يفاقم من المشكلة ضعف أداء الاقتصاد المصري من حيث معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، هذا بالإضافة إلى أداء القطاع الخاص، حيث كان معدل النمو في الناتج الإجمالي المحلي في الفترة من 2015 إلى 2019 ما يقرب من 4.8 بالمائة، وهو أدنى من المعدل الذي كان موجوداً خلال السنوات الخمس الأخيرة من فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي بقي في السلطة زمناً طويلاً، وإن كان أعلى من الفترة المضطربة التي شهدها النصف الأول من العقد الثاني من الألفية الجديدة.

وأما من حيث أداء القطاع الخاص غير النفطي، فبحلول يناير  من عام 2020، نما فقط لستة شهور من بين الشهور الأربعة والخمسين الماضية. يمكن إيعاز هذا الأداء البائس جزئياً إلى تراجع الاستهلاك المحلي، والذي يعكس ضعفاً محلياً في الطلب في خضم ارتفاع معدلات الفقر، والتي لم تجر موازنتها من خلال تحسن أداء الصادرات.

ما بين 2015 و 2018، انخفض المستوى الكلي للاستهلاك بما نسبته 9.7% ، بينما ارتفع بشكل طفيف مستوى الصادرات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 17% إلى 17.5%. وفي عام 2019، كانت الصادرات غير النفطية تشكل ما نسبته 48% من الصادرات الإجمالية، بما يظهر ضعف مكانة مصر التنافسية. ويتوقع أن يتباطأ معدل النمو الاقتصادي أكثر، حيث بلغ في 2020 ما نسبته 3.5% بينما يتوقع له أن يكون 2.3% في 2021 في ظل جائحة كوفيد 19.


مشاريع السيسي الضخمة

وبذلك يكمن مصدر النمو الاقتصادي في مصر في التدفق الهائل لرأس المال لصالح البنى التحتية والإنشاءات. ففي عام 2019، السنة التي شهدت أعلى معدل نمو منذ جاء السيسي إلى السلطة، كان المساهم الأكبر هو قطاع الإنشاءات، والذي نما بما نسبته 8.9%، تغذيه مشاريع السيسي الضخمة.

أقل ما يقال في عائدات تلك المشاريع أنها غامضة في أحسن الأحوال. خذ على سبيل المثال توسعة قناة السويس، والتي كلفت لدى اكتمالها في عام 2015 ما يقرب من 8 مليار دولار. تمخض عن ذلك زيادة إيرادات القناة بما نسبته 4.7% فقط على مدى خمس سنين، فوصلت إلى 27 مليار دولار خلال تلك الفترة – وهذا أدنى بكثير من المائة مليار دولار سنوياً التي تحدث عنها النظام في بداية تنفيذ المشروع.

بوجود قطاع خاص ضعيف، ونظام ضريبة تنازلية ومع إصرار النظام على إقامة مشاريع بنية تحتية ضخمة ممولة بالدين، فقد نثرت بذور الانهيار المالي.

ليس أمام النظام من خيار سوى ترحيل دينه ومحاولة تقليص الإنفاق الحكومي من خلال زيادة إجراءات التقشف التي لا مفر من أن ترفع من معدلات الفقر، وتدفع بنسب التضخم إلى أعلى وتضعف الطلب المحلي. وهذا بدوره سوف يدفع النظام نحو مزيد من الاقتراض من أجل توفير احتياجاته التمويلية.

يفاقم من هذه الدورة تنفيذ مشاريع استثمارية ذات عوائد متدنية لا ينجم عنها سوى إثراء النخبة العسكرية. فإذا ما جفت منابع الإقراض، وهذا ممكن بسبب التغيرات التي قد تطرأ على الاقتصاد العالمي، فلسوف تواجه مصر إفلاس دولة محتمل. وحينها ستكون الاضطرابات الشعبية المرافقة والتضخم الهائل وتخفيض قيمة العملة غير مسبوقة، وستكون التكاليف البشرية باهظة جداً بالنسبة لمصر وللمنطقة بأسرها.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023