نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية تقريرا رصدت فيه عمليات الهدم والتهجير التي تمت منذ إطلاق العمليات العسكرية في سيناء وحتى نهاية 2020 وأكدت أنه ما لا يقل عن 12,350 مبنى مدني تم هدمهم.
وقالت المنظمة في تقريرها: بين أواخر 2013 ويوليو 2020، دمر الجيش ما لا يقل عن 12,350 مبنى، معظمها منازل، كان أحدث جولاتها في منطقة العريش. كما جرف الجيش، وأفسد، ومنع الوصول إلى ما لا يقل عن (14,300 فدانا) من الأراضي الزراعية، معظمها منذ منتصف 2016. لم تقدم الحكومة معلومات كافية بخلاف المزاعم في وسائل الإعلام بأن عمليات الإخلاء والهدم كانت ضرورية للأمن في القتال طويل الأمد مع جماعة “ولاية سيناء” المسلحة، مسؤولة عن هجمات ضد أهداف عسكرية ومدنيين.
قال جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “على مدى السنوات السبع الماضية، طرد الجيش المصري في شمال سيناء بشكل غير قانوني عشرات آلاف السكان، ودمر منازلهم ومزارعهم وسُبل معاشهم. تعكس عمليات الهدم والإخلاء عقلية رسمية مسيئة لا تهتم بعافية وسلامة سكان سيناء، وهو أمر أساسي لأمن المنطقة واستقرارها”.
وحسب تقرير المنظمة منذ أواخر 2017، هدم الجيش ممتلكات لإنشاء منطقة عازلة في مدينة العريش واستكمال منطقة أخرى في رفح. كما دمر مئات المنازل خارج هذه المناطق العازلة. استمرت أغلب عمليات الهدم دون تحديد إحداثيات المناطق المراد هدمها رسميا، ودون إبداء أسباب تفصيلية محددة، ودون وضع عملية تعويض عادلة. غالبية العائلات التي أُجليت منذ أواخر 2017، وكذلك المئات – وعلى الأرجح الآلاف – من العائلات التي هُدمت ممتلكاتها منذ 2013، لم تحصل بعد على تعويض. لم تقدم الحكومة أي خطط واضحة حول موعد عودة السكان المهجرين إلى ديارهم أو تشير إلى ما إذا كان لديها النية في ذلك.
ووثقت هيومن رايتس ووتش في 2015 و2018 عمليات هدم واسعة للمنازل في شمال سيناء بدأت من 2013. حتى أوائل 2018، كان الجيش يجلي بشكل أساسي قاطني المناطق السكنية في مدينة رفح وحولها، على الحدود مع غزة وإسرائيل.
ووجد التحليل الأخير لعشرات صور الأقمار الصناعية عالية الدقة المتسلسلة زمنيا، التقطت بين 4 ديسمبر 2017 و1 يوليو 2020، أنه خلال تلك الفترة هدم الجيش حوالي 4 آلاف مبنى في مدينة العريش ومحيطها، بشكل رئيسي لبناء منطقة عازلة تحيط بمطار العريش جنوب المدينة، الذي كان مدنيا، ويستخدم منذ 2013 لأغراض عسكرية.
تظهر صور حديثة للأقمار الصناعية التقطت في ديسمبر 2020 استمرار عمليات الهدم في منطقة رفح. يبدو أن معظم المباني المهدمة في العريش كانت منازل أو مبان تجارية، ودُمر حوالي 3,500 منها في عام 2018 وحده، بعد أن قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه سيستخدم “عنف شديد وقوة غاشمة حقيقية” في سيناء بعد هجوم مسلح على المطار في ديسمبر 2017. بعدها صعد الجيش عملياته، بما في ذلك فرض قيود صارمة على الحركة دفعت بآلاف السكان إلى حافة أزمة إنسانية بين فبراير ومايوة2018. في وقت سابق، ربما منذ 2014، هدم الجيش حوالي 1,500 مبنىً آخر في العريش.
ووجد تحليل هيومن رايتس ووتش لصور الأقمار الصناعية أنه من بين حوالي 5,500 مبنى هُدم في العريش منذ 2014، كان هناك أكثر من ألفي مبنى خارج النطاق الأمني المحيط بالمطار. أفادت تقارير إعلامية وشهود تحدثوا سابقا مع هيومن رايتس ووتش أن الجيش يهدم منازل أعضاء مشتبه بهم في ولاية سيناء أو منازل أقاربهم. تتناقض عمليات الهدم المكثفة هذه مع تصريح محافظ شمال سيناء في يناير 2018 بأن عمليات الهدم ستراعي “عدم المساس بمدينة العريش”.
لم تحصل هيومن رايتس ووتش على أي سجل أو مرسوم منذ 2013 يتضمن قرارات رسمية تفرض أو تنظم عمليات الإخلاء في مدينة العريش أو حولها أو تحدد التعويضات.
كما دمر الجيش بين ديسمبر 2017 ويوليو 2020 نحو 700 كوخ (عِشّة أو سكن مؤقت) داخل منطقة العريش العازلة، وعشرات الأكواخ خارجها. كثيرا ما يزعم الجيش أن الجماعات المسلحة اخترقت هذه المجتمعات البديلة. قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش.
جد تحليل صور الأقمار الصناعية الأخرى المسجلة بين أغسطس 2013 وأغسطس 2020 أن جميع الأراضي الزراعية تقريبا داخل المنطقة العازلة حول المطار، حوالي 1,800 هكتار، جُرفت، بالإضافة إلى 800 هكتار من الأراضي الزراعية في مدينة العريش وما حولها، معظمها بين أغسطس 2016 وأغسطس 2019. بناء على تحليل الصور، جرف الجيش أيضا 3,500 هكتار من الأراضي الزراعية في رفح ومحيطها، خاصة بين أغسطس 2016 وأغسطس 2019، وأكد السكان هذا التحليل.
لم تردّ السلطات على الأسئلة التي أرسلتها هيومن رايتس ووتش في 11 و26 ينايرو 2021 إلى مكتب مجلس الوزراء، ووزارة الدفاع، و”الهيئة العامة للاستعلامات”. وسط تعتيم صارم على المعلومات حول أحداث سيناء، بما فيه حظر التقارير المستقلة، ينكر المسؤولون المصريون دائما الطبيعة القسرية لعمليات الإخلاء هناك، وتستخدم وسائل الإعلام الموالية للحكومة عبارات “المنقولين” أو “المتضررين” للإشارة إلى السكان المهجرين. قال الرئيس السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019: “مهجرناش حد … إدينا فلوس للناس وأزلنا المباني والمزارع لأنه أمن قومي”، مضيفا أن الحكومة “دفعت مليارات” كتعويضات.
سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش أنه حتى منتصف 2018، دمر الجيش 6,850 مبنى على الأقل في مدينة رفح. تُظهر صور الأقمار الصناعية حتى ديسمبر/كانون الأول 2020 أن عمليات الهدم استمرت خارج المنطقة العازلة جنوب وغرب مدينة رفح. وجدت هيومن رايتس ووتش قوائم رسمية في يوليو/تموز 2020 تشير إلى هدم 7,460 مبنى على الأقل داخل منطقة رفح العازلة وحدها.
راجعت هيومن رايتس ووتش تقارير إعلامية وبيانات رسمية، إلى جانب شهادات أربع عائلات نازحة تحدثت معها هيومن رايتس ووتش بشكل مشترك مع “مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان”، وهي منظمة مستقلة، كلها تدعم النتائج السابقة التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش بأن عملية التعويض كانت غير شفافة وبطيئة وتفتقر إلى المراجعة المستقلة أو آليات الاستئناف. لم يدرج آلاف الأشخاص في قائمة التعويضات أو لم يتلقوا أي تعويضات بعد.
عمليات هدم المنازل والإخلاء القسري من قبل الجيش هي من المظالم الرئيسية لسكان شمال سيناء، التي تعرضوا لها، بين انتهاكات خطيرة أخرى وجرائم حرب على أيدي الجيش والجماعات المسلحة. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل عام، سواء في زمن السلم أو الحرب، عمليات الإخلاء القسري وهدم المنازل إلا في حالات استثنائية وبعد استشارات مناسبة مع السكان، وإخطار كاف، وتعويض عادل، وسبل إنصاف، وكلها ضمانات تقاعست الحكومة المصرية عن توفيرها.
قال ستورك: “على الحكومة المصرية إنهاء عمليات الإخلاء والهدم التعسفية، والتعجيل بالتعويض العادل والشفاف لكل شخص مستحق، وتقديم ضمانات بأن السكان المهجرين يمكنهم العودة إلى ديارهم في أقرب وقت، وفور أن يكون ذلك ممكنا”.
بدأت عمليات الهدم التي نفذها الجيش المصري في سيناء مع اشتداد الصراع أواخر 2013 وتصاعده في أكتوبر 2014، عندما أصدرت الحكومة قرارا بإخلاء السكان من منطقة عازلة تبلغ مساحتها 79 كيلومتر مربع، شملت مدينة رفح بأكملها، حيث كان يعيش أكثر من 70 ألف شخص. نص القرار على أنه يجب “إخلاء” و”عزل” تلك المنطقة، لكنه لم يذكر أسبابا أو يتطرق إلى عمليات الهدم. بيد أن عمليات الهدم كانت قد بدأت قبل أشهر من القرار، وشملت ما لا يقل عن 3,250 مبنى هُدم بين 2013 وأغسطس 2015، ونحو 3,600 مبنى بين يناير وأبريل 2018، هُدم مئات منها خارج المنطقة العازلة. وكانت رفح قد هُدمت بالكامل تقريبا بحلول منتصف أبريل 2018.
لم تصدر الحكومة أية إحصاءات رسمية، لكن هيومن رايتس ووتش تقدر أن أكثر من 100 ألف من سكان شمال سيناء البالغ عددهم 450 ألفا نزحوا أو غادروا المنطقة منذ 2013، في المقام الأول نتيجة هدم المنازل، ولكن أيضا للهروب من القتال المتصاعد. لا تزال بعض العائلات النازحة موجودة في شمال سيناء، ونزحت أكثر من مرة. لجأ آخرون إلى أماكن أخرى في مصر، وفي كثير من الحالات دون مساعدة تذكر من الحكومة في العثور على سكن أو وظائف بديلة.
في 2014 و2015، قدمت الحكومة بعض المعلومات حول عدد المنازل المهدومة وعملية التعويض، لكن مع اتساع نطاق عمليات الهدم، التزمت الحكومة الصمت إلى حد كبير.
شاركت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، التي تأسست عام 2020، مع هيومن رايتس ووتش قاعدة بيانات رسمية مسربة تتضمن قائمة بـ 10,468 أسرة (حوالي 41 ألف فرد) نزحت من رفح والشيخ زويد المجاورة حتى أكتوبر 2018، وبقيت داخل سيناء، معظمها في العريش وبئر العبد. أفادت تقارير إعلامية في أكتوبر 2019 أن محافظة شمال سيناء تعمل على تحديث قاعدة البيانات وإجراء مسح بعدد الأشخاص الذين تم تهجيرهم وانتقلوا إلى محافظات أخرى داخل مصر، لكن لم يُعلن عن مثل هذه المعلومات .
أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 20 ممن هجروا وعديد من نشطاء سيناء منذ 2014، وراجعت عشرات المستندات الرسمية. حصل المئات من العائلات المهجرة ومالكي المزارع على بعض التعويضات بعملية بطيئة وغير شفافة، بينما لم يحصل المئات الآخرون على شيء وليس لديهم معلومات حول ما إذا كانوا سيتلقون تعويضا أو عن المبلغ الذي قد يحصلون عليه.
معظم العائلات التي أجريت معها مقابلات قالت إن الحكومة لم تقدم لها أي مساعدة وإن التعويض غير كاف، وهو ما ورد في تقرير 2019 للمقررة الخاصة الأممية المعنية بالسكن اللائق. لا يملك السكان فرصة الاستئناف ضد عمليات الإخلاء أو الحصول على التعويض أمام هيئة قضائية أو إدارية مستقلة.
تنص التوجيهات الدولية أن التعويض عن الإخلاء القسري يجب أن يُعطى مقدما قبل تنفيذ السلطات للإخلاء، ويجب أن يغطي الخسائر الشخصية والحقيقية وأي ممتلكات أخرى والخسائر الاقتصادية. تظهر اللوائح الرسمية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن حوالي 2,200 من سكان رفح الذين هجروا لم يحصلوا على تعويض سوى في 2020، بعد سنوات على إجلائهم.
تراوحت التعويضات بين 50 ألف جنيه مصري (3,200 دولار أمريكي) ومليون و900 ألف جنيه (121,330 دولار). في 2014، قالت الحكومة إنها ستدفع 800 حتى 1,200 جنيه (50 – 72 دولار) لكل متر مربع من مساحة البناء، وليس الأرض. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي مؤشر على أن هذه الحسابات أخذت بعين الاعتبار فقدان العملة المصرية أكثر من 50% من قيمتها في 2016.
في 2014، قالت الحكومة إنها لن تعطي أي تعويضات عن الأراضي الزراعية، لكن بعد مرور عدة سنوات، بدأت الحكومة بإعطاء بعض التعويضات عن الأراضي الزراعية. في 2020، أدرجت مديرية الزراعة في محافظة شمال سيناء قوائم بـ 600 مالك مزرعة في رفح، والشيخ زويد، والعريش يستحقون التعويض. لكن القوائم المنشورة لم تحدد المبلغ الذي سيحصل عليه المالكون. يبدو أن الحكومة تعوض المالكين لغاية 100 شجرة فقط، بغض النظر عن مساحة المزرعة أو عدد أشجارها. في 2018 و2019، وفق السجلات العامة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، حصل عشرات المزارعين على تعويضات.
تظهر إفادات الشهود والبيانات الرسمية أن السلطات لم تجرِ مسحا للممتلكات في بعض الأحياء والمزارع في رفح، والشيخ زويد، والعريش قبل تدميرها، وذلك لحساب التعويض بشكل منصف.
في 2015، قالت الحكومة إنها بدأت بناء مدينة “رفح الجديدة” غرب المدينة المُهدّمة لإيواء السكان النازحين. يظهر قرار مجلس الوزراء رقم 2021 لسنة 2015 المنطقة المخصصة التي تبلغ مساحتها حوالي 2.25 كيلومتر مربع، ما يعادل 2.8% من مساحة منطقة رفح التي أُجلي منها سكانها.
في يوليو/2020، قال اللواء شوشة إن الحكومة ستسلم “قريبا” شققا في رفح الجديدة للمهجرين من رفح. تظهر صور أقمار صناعية التقطت في 10 ديسمبر/ 2020 41 مبنىً تبدو أنها مباني متعددة الطوابق غير مسكونة وحوالي 30 مبنىً قيد الإنشاء. نشرت وسائل إعلام محلية صورا في ديسمبر/ 2020 تظهر عملية بناء جارية ومبان لاتزال شاغرة.
جزء من الأرض المخصصة لرفح الجديدة يقع ضمن المحيط الأمني على طول طريق رفح-العريش، وهي أراض تم اعتبارها ممتلكات عسكرية بموجب قرار رئيس الجمهورية 233/2016. صور الأقمار الصناعية من ديسمبر/كانون الأول 2020 تظهر أن عمليات الهدم ازدادت بشكل كبير منذ يونيو/تموز في المناطق القريبة من رفح الجديدة، بالإضافة إلى بناء عدة مراكز عسكرية حولها، وجرف المزيد من الأراضي الزراعية، الأمر الذي يلقي بظلال الشك حول احتمال أن يتمكن السكان من العيش هناك في المستقبل القريب.
هاجم المسلحون مرات عديدة، وقتلوا، عمال بناء يعملون مع الجيش وشركات خاصة في شمال سيناء في أعمال بناء المنشآت المدنية والعسكرية.
أظهرت مراجعة بيانات رسمية في وسائل الإعلام وصفحات رسمية لمجلس مدينة رفح ومحافظة شمال سيناء على “فيسبوك” أنه في 2020 قدمت الحكومة عقودا مدعومة لاستئجار حوالي 1,100 شقة للعائلات المهجرة من رفح والشيخ زويد في مشروع سكني حكومي اجتماعي في منطقة السبيل في العريش. اختيرت العائلات بنظام القرعة.
في مارس/2019، أصدر الرئيس السيسي القرار رقم 132 الذي يخصص فيه 11 كيلومتر مربعا لبناء مدينة “بئر العبد الجديدة”، إلى الغرب من العريش. في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في فبراير/2021 لم تبدأ عمليات البناء.