وبعد رفع السرية عن التقرير الذي استنتج مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن جريمة القتل في مدينة إسطنبول عام 2018. تبع ذلك فرض عقوبات على مسؤولين من الدرجة الدنيا وليس محمد بن سلمان نفسه. وفي الكونغرس دعا الديمقراطيون والجمهوريون إلى استهداف مباشر لولي العهد باعتبار ما تم الإعلان عنه لم يكن كافيا.
ودفعت منظمات حقوق الإنسان باتجاه تجميد أوسع لصفقات السلاح حتى يواجه محمد بن سلمان العدالة.
ونُشر سيل من التعليقات والنقد كتبها معلقون بارزون في صحف عدة منها صحيفة «واشنطن بوست» والتي نشر فيها خاشقجي مقالاته وقالت إن بايدن منح «ما يصل للبراءة لحاكم زرع عدم الاستقرار حول الشرق الأوسط».
وبالنسبة للمسؤولين البارزين في الإدارة فانتقاد تصرفات الإدارة أمر حتمي ولكن هذا التوقع لم يأخذ بعين الاعتبار التدهور السريع والتغير في الموقف من العائلة المالكة منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حسبما قال عدد من المسؤولين ممن على اطلاع بالمناقشات واشترط بعضهم عدم ذكر اسمه.
وشكلت الإدارة الجديدة فريقا قبل أسابيع وضم مسؤولين بارزين من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والخزانة والدفاع لمناقشة ما يجب اتخاذه من تحركات. وكان الجزء الأول وهو الأسهل، أي الإعلان عن «إعادة ضبط» في العلاقات مع السعوديين. ومن أجل ملء الفراغات في السياسة المنشودة قام الفريق بالتواصل مع المملكة.
وتم إلغاء صفقات الأسلحة التي قد تستخدم في الحرب باليمن ووضع الصفقات الأخرى محل الإعداد تحت المراجعة. كما تم تعيين تيم ليندركينج، الذي عمل سابقا لإدارة ملف العلاقات الأميركية- السعودية، كمبعوث خاص لليمن للعمل على وقف الحرب فيها، وطلب من السعوديين التعاون معه. وفي إطار آخر نشرت تصريحات انتقدت سجن المملكة للناشطين، خاصة النساء والمواطنين من أصحاب الجنسية الأميركية – السعودية. وما صدم السعوديين هو تأكيد بايدن على تلقي مكالمة التهنئة من الملك سلمان وأنه لن يتحدث مع ولي العهد.
ووافق السعوديون الذين يحاولون ومنذ وقت وقف الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها على التعاون مع ليندركينج وجهود الأمم المتحدة. ووافقوا على رفع الحصار الذي يمنع من وصول المساعدات الإنسانية إلى الجوعى في اليمن. ومقابل هذا ضغط المفاوضون على الحوثيين للتوقف عن استهداف الأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة التي يعتقد أنها من إيران.
وارتاح المسؤولون في الإدارة في الجزء الأكبر من رد السعوديين على الاتصالات الخاصة الأولى والتي مررت عبرها القرارات الجديدة. وتم الإفراج عن أميركيين- سعوديين من السجن وأطلق سراح لجين الهذلول المعتقلة منذ 2018.
ولكن ما الذي يجب عمله مع ولي العهد؟ أثارت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي النقد عندما قالت إن الولايات المتحدة لا تصدر عقوبات على رؤساء الدول الذين تقيم علاقات دبلوماسية معهم. وقال المسؤولون إنهم فكروا جديا وبعمق بشأن الموضوع ووجدوا أن أميركا لم تقم أبدا بفرض عقوبات على حكام دول علاوة على كونهم شركاء لها. ورغم تأكيد المسؤولين أن محمد بن سلمان لا يحمل تأشيرة دخول للولايات المتحدة ولن تمنح له واحدة في القريب العاجل، لكن المسألة ستفتح وتثير المشاكل عندما يصبح ملكا بعد رحيل والده البالغ حاليا 85 عاما.
كما أن وضعية ولي العهد استثنائية، ومنع حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية من دخول الولايات المتحدة يعني علاقة عدائية مع مملكة تعتبر نفسها حارسة للأماكن المقدسة للمسلمين في العالم.
وحتى لو كان هذا ممكنا، ففي منطقة خطيرة لا يمكن الفصل بين أرصدة ابن سلمان لتجميدها وأموال المملكة. وقال مسؤول اشترط عدم ذكر اسمه وشرح النقاشات السرية: «بعد النظر لهذا الوضع عن كثب، وعلى مدى الخمسة أسابيع الماضية، فقد كانت النتيجة المجمع عليها هي أن هناك طرقا أكثر فعالية للتعامل مع القضايا المستقبلية».
وقال إن «الهدف هو إعادة ضبط وليس تمزيقا «…» كنا واضحين مع السعوديين أن هذه علاقة تاريخية امتدت 75 عاما، نريد إعادة ضبط أساس الشراكة».
وحتى بعد نشر تقرير الاستخبارات وفرض العقوبات، رأى مسؤولون من إدارة باراك أوباما، مثل مدير سي آي إيه، جون برينان أن هذه الخطوات ليست كافية. وقال: «على إدارة بايدن عمل المزيد مثل عدم عقد لقاءات بينه وبين المسؤولين الأميركيين البارزين ومنعه من زيارة الولايات المتحدة وهذه ستكون بداية جيدة».
وقال مسؤول أميركي إن مقترحات برينان تحت النظر وقد تمنع الولايات المتحدة السعودية من المشاركة في القمم الدولية التي تنظمها حتى تؤكد إحباطها من السعوديين. وفي الوقت الذي تلقى فيه بايدن النقد من عدم معاقبة ولي العهد السعودي، سارع المعلقون السعوديون إلى اتهام الولايات المتحدة بمحاولة «التنمر» على المملكة. وكتب الصحافي السعودي في صحيفة «الشرق الأوسط» عبد الله العتيبي أن السعودية «ليست جمهورية موز حتى تخاف من التهديدات».