رغم أن أزمة سد النهضة ممتدة منذ سنوات، وشهدت حركة التفاوض كل الظروف الممكنة بين الرفض والاتفاق والمراوغة، إلا أن أحدا لم يهتم في المحيط العربي والإقليمي بالأزمة، وهنا أتحدث عن اهتمام وتحركات جادة لحل الأزمة وليست تصريحات وبيانات متواترة ليس لها قيمة سياسية، ومن الممكن أن نعتبر أن فترة حكم ترامب كانت عائقا أمام التدخلات الإقليمية في حل الأزمة، خاصة في ظل الاهتمام أمريكي بالملف.
على عكس السنوات الماضية، وخلال اليومين الماضيين فقط، انقلبت هذه الصورة رأسا على عقب، بعد زيارة وزير خارجية إثيوبيا إلى تركيا وطلبه بشكل مباشر التدخل التركي لدى السودان لفض النزاع بين البلدين وتسوية الملفات العالقة، وهو ما قابلته تركيا بترحيب بالغ، حيث تمثل فرصة واعدة لخطط الرئيس التركي في العمق الإفريقي وتعزيز مكانة تركيا كدولة إقليمية.
المفاجأة جاءت من الرياض عبر إعلان الخارجية السعودية تحركها نحو ملف سد النهضة لأول مرة، واستعدادها لأن تكون طرفا في المفاوضات عبر زيارات يقودها وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية، أحمد قطان، إلى عواصم الدول الثلاث، كان أخرها في الخرطوم حيث التقى برئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك معلنا سعي بلاده إلى إنهاء الأزمة.
بالعودة إلى إثيوبيا، واتجاهها نحو تركيا وحديث وزير خارجيتها في حفل افتتاح مبنى السفارة الإثيوبية الجديد في العاصمة أنقرة، عن متانة العلاقات بين البلدين ودعوته للشركات التركية من أجل الاستثمار في إثيوبيا، فإن هذا المسار يضع عبئا إضافيا على دولة بحجم مصر وسط كم كبير من الخلافات مع تركيا، وفي ظل تغير الإدارة الأمريكية ووصول جو بايدن إلى الحكم.
يبدو أيضا أن التحرك السعودي لن يشكل ميزة لمصر في ملف سد النهضة أو إضافة بشكل عام، لأن المنافسة بين البلدين كبيرة فيما يتعلق بمن يقود الشرق الأوسط وحجم كل دولة وتطلعاتها في المنطقة والملفات الشائكة بها، وربما يكون التحرك التركي والسعودي نحو أزمة سد النهضة مؤشرا لمصر من أجل ضبط علاقاتها في المنطقة وإعادة التموضع وحسم الملفات بشكل يعبر عن المكانة التي تتطلع إليها في المستقبل.
رغم أن السودان يعد الوسيلة الأمثل والأسهل من أجل بسط النفوذ للدول الإقليمية إلا أن توجه تركيا نحو إثيوبيا يجعلها تمتلك مقومات أكثر من السعودية ووسائل ضغط مباشرة على القرار المصري، وهو ما يدفع صانع القرار في مصر إلى التفكير نحو استعجال التحرك بملفات عدة متوازية من أجل ضبط العلاقات المشتركة مع تركيا عملا بمقولة: “ما لا يدرك كله فلا يترك جله”.
تصريحات السودان أيضا في الآونة الأخيرة اختلفت كليا عن سياق استمر لسنوات في ملف النزاع مع إثيوبيا ومفاوضات سد النهضة، وكان أخر تلك التحركات عبر استدعاء سفيرها في أديس أبابا ومندوبها الدائم لدى الاتحاد الأفريقي للتشاور بشأن ملفات التوتر مع إثيوبيا.
طريق التفاوض الطويل جدا والالتزام بالدبلوماسية الهشة ربما يكون حان الوقت الآن لتحمل تبعاته، فلا يمكنك أن تضع البيض كله في سلة واحدة، وهو ما حدث على مدار 4 سنوات على الأقل هي فترة حكم ترامب، وقبلها كانت الدبلوماسية الساذجة تسيطر على الموقف برمته، ولا ننسى اتفاق المبادئ العجيب في مارس 2015، وسنوات الفرص الضائعة قبل هذا الاتفاق، والغريب في الأمر أن دولة كبيرة بحجم مصر فرطت بنفسها بل وساعدت في ضياع حقوقها.
بالحديث عن الفرص الضائعة، لا يمكنني أن أتوقع رد فعل مناسب من مصر على التدخل الإقليمي من تركيا والسعودية في ملف أزمة سد النهضة والنزاع بين السودان وإثيوبيا، وهي قضايا تمس مصر وأمنها القومي بشكل مباشر، بل يمكننا أن نشاهد لعبة سياسية كبيرة في هذه المنطقة بينما تغفو مصر في نومها دون أن تعكر صفو الوقت الذي يشاهد فيه العالم كله أساليب فرض السيطرة والهيمنة الإقليمية بين السعودية وتركيا.
مقال للصحفي عوض أبو حسين