فيلا باللون الأصفر الشاحب، جسدها مزروع بكاميرات المراقبة، في شارع ضيق تصطف على جانبيه الأشجار.
لا يلتفت نظر العابرين إلى سارية ترفع علم المملكة العربية السعودية، بل إلى كاميرا سجلت قبل عامين دخول كتيبة الإعدام إلى المبنى. كانوا 15 شخصا، كلهم يعملون في مواقع مرموقة بالحكومة السعودية.
هبطوا على إسطنبول في الظلام ذات ليلة، واتجهوا من المطار إلى حي “ليفانت” الراقي، على بُعد أمتار من مضيق البوسفور الساحر.
قبل عامين كان الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي هنا أيضا.
التقطت له كاميرات المراقبة صورة وهو يعبر باب القنصلية.
الباب الفاصل بين الدنيا والجحيم.
بين الحياة والموت.
كانت هذه هي الصورة الأخيرة له.
فقد نصبوا “الفخ”.
وانتظروا وصول “الهدف”.
هذه اللحظات أصبحت “خالدة” في خزائن سرية، تنتظر الإفراج عنها، لتوثّق هذه الجريمة الوحشية.
بعد نحو عام من الجريمة البشعة انتهت المحاكمة السرية في الرياض إلى قرار بإعدام 5 متهمين، ولكن هؤلاء الذين يُعدّون من المقربين من وليّ العهد محمد بن سلمان أُخلي سبيلهم لاحقاً.
وقبل الذكرى الثانية لرحيله بأسابيع، خففت محكمة سعودية أحكام الإعدام الخمسة، وقال ممثلو الادعاء إنهم حكموا عليهم بالسجن 20 عاما بعد أن قررت أسرة الصحفي العفو عنهم.
شُوهد خاشقجي، الذي كان حينها في الـ59 من عمره، لآخر مرة وهو يدخل القنصلية السعودية في 2 أكتوبر 2018، للحصول على بعض الوثائق التي كان بحاجة إليها لإتمام زواجه من خطيبته خديجة جنكيز.
وقالت المحققة الخاصة، كالامار، بعد أن استمعت إلى تسجيلات صوتية أعدتها الاستخبارات التركية وتدعي أنها للمحادثات التي تمت داخل القنصلية، إن خاشقجي “ذُبح بوحشية” في ذلك اليوم.
توقع العالم بعدها أن يسمع عن عقوبات ضد المملكة التي سمحت بوقوع هذا “الذبح الوحشي” على أرض قنصليتها.
وتوقع الجميع أحكاما عادلة ترفع عن السعودية حرج التخطيط والتستر على الجريمة.
لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث.
جميع مَن سفكوا دماء جمال أفلتوا من العقاب.
أولئك الذين أصدروا الأوامر، وتابعوا التنفيذ عبر مكالمات الفيديو الحية لحظة اختطافه وتقطيع أوصاله.
وأولئك الذين قتلوه، ثم أشعلوا السجائر وجلسوا لتقطيع جثته على خلفية موسيقى كلاسيكية صاخبة.
لم يذهب أحدٌ من المتهمين إلى السجن، بدليل ما ينفرد به “عربي بوست” في السطور التالية، التي تكشف الحياة السرية للقتلة في مدن المملكة وأحيائها الفاخرة.
وصل جمال خاشقجي إلى مطار أتاتورك في العاشر من سبتمبر 2018، في تمام الخامسة مساء.
كان مدعوا للحديث في حلقة نقاشية بأحد المراكز البحثية، لكنه قرر البقاء أقل من شهرين لإنهاء إجراءات الزواج من السيدة خديجة جنكيز.
أحد هذه الإجراءات كان الحصول على وثيقة من قنصلية السعودية، تفيد بطلاقه من زوجته الأولى. عندما راجع سفارة السعودية بواشنطن للحصول على الوثيقة بحكم إقامته هناك، طلبوا منه مراجعة القنصلية في إسطنبول.
ظهر الثلاثاء 2 أكتوبر 2018، ترك جمال خاشقجي هاتفه المحمول مع خطيبته خديجة جنكيز، وتواعد معها أن يلتقيها بعد أن يُنهي معاملته، في مكان قريب من مقر القنصلية.
التقطت كاميرات المراقبة الصورة الأخيرة له وهو يختفي في باب القنصلية الضيق، ولم يشاهده أحد بعدها.
في صباح اليوم نفسه، وصل 15 سعوديا، بينهم مسؤولون، إلى إسطنبول على متن طائرتين من بلدين مختلفين، وكلهم سعوديون. خرج الجميع من مطار أتاتورك غرب المدينة إلى مقر القنصلية في منطقة ليفانت القريب من البوسفور.
وصلوا القنصلية قبل وصول خاشقجي المبنى بوقت قليل، ثم خرجوا بعد قليل إلى فنادقهم، ثم رأسا إلى المطار.
اختفى خاشقجي بعدها ولم يستدل على شيء يخصّه غير أنه لم يخرج من القنصلية مرة أخرى.
في البداية أنكرت السعودية القصة وقالت إن الرجل أنهى أوراقه وخرج من مقر القنصلية، ثم غيّرت الرواية أكثر من مرة حتى اعترفت في النهاية بالجريمة، لكنها نسبت الفعل لمارقين!
بعدها أعلنت مصادر الشرطة التركية أن مقتل خاشقجي تم بأيدي فريق متخصص بالقتل.
كانت مهمتهم التعذيب حتى القتل، وتصويره بفيديو أرسلوه إلى جهة غير معلومة بالسعودية، كما نقلت رويترز عن مسؤولين أمنيين في تركيا. وأصبح عليهم أن يتخلصوا من الجثة.
استمع بعض المسؤولين الأجانب للتسجيلات حصلت عليها المخابرات التركية من داخل القنصلية، من بينهم اثنان تحدثاً عنها حصرياً إلى برنامج Panorama الذي يُعرَض على هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
تسجيلات من لحظات الرعب
لحظات ارتكاب الذبح الوحشي أصبحت “خالدة” في خزائن سرية، تنتظر الإفراج عنها، لتوثّق هذه الجريمة الوحشية.
لكن البعض استمع إليها.
التسجيلات التي حصلت عليها المخابرات التركية من داخل القنصلية، توصلت هيئة الإذاعة البريطانية BBC إلى بعضِ مَن استمعوا إليها، وهذه مقتطفات مما حكوه.
استمعت إلى مكالمات هاتفية مع مسؤولين سعوديين في الرياض، وكُلُّها سجِّلت على يد الاستخبارات التركية.
المكالمة الأولى أخطَرَت سعود القحطاني، أحد مساعدي محمد بن سلمان النافذين ومدير مكتب اتصالاته، بمجيء خاشقجي إلى القنصلية.
تم تنفيذ العملية بأيدي مسؤولين حكوميين كانوا يتصرفون بصفتهم الرسمية.
كان اثنان منهم يحملان جوازات سفر دبلوماسية.
سألهم جمال في أحد التسجيلات: هل ستحقنونني؟ فقالوا له: نعم.
الأصوات التي تُسمع بعد هذه اللحظة تشير إلى أنهم كانوا يخنقونه، ربما بكيسٍ من البلاستيك فوق رأسه. وكذلك أغلِقَ فمَّه -بعنف- ربما بأيدي أحدهم أو بشيء آخر.
في حوالي الساعة 15:00، تُظهر كاميرات المراقبة سيارات تابعة للقنصلية وهي تغادر وتتوقف عند مقر إقامة القنصل العام على بعد شارعين.
لا أحد يعرف ماذا حدث إلا أن الأمر الوحيد هو أن المكان نُظف جيداً وبطريقة تخفي أي أدلة جنائية.
في يناير 2019، قدمت الحكومة السعودية أخيراً 11 شخصاً في الرياض للمحاكمة بتهمة قتل خاشقجي، وكان من بينهم ماهر عبدالعزيز المطرب ضابط الاستخبارات السعودية، والطبيب صلاح الطبيقي، لكن العقل المدبر المزعوم للجريمة، سعود القحطاني، لم يكن من بينهم.
التقرير الذي قدمته كالامار إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة توصل إلى نتيجة حاسمة: لا يمكن وصف هذه الجريمة بموجب القانون الدولي وتحت أي ظرف سوى أنها جريمة قتل نفذتها دولة.
ماذا سمعت كالامار؟
فهي المُقرّرة الخاصة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
هيلينا آن كينيدي: شيء شرير ورهيب حدث في القنصلية
أعتقد أنَّ ماهر عبدالعزيز المطرب هو الذي أدار العملية.
المطرب شوهد عدة مرات وهو يسافر مع محمد بن سلمان ضِمن حَرَسه الخاص.
وقيل في المكالمات التي أجريت بين القنصل العام والمطرب: لقد تلقينا معلومات تفيد بأن خاشقجي سيأتي يوم الثلاثاء.
وبينما كان خاشقجي وخديجة يسيران نحو القنصلية كانت هناك محادثة هاتفية مروّعة صادمة تجري في الداخل بين المطرب والطبيب الشرعي صلاح الطبيقي.
كان يتحدث عن كيفية تشريحه للجثث. ويمكنك سماعهما وهما يضحكان.
كان يقول: “عادةً ما أستمع إلى الموسيقى وأنا أقطع الجثث. وأحياناً أحتسي قهوة وأدخن السجائر”.
تكشف التسجيلات أن الطبيقي كان يعرف الدور المطلوب منه، فقد قال: “هذه هي المرة الأولى في حياتي التي سأضطر إلى تقطيع جثةٍ على الأرض. فحتى الجزارون يحتاجون إلى تعليق الحيوانات لتقطيعها”.
كانوا يتحدثون عن موعد وصول خاشقجي، ويقولون: هل وصلت الأضحية؟
وتكشف التسجيلات أن هناك أمراً من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بالقبض عليه، وأنه يجب أن يعود إلى المملكة.
وتُظهِر التسجيلات صوته وهو يرفض إرسال رسالةٍ إلى ابنه يؤكِّد فيها لأسرته أنه بخير.
ثم بدأوا يُخرسونه بالقوة.
هناك لحظة يمكنك فيها سماع خاشقجي وهو يتحول من شخصٍ واثق إلى شخصٍ يشعر بالخوف ثم القلق ثم الرعب المتزايد، وهنا تعرف أن هناك شيئاً مميتاً على وشك الحدوث.
هناك شيءٌ مرعب بالتأكيد تسبب في تغيير نبرة الصوت. ويُمكن الشعور بوحشيته عبر الاستماع إلى التسجيلات.
سمعتُ خاشقجي يسأل مرتين عمَّا إذا كان يتعرَّض للاختطاف، قائلاً: “كيف يمكن أن يحدث ذلك في سفارة؟”.
أعتقد أنَّ الطبيب الشرعي تلقَّى الأوامر في تلك اللحظة من قائد الفريق.
يُمكن سماع صوت أحد الأشخاص وهو يقول للطبيب: “قطِّع جثته”، ويبدو أنه صوت المطرب.
ثم صاح أحدهم قائلاً: انتهى الأمر، فيما صاح شخصٌ آخر: انزع ذلك عنه، وضَع ذلك على رأسه.
ولفَّه بغطاء.
ولا يمكنني افتراض أي شيء آخر إلا أنهم كانوا قد قطعوا رأسه في تلك اللحظة.
ثمة شيء شرير ورهيب حدث في تلك القنصلية. والمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التمسك بإجراء تحقيق قضائي رفيع المستوى.
فور وقوع الجريمة أعلنت 4 جهات عن بدء التحقيق في القضية.
التحقيق رقم واحد: تركيا صوّرت كل ما جرى على أرضها
باشرت السلطات التركية تحقيقها في الساعات الأولى لوقوع الجريمة
نشرت تفاصيل العملية السعودية على أراضيها بالصوت والصورة، وأصدر النائب العام التركي مذكرتين للقبض على مسؤوليْن سعودييْن سابقين، هما: سعود القحطاني، وأحمد عسيري.
التحقيق رقم اثنين: المخابرات الأمريكية توصلت إلى الرأس المدبر
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية توصلت إلى أن ولي العهد السعودي هو مَن أمر بالقتل.
وتمتلك “سي آي إيه” تسجيلاً لمكالمة هاتفية يأمر فيها بن سلمان بإسكات خاشقجي في أسرع وقت ممكن.
التحقيق رقم ثلاثة: الادعاء السعودي يطلب الإعدام لخمسة متهمين
توصّلت تحقيقات النيابة السعودية إلى أن “قائد فريق التفاوض” مع خاشقجي أمر بقتله بعد الفشل في اختطافه خارج القنصلية.
وطلبت النيابة إعدام خمسة متهمين دون الكشف عن أسمائهم.
التحقيق رقم أربعة: الأمم المتحدة في مهمة غير رسمية
ترفض الأمم المتحدة إجراء تحقيق رسمي دون طلب من منظمة دولية أو من إحدى الدول المعنية.
لكن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كلَّف فريقاً بالتحقيق برئاسة صاحبة المبادرة، آنييس كالّامار Agnès Callamard، وهي مسؤولة الأمم المتحدة المعنية بالاغتيالات العشوائية والقتل خارج نطاق القانون.
ونتائج كل هذه التحقيقات؟
1 تركيا الرسمية اكتفت بطلب تسليم اثنين من المشتبه بهم.
ثم أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنقل القضية إلى المستوى الدولي.
2 الولايات المتحدة تجاهلت تقارير CIA لأن إدارة ترامب تشدِّد على أهمية الروابط القوية مع وليّ العهد، وتدعم موقفه في القضية.
3 التحقيقات السعودية انتهت إلى محاكمة تجري بعيداً عن الإعلام، وتشكك أطراف رئيسية مثل تركيا في مصداقيتها. انتهت المحاكمة بقرار إعدام 5 من المتهمين، ثم خففت الحكم بعد نحو عامٍ إلى السجن.
4 التحقيق الدولي ظهرت نتائجه في يونيو 2019 وصل إلى استنتاج رئيسي مفاده أن هناك أدلةً موثوقة تربط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالقتل.
لكنه تحقيق غير مُلزم لأي أحد، وليس للمحققة كالامار صلاحيات تنفيذية بالمنظمة الدولية.
الأحكام.. والأحكام المخففّة
الحكم الأول صدر من محكمة بالرياض نهاية ديسمبر 2019، بـ”قتل خمسة من المدعى عليهم قصاصاً وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه”، و”سجن ثلاثة من المدعى عليهم لتسترهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاماً”. وتم “حفظ الدعوى بحق 10 أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة”.
ولم تعلن النيابة العامة ولا وسائل الإعلام السعودية أسماء المحكومين.
ثم تلاه الحكم النهائي في سبتمبر 2020، “تجاه المتهمين بمقتل المواطن جمال بن أحمد بن حمزة خاشقجي، وأصدرت المحكمة في هذا أحكاماً بحق ثمانية أشخاص مدانين، واكتسبت الصفة القطعية؛ طبقاً للمادة (210) من نظام الإجراءات الجزائية”، كما ورد ببيان النيابة العامة.
وجرت المحاكمة بعيداً عن وسائل الإعلام. وفي مايو 2020 أعلن أبناء خاشقجي بشكل مفاجئ “العفو” عن قتلة والدهم. ولم تعرف أسماء المُدانين رسمياً، ولا التهمة التي وُجهت إلى كل منهم، أو الدفوعات التي قدموها.
لكننا على الأقل نعرف أسماء كل المتهمين، والآن يبدأ بحثنا عنهم..
تؤكدّ المصادر الخاصة لـ”عربي بوست” أنّ فريق التصفية يتمتع بالحرية التامة والمطلقة، بل إنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يصطحب معه العديد من عناصر ذلك الفريق عند تنقّله بين قصور نيوم والرياض وجدة.
الأحكام صدرت في سبتمبر 2020 بسجن 8 مدانين لفترات تراوحت بين 20 و7 سنوات، لكنّ مصادر خاصة لـ”عربي بوست” قالت إنّ الأسماء التي سبق الحكم عليها بالإعدام يتواجدون في بعض الأحيان بالرياض ويتنقلون بين العاصمة وجدة ومنطقة “نيوم” التي تحتوي على قصور خاصة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
الخمسة هم:
ماهر عبدالعزيز المطرب
صلاح محمد الطبيقي
مشعل سعد البستاني
محمد سعد الزهراني
منصور عثمان أبا حسين
واعتاد ولي العهد أن ينقل معه غالبية مستشاريه والعناصر المحيطة به بالديوان الملكي لدى توجّهه إلى منطقة نيوم على ساحل البحر الأحمر من حين لآخر، وهو ما جعل سعود القحطاني وأحمد عسيري متواجدين هناك بشكل كبير بعيداً عن الأنظار.
وتؤكد المصادر الخاصة أنّ القحطاني وعسيري يرافقان بن سلمان من داخل أحد قصوره الخمسة في منطقة نيوم التي تقع شمال غرب السعودية، مع مجموعة من المستشارين، على رأسهم رئيس الديوان الملكي فهد العيسى والمستشار بالديوان محمد التويجري ووزير الثقافة بدر بن عبدالله آل سعود، بالإضافة إلى بدر العساكر مدير مكتبه الخاص بالديوان، ومستشاره الاقتصادي الألماني كلاوس كلاينفيلد.
سعود القحطاني
بعد أسابيع من الجريمة، نشر موقع عربي بوست تقريراً مطولاً، انفرد فيه بمعلومات حصرية: سعود القحطاني ليس محتجزاً، بل يعيش ويعمل ويلهو بقصره في حي السفارات غرب الرياض، رغم “قرارات” المنع من السفر حسب بيان النيابة السعودية.
مصادر خاصة أكدت لـ”عربي بوست” وقتها أنَّ القحطاني يدير خلية عمل متكاملة عبر هيئة الأمن السيبراني ومركز “اعتدال”.
وأكدت المصادر أن القحطاني لا يزال الذراع اليمنى لولي العهد، بحكم الصداقة الطويلة منذ الطفولة.
بعد إعفائه بشكل علني من منصبه كمستشار بالديوان الملكي، أصبحت إدارة الذباب الإلكتروني في يد حمد المديني، لكنه لا يزال “الناصح الأمين والأب الروحي والصديق المخلص”. وأكد رجل الأعمال الكندي من أصل سعودي آلان بندر لـ”عربي بوست” أن تحت تصرفه “أكثر من مبنى يتنقل ويتحرك بها لتنفيذ أعماله ومهامه الخاصة”.
ولا يزال سعود القحطاني في نهايات 2020 يمارس عمله ومهامه بعيداً عن الأنظار كمستشار بالديوان الملكي السعودي.
القحطاني حتى هذه اللحظة هو المستشار الإعلامي والسياسي الأبرز، فهو المسؤول عن المنظومة الإعلامية الخاصة بالديوان الملكي وبوليّ العهد، التي تشمل عدة واجهات، أبرزها مركز اعتدال والأمن السيبراني الذي ينشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام السعودي المحلي، والرد على كل معارض للسعودية ولوليّ العهد.
المعارض السعودي د. سعد الفقيه، في حديث خاص لـ”عربي بوست”، اعتبر أنّ “ولي العهد السعودي لا يستطيع الاستغناء عن سعود القحطاني لأنه يعتبره شخصية عبقرية خارقة للعادة، فهو يعدّ الذراع اليمنى والمهندس والمحرك الأساسي لمحمد بن سلمان في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية الداخلية والخارجية منها”.
ويرى الفقيه أنّ القحطاني هو من صاغ وقاد الحرب على جماعات وتيارات الإسلام السياسي في السعودية وخارجها، عبر ما يسمى مركز اعتدال لمكافحة التطرف، ومن هنا فإنه يبدو بمثابة “المنقذ” له في كل شيء بخلاف ما تمّ الإعلان عنه رسمياً من إقالته من منصبه كمستشار في الديوان الملكي”.
ويقيم سعود القحطاني بشكل أساسي حالياً في منطقة نيوم.
لكنه يرافق ولي العهد السعودي باستمرار في تنقلاته بين الرياض وجدة ويعدّ من مرافقيه الدائمين.
أحمد العسيري
العسيري أحد المُقربين من ولي العهد السعودي وأحد مستشاريه والنائب السابق لرئيس الاستخبارات العامة.
لم يغادر الرجل مهامه الرسمية رغم وجود اسمه في قائمة الضالعين في جريمة خاشقجي، ولا يزال ولي العهد يتمسك به مستشاراً أمنياً له.
أين باقي أعضاء فريق القتل الـ 15؟
من البداية حاول ولي العهد إبعاد “كتيبة قتل خاشقجي” عن الرياض، كما قالت لـ”عربي بوست” مصادر خاصة رفضت الكشف عن اسمها.
بعض المتهمين في القضية يقيمون الآن في قرى خاصة داخل المدن، مثل: قرية “ندى” أو”العمودية” في جدة.
القرية أو “الكومباوند” عادة ما تحتوي على وحدات سكنية ومناطق ترفيهية ومسابح مقفلة ومفتوحة. وهو مكان مثالي للتواري عن أنظار الزحام في الرياض، العاصمة التي لن يعدم المتهمون في شوارعها التقاطع مع زملاء في دوائر الحكومة، أو أصدقاء قدامى.
يبلغ عدد الذين اتهمتهم السلطات التركية بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي 18 شخصاً، منهم 3 أفراد ليس لهم علاقة مباشرة بتنفيذ الجريمة هم: سعود القحطاني، وأحمد عسيري، والقنصل العتيبي.
أما الـ15 فهم أعضاء الفريق الضالع بشكل مباشر في عملية قتل خاشقجي،
وهم على النحو التالي:
1: مشعل سعد البستاني
33 عاماً
ملازم في القوات الجوية السعودية، وصل على متن رحلة تجارية لإسطنبول وغادرها بطائرة خاصة.
صدر بحقه -بحسب مصادر خاصة لـ”عربي بوست”- قرار سجن بـ20 عاماً.
لكن في حقيقة الأمر الرجل يعيش معظم أوقاته في قرية “ندى” بمدينة جدة متوارياً عن الأنظار.
2: صلاح محمد الطبيقي
49 عاماً
هو الطبيب الشرعي السعودي، ورئيس قسم الأدلة الجنائية في إدارة الأمن العام السعودي سابقاً، ورئيس المجلس العلمي للطب الشرعي بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية سابقاً، والمتهم في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. والطبيقي صاحب أكثر العبارات قسوة في تسجيلات الجريمة، قبل وأثناء تمزيق جثمان الراحل خاشقجي.
حُكم عليه بالسجن بـ 20 عاماً
علم “عربي بوست” من مصادر خاصة أنّه يعيش حياته بشكل طبيعي في الرياض، ويمارس عملاً رسمياً في قسم الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية كمستشار في بعض القضايا المتعلقة بالتشريح الجنائي.
3: ماهر عبدالعزيز المطرب
49 عاماً
عقيد في الاستخبارات السعودية، وسكرتير أول في السفارة السعودية في لندن، قبل الجريمة، وله عدة صور في أكثر من مناسبة مع ولي العهد.
صدر بحقه قرار سجن بـ20 عاماً.
4: محمد سعد الزهراني
32 عاماً
ضابط في الحرس الملكي السعودي، ظهر في عدة مرات ومناسبات إلى جانب ولي العهد.
حكم عليه بالسجن 20 عاماً.
لكنه يتواجد في قرية “العمودية” بتوجيهات من الديوان الملكي حتى “صدور عفو ملكي”.
5: منصور عثمان أبا حسين
48 عاماً
عقيد سابق في الاستخبارات السعودية.
صدر في حقه حكم قضائي نهائي بالسجن 20 عاماً.
لكنه يقيم في قرية “العمودية” في انتظار عفو ملكي.
6: نايف حسن سعيد العريفي
ضابط بالقوات الجوية السعودية، 34 عاماً، ويعمل موظفاً في مكتب ولي العهد محمد بن سلمان وفي القوات السعودية الخاصة.
الرجل متواجد في قرية “العمودية” بحسب توجيهات رسمية من الديوان الملكي حتى انقضاء فترة الحكم بالسجن عليه، وهي 10 سنوات بحسب الحكم القضائي الأخير، أو انتظار صدور عفو عام.
7: وليد عبدالله الشهري
40 عاماً
قائد سرب ورائد بالقوات الجوية السعودية سابقاً.
صدر بحقه حكم بالسجن 10 سنوات.
لكنه يقيم في قرية “ندى” بتوجيهات من الديوان الملكي.
8: ثائر غالب الحربي
41 عاماً
ملازم سابق في الحرس الملكي.
صدر بحقه حكم قضائي بالسجن 10 سنوات.
يقيم في قرية “ندى”.
9: مصطفى محمد المدني
59 عاماً
يعمل سابقا في الاستخبارات السعودية.
صدر بحقه حكم بالسجن 7 سنوات.
يقيم في قرية “العمودية”.
10: فهد شبيب البلوي
35 عاماً
ضابط سابق بالحرس الملكي.
صدر بحقه حكم بالسجن 7 سنوات.
يقيم في قرية “العمودية”.
11: خالد عايض الطيبي
32 عاماً
لا يعرف مصيره ولم يتسنَّ لـ”عربي بوست” التأكد من مكان تواجده وإذا ما كان صدر بحقه حكم قضائي فعلي.
12: عبدالعزيز محمد الهوساوي
33 عاماً
عضو في الفريق الأمني المرافق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لم يتسنَّ لـ”عربي بوست” التأكد من مكان إقامته.
13: تركي مشرف الشهري
38 عاماً
لم يتسنَّ لـ”عربي بوست” التأكد من مكان إقامته.
14: بدر لافي العتيبي
47 عاماً
رائد سابق في الاستخبارات السعودية.
لم يتسنَّ لـ”عربي بوست” التأكد من مكان تواجده وإذا ما كان صدر بحقه حكم قضائي فعلي.
15: سيف سعد القحطاني
47 عاماً
ضابط سابق في الحرس الملكي.
لم يتسنَّ لـ”عربي بوست” التأكد من مكان إقامته.
جميع المتهمين في قضية خاشقجي الـ15 يقضون محكوميتهم، لكن على الطريقة المألوفة.
يشرح الناشط والحقوقي السعودي سلطان العبدلي أنه بموجب النظام المعمول به عرفاً، ينظر ولي العهد في حالات المحكوم عليهم في قضايا بسبب تأدية مهام تكليفية من الدولة، ومن حقه الإفراج عنهم، أو تخفيض مدة السجن المقررة إلى النصف بذريعة إتمام حفظ القرآن الكريم كاملاً، كما أن له الحق في إخلاء سبيلهم فوراً.
ويوضح العبدلي أنّ المحكومين بقضية تصفية الصحفي جمال خاشقجي، من المفترض أن يكونوا في سجون تسمى “السجن العام”، ولكن الحقيقة أنّهم غير مسجونين أصلاً، بل يتم احتجازهم في أروقة الديوان الملكي والمدن الخاصة.
ولا يستبعد العبدلي أن تشهد الأيام القادمة إعلان العفو العام العلني عن منفِّذي جريمة قتل خاشقجي، وعلى رأسهم صلاح الطبيقي وماهر المطرب والزهراني. وسيمرحون في بلاد العالم دون مساءلة، ويعودون قريباً موظفين ومستشارين في الديوان الملكي!