سلطت صحيفة «الجارديان» البريطانية الضوء على الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير المصرية، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.
وفي التقرير الذي أعده مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط مارتن شولوف، وترجمته «عربي21»، فإنه ينقل شهادات لشباب شاركوا في تلك الثورة.
يقول منصور محمد الذي كان واحدا من مئات الآلاف الذي تجمعوا في ميدان التحرير بالقاهرة، حيث نام وأكل وتفاعل مع أناس لا يعرفهم لمدة عشرة أيام ولا يزال يتذكر الصوت والهدير الذي كان أقوى من صوت 10 مقاتلات عسكرية وكان الصوت الذي أخرج «ستة عقود من الخوف».
وبعد مرور عقد، فإن مركز الثورة التي أصبحت تعرف مع غيرها من الانتفاضات العربية بـ«الربيع العربي» بات اليوم مكانا مختلفا وكذا البلد، فقد تم تغيير صورة الميدان واستبدل الإسمنت بالمساحات الخضراء فيه، ونصبت فيه مسلة متجهة للسماء مذكرة باليقين الثابت. وتتحرك السيارات في الميدان بهدوء بعد خلوه من المحتجين، وأي محاولة لإثارة أشباح ميدان التحرير يتم قمعها بالقوة لدولة عسكرية حصنت نفسها في أعقاب الثورة.
وبالنسبة لمعاذ عبد الكريم، فقد بدأت الثورة بطريقة مختلفة، ففي 25 يناير 2011 اجتمع هو وأصحابه في شقق بالقاهرة على الجانب الآخر من النيل، وجمعوا أنفسهم تحضيرا لتغيير التاريخ.
وكان الميدان بعيدا عنهم بسبب الوجود العسكري الكثيف والتفتيش عن العناصر المثيرة للمشاكل بعد أسابيع من سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس. ولكنهم بدأوا بتجميع قواهم في الحارات الضيقة البعيدة عن منال قوات الأمن وعبأوا الجماهير من خلال منصات التواصل الاجتماعي وبشكل حطم الوهم الذي ساد وهو أن حسني مبارك قوي جدا ولا مجال لمواجهته.
واجتمع عبد الكريم مع أصدقائه في محل حلويات الحايس في شارع مصطفى محمود لمراقبة تحركات الشرطة ومعرفة ما إن كانت ستتحرك. وكان الهدف هو التنسيق مع بقية الجماعات المختلفة.
وقال: «فكرنا لو أننا نجحنا فسنحصل على مصر أفضل، ولو فشلنا فسنموت أو نقضي كل حياتنا في السجن»، مضيفا أنه «في كل حياتي لم أعرف إلا مبارك وطالما حلمت برؤية رئيس آخر من عائلة أخرى». وأضاف أن مهمتهم تركزت على جمع المتظاهرين بحيث لا تستطيع الشرطة السيطرة عليهم. ولو كان هناك عدد قليل منهم لفرقتهم الشرطة بسهولة أو اعتقلتهم.
وتجمع حوالي 2,000 محتج بحيث لم تكن قوات الأمن قادرة على التعامل معهم و«في تلك اللحظة شعرت أننا نجحنا لأنني شاهدت أناسا من جنس ونوع ومستويات اقتصادية مختلفة، أغنياء وفقراء وكلهم يهتفون بصوت واحد».
وفي ذلك الحين خلقت الدعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي التجمع في ساحات القاهرة العامة، زخما لم تكن الشرطة قادرة على وقفه. ويقول عبد الكريم: «كانت وسائل التواصل الاجتماعي أهم وسيلة في الثورة.. استطاع الناس التواصل بسهولة والتعبير عن أنفسهم بدون رقابة» دولة مبارك البوليسية التي واجهت معارضين سلاحهم هو الهواتف الذكية وصفحات «فيسبوك». وتحول ميدان التحرير في 28 يناير إلى بوتقة للتغيير الرافض للتنازل.
وبعد أسابيع وضعت النهاية لحقبة مبارك. وقرر الرئيس الأمريكي في حينه باراك أوباما، إدارة ظهره لمبارك الذي حكم لثلاثين عاما ووقف مع الثوريين. وقال: «أوضح المصريون أنه لا شيء مقبولا غير انتصار الديمقراطية الحقيقية». ثم جاء تحدي المؤسسة العسكرية التي وقفت مع الثوريين الذين عبروا عن مطالبهم بقوة. وقال أوباما: «قام الجيش بمهمته على نحو وطني مسؤول كحام للدولة” و”عليه التأكد من عملية انتقالية تحمل مصداقية أمام المصريين».
وتعلق سلوى جمل التي دعمت الثورة وأجبرت على الهروب من بلدها عام 2014 معلقة على كلام أوباما: «لم يكن يعرف في حينه ولكن كلماته كانت بمثابة المرثية.. من تلك اللحظة كان الجيش يخطط للسيطرة على السلطة».
وقالت نانسي عقيل، الناشطة والباحثة، إن استقالة مبارك في 11 فبراير كشفت أن الأشهر اللاحقة لم تكن أي شيء يعبر عن انتقال سلس للسلطة و«كانت أسوأ لحظة بالنسبة لي.. شاهدت الدبابات وعلمت أن الجيش سيطر على السلطة، وشاهدت أناسا يقدمون الورود للجيش وينظفون الشوارع ويمسحون الشعارات الجدارية، وكانت بداية مرحلة محو آثار الثورة». وتضيف أن الناس ظلوا طوال هذه الفترة يقولون: «لا لا الجيش معنا، ولكننا نعرفهم ونعرف أنهم كانوا يديرون الأمور».
وفي عام 2012 عقدت انتخابات وفاز فيها محمد مرسي كأول رئيس منتخب، ويمثل الجماعة القوية، الإخوان المسلمين. وبعد ذلك أعلن مرسي أنه سيمنح لنفسه صلاحيات دستورية للحكم، ما قاد إلى عدم ارتياح منه ومن جماعته. وفي أقل من عام أطيح به عبر انقلاب قاده وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي الذي حل البرلمان وحظر جماعة الإخوان المسلمين وقمع المعارضة.. والقمع مستمر حتى اليوم.
وانتخب السيسي رئيسا في جولتين انتخابيتين. ومنذ ذلك الوقت حاول السيسي محو كل رموز الثورة مستخدما القمع القاسي وسحق كل دعوات التغيير. وتم القضاء على المجتمع المصري المدني وأجبر الفنانون والصحفيون والمثقفون على الصمت أو الرحيل إلى المنفى. وتعرضت الأحزاب السياسية للتضييق أو دمجها في مؤسسة الدولة الجديدة وصمت الشجب الدولي منذ وقت طويل.
وفي ديسمبر، منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السيسي أعلى وسام مدني في فرنسا متجاهلا سجل حقوق الإنسان الذي وصفته المنظمات غير الحكومية بأنه شرير.
ويقول شولوف إن زعم السيسي بأنه ساعد على منع تدفق المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا وأنه حاجز لها ضد التهديدات الأمنية منحه دعما تكتيكيا من دول غربية غضت الطرف عن القمع المستمر للمعارضة.
وسجلت منظمة هيومان رايتس ووتش عام 2019، وجود 60,000 معتقل في السجون المصرية.
وقال خالد منصور، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن الكثيرين ممن دعموا الثورة سيدعمون ثورة أخرى «فقد كانت نقطة تحول»، وأضاف: «لكننا لا نتحول دائما نحو وضع مريح أو اتجاه جيد»، وتابع: «الشيء الوحيد الذي جعلهم يحافظون على السلطة هو القوة، فالتماسك الاجتماعي وإنقاذ الاقتصاد والإرهاب وتهديد الأمن القومي تساعد هذه المؤسسات على القول: نحن المعقل الأخير، وبالتالي فلا بد من تأجيل التغيير».
و«ما نحتاجه ليس مصر موحدة ولكن مكانا تتحدث فيه الجماعات المختلفة مع بعضها البعض وتتشارك في حوارات، وبدون المخاوف الوجودية التي تسيطر على الأمور. وهل يمكننا التعافي؟ يحتاج الأمر لوقت طويل ونقد ذاتي وسبر للنفس وهذا أمر صعب في الوقت الحالي» وفقا لخاتمة منصور.