لا بد لنا اليوم وبعد هذا الانتصار العظيم التي صنعته فصائل المقاومة الفلسطينية، أن نقف قليلاً ونتأمل بعض الدروس والعبر، وبعين المشاهد.. نضع مقارنة بسيطة بين إعلان انتصار غزة 2009.. وغزة 2012:
في مطلع عام 2009.. وعندما وضعت حرب غزة أوزارها.. كلنا يذكر.. عندما خرجت فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشـق -والتي كان قد أطلق عليها فصائل الممانعة- لتعلن انتصار غزة، وعلى رأسها حركة حماس.
يومها.. خرجت حماس، بجانب الجهاد الاسلامي، والجبهة الشعبية، والقيادة العامة، وما تبقى من فصائل المقاومة، لتعلن الاتفاق على انهاء الحرب، وإعلان انتصار غزة، بعدما فشلت جميع الأهداف التي كانت قد وضعتها حكومة ايهود اولمرت آنذاك.
اليوم.. خرجت حماس.. بجانب الجهاد الاسلامي، ومن القاهرة هذه المرة، لتعلن انتصار غزة مرّة أخرى، وتمريغ أنف الجيش الذي لا يقهر في التراب.
ما الفرق..؟ وأين مواطن الاختلاف بين المرّتين..؟
الاختلاف يتمحور في فلسفة "الثــورات العربيـة".. "الربيع العربي" هو من صنع الاختلاف هذه المرة:
– المواقف الرسمية العربية في 2009 ليست المواقف ذاتها في 2012، وكذلك المواقف الشعبية.
– حماس هذه المرة تعلن من القاهرة الانتصـار.. وليس من دمشـق كما حصل في 2009، وهنا دلالات واشارات كثيرة.. وعلى رأسها أن "القاهرة" هي العاصمة الأكثر ترشيحاً لتكون حاضنة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
– حماس خرجت باعلان الانتصار بصحبة الجهاد الاسلامي، دون باقي "فصائل الممانعة"، وعلى رأسها القيادة العامة (أحمد جبريل) .. وكلنا يعرف أسباب ذلك.. وهو انقسام الفصائل واختلاف مواقفها حول الثورة السورية… اليوم خرج من يمثّل الرمز الحقيقي للمقاومة الفلسطينية.
– تركيا أكثر قرباً لحماس وفصائل المقاومة، بل وللشرق الأوسط أيضاً.. ومن صنع هذه القرب وشجّع تركيا عليه.. هي هذه الثورات باختصار.
– غزة خرجت من هذه الحرب أكثر انتصاراً، وأكبر تحقيقاً للمكاسب والأهداف، وبالطبع أقل خسائراً، ووصلت يد المقاومة لمناطق جديدة لم تصلها من قبل، وأهم أسباب ذلك.. هو حجم التضامن العربي الإسلامي معها هذه المرة، خصيصاً من قبل دول الربيع العربي.
– الموقف الأمريكي أكثر ضعفاً، وأقل استكباراً وتعنتاً.
– السلطة الفلسطينية في مقاطعة رام الله غائباً تماماً عن المشهد هذه المرة، وليس كما كان الحال سابقاً، إذ كانت الأصوات النشاز ترتفع من رام الله لتحمل حماس والمقاومة مسؤولية الحرب. وأسباب هذا الاختلاف معروفة للجميع، بعد الحال الذي وصلت له سلطة رام الله من ضعف ووهن وانقسامات داخل صفوفها، وضياع أحد أهم داعميها.. نظام مبارك.
– محور ما يسمى بـ "دول الاعتدال" العربي أصبح مفككاً وهشاَ للغاية اليوم.. نظام مبارك تبخّر.. والنظام الأردني مشغول بما لديه من مخاطر تهدد مستقبله بقاءه، ولم يبقَ سوى النظام السعودي وحيداً، لا يستطيع مجابهه التغير الكبير الذي حصل في المنطقة وما زال.
الخلاصــة…. برغم الآلام، وبرغم كل الولادات العسيرة التي تمر بها دول المنطقة.. الأمة العربية الإسلامية في تقدّم وفي صعود، وما يسمى باسرائيل وأمريكا وما لف لفّهم.. في تراجع وفي نزول.
لا هزائم بعد اليوم.. ولن يكون سوى الانتصارات تتلوها الانتصارات.. ولكن علينا بالصبر، واليقين التام بأن لكل شيء ثمن.. وثمن باهض في بعض الأحيان..
فاستشبروا بالخيرات