أسبوع حافل بالصدمات، كان وما زال صداه يتعالى في الشارع العربي، بعد ثلاث جرائم مروعة خرقت العادة الإنسانية ولم يصدقها العقل البشري.
ولم يكد الشارع يشفى من صدمة فاجعة «فتى الزرقاء» في الأردن، حتى جاءت جريمة «فتاة المعادي» في مصر، وزاد الألم مع حادثة «طفل دجلة» بالعراق.
تلك الجرائم تخطت حدود البلدان التي وقعت فيها، ليصل صداها إلى دول العالم العربي، وظلت حديث منصات التواصل الاجتماعي على مدار أيام.
وكان وقع الحوادث الثلاثة ثقيلا بحجم استقطابها عاطفة مواطنين عرب استنكروها، وأبدوا استغرابا من تصاعد حدة الجريمة خلال الأسبوع.
** قطعوا يديه وفقأوا عينيه
الثلاثاء الماضي، أفاق الأردن على صور هزت مشاعر العالم العربي، بعد تعرض الفتى صالح حمدان، لاعتداء وحشي بمحافظة الزرقاء، ما استدعى تدخل عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، وسط حالة من الصدمة والغضب.
وتداول رواد منصات التواصل بالأردن، مقطعا مصورا للفتى «16 عاما» يجلس على جانب طريق في حالة إعياء شديد، إثر تعرضه لاعتداء جسدي ببتر يديه وفقأ عينيه بدافع «الثأر».
#الأردن يستيقظ على وقع الصدمة..
جريمة بشعة ضحيتها طفل بعمر الـ16 تهز الشارع الأردني.. تعرف على التفاصيل#جريمة_الزرقاء pic.twitter.com/UEBwuWrLp4— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 14, 2020
وعقب ساعات على تداول المقطع، قالت مديرية الأمن العام، في بيان، «تبين بعد الاستماع إلى أقوال الفتى أن مجموعة من الأشخاص اعترضوا طريقه واعتدوا عليه بأدوات حادة، على إثر جريمة قتل سابقة قام بها أحد أقاربه».
وأمر عاهل الأردن بتقديم كافة سبل الرعاية الصحية للفتى المصاب، وتابع عملية أمنية قادت إلى إلقاء القبض على الجناة، مع إطلاق حملة أوسع ضد أصحاب السوابق والمجرمين.
ودشن مغردون وسما باسم «#جريمة_الزرقاء»، بات في غضون ساعات الأكثر تداولا في الأردن ودول عربية، وطالبوا من خلاله بسرعة توقيف الجناة وإنزال أقصى العقوبة جراء اعتدائهم الوحشي على الفتى.
وتجاوز صدى الجريمة حدود الأردن، إذ أعربت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة «يونيسيف» في عمّان، تانيا شابويزات، في بيان، عن صدمتها وحزنها لما جرى مع الفتى.
وقالت شابويزات: «العنف ضد الأطفال غير مقبول على الإطلاق. إنه وباء يهدد المجتمع مثله كمثل جائحة فيروس كورونا».
وأكدت أن المنظمة «ستواصل دعم المجتمعات والجهود الوطنية لإنهاء جميع أشكال العنف ضد الأطفال».
وناشد الإعلامي السوري موسى العمر على حسابه في تويتر، حكومة الأردن «تقطيع أيديهم (القتلة) وفقء عيونهم وصلبهم في ساحات الزرقاء حتى تأكل الطير من رؤوسهم. ليكونوا عبرة لكل غادر على فتى مسكين مستضعف».
( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْن) صدق الله العظيم اناشد حكومة الاردن تقطيع ايديهم وفقأ عيونهم وصلبهم في ساحات الزرقاء حتى تأكل الطير من رؤوسهم .. ليكونوا عبرة لكل غادرٍ على فتى مسكين مستضعف .. #جريمة_الزرقاء pic.twitter.com/TlXYe1fN9X
— موسى العمر (@MousaAlomar) October 15, 2020
أما المفكر الكويتي حامد العلي، فكتب على صفحته «جريمة غاية في البشاعة تهز الأردن. خطف فتى وقطع يديه وسمْل عينيه. قلوبٌ قد خلت من كلّ عطف. كأنّ بها إذا كُشفت حجارة. شياطين تعيش بجسم إنس. وكارثة على أهل الحضارة».
جريمة غاية في البشاعة تهزّ الأردن إذ تم خطف فتى في عمر ١٦ عاما وقطع يديه وسمْل عينيه انتقاما من أبيه المسجون بجريمة قتل فإنّا لله وإنّا إليه راجعون
—-
قلوبٌ قد خلت من كلّ عطفٍ
كأنّ بها إذا كُشفت حجارهْ
شياطينٌ تعيش بجسم إنسٍ
وكارثةٌ على أهل الحضارهْ#جريمة_الزرقاء— حامد العلي (@Hamed_Alali) October 13, 2020
** تحرشوا بها ثم قتلوها
غداة واقعة الأردن، شهدت مصر موجة تضامن واسعة إثر وفاة الفتاة مريم «24 عاما» في أحد شوارع منطقة المعادي جنوبي العاصمة القاهرة، جراء تعرضها لسحل تقول مصادر إنه بسبب التحرش، وليس السرقة كما تردد.
بأي ذنب قتلت
جريمة بشعة تهز القاهرة ومطالبات للحكومة بوضع حد للانفلات الأمني والأخلاقي pic.twitter.com/g19hpbaxOV— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 15, 2020
وبعد ساعات، كشفت النيابة المصرية في بيان، ملابسات الواقعة التي أثارت غضبا واسعا في البلاد، مؤكدة أن «الاعتداء على مريم كان بقصد السرقة وليس التحرش»، وفق التحقيقات الأولية.
وأوضحت أن «سيارة نقل ركاب يستقلها اثنان، انتزع مرافق سائقها حقيبة المجني عليها التي كانت ترتديها على ظهرها، ما أدى إلى اصطدام رأسها بسيارة متوقفة ومن ثم وفاتها».
"لقينا 85 جنيه في الشنطة"
الشرطة تنشر اعترافات المتهمين بقتل فتاة #المعادي pic.twitter.com/rbLzqWJbdP— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 18, 2020
وبمعاينة جثمان المجني عليها تبين إصابتها بأنحاء متفرقة من جسدها، كما تبين من معاينة مسرح الحادث آثار دماء ملطخة بالرمال على مقربة من إحدى السيارات، بحسب بيان النيابة.
وتحت هاشتاج «#فتاة_المعادي»، رثى العشرات مريم التي دافعت عن نفسها وفقدت روحها، وانتشرت صورة لها وهي تقف مبتسمة في أحد الشوارع.
وطالبت إنجي علاء في تغريدة لها، بـ«إعدام» مرتكبي الجريمة، وقالت: «كل بنت لازم تمشي حاسة بالأمان ومافيش أي مبرر لا لبس ولا شكل ولا أي حاجة للتحرش والسحل والجرائم البشعة دي».
بطالب بإعدام الحيوانات اللي عملوا كده في مريم..كل بنت لازم تمشي حاسة بالأمان ومافيش اي مبرر لا لبس ولا شكل ولا اي حاجة للتحرش والسحل والجرايم البشعة دي..حسبي الله ونعم الوكيل منهم لله..مريم خلاص راحت لرب كريم رحيم..ربنا يصبر اهلها وينتقم من اللي قتلوها #فتاة_المعادي #حق_مريم pic.twitter.com/6LoNmY2Aq2
— Engy Alaa (@engyalaa) October 14, 2020
أما الفنانة رانيا يوسف، فكتبت على صفحتها الرسمية: «مليون مره نقول التحرش عقوبته لازم تبقى الإعدام!! مريم بنت مصرية لسه في عز شبابها وملابسها أعتقد لا تخدش حياء نظريات اللباس هو السبب».
(1)
مليون مره نقول التحرش عقوبته لازم تبقا الاعدام!!
مريم بنت مصريه لسه في عز شبابها وملابسها اعتقد لا تخدش حياء نظريات اللبس هوه السبب#حق_مريم_فين#فتاة_المعادي— Raniah Yousief (@RaniahYousief) October 14, 2020
** ألقتهما في النهر
والجمعة الماضي، ضجت منصات التواصل العراقية بمقطع فيديو سجلته كاميرات مراقبة لامرأة كانت تحمل طفلا وتجر بيدها آخر، وهي تسير فوق جسر الأئمة الرابط بين منطقتي الكاظمية والأعظمية في العاصمة بغداد.
وعندما وصلت المرأة إلى منتصف الجسر ألقت بالطفلين واحدا تلو الآخر في مياه نهر دجلة، في مشهد صادم أثار ردود فعل غاضبة واسعة النطاق على مستوى البلاد وخارجها.
جريمة بشعة هزت العراق..
أم تلقي بطفليها في نهر دجلة.. ما السبب؟ pic.twitter.com/TB43q8Yw2q— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 18, 2020
وتداول عراقيون ووسائل الإعلام المحلية المقطع المصور على نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضية، وسط تعليقات من المدونين على منصات مواقع التواصل بإنزال أقصى العقوبات بحق الأم.
وحتى ظهر الثلاثاء، ما زالت الطواقم المتخصصة تواصل البحث عن جثة الطفل، وفق حديث الملازم في نجدة بغداد فاضل الحميدي، للأناضول، الذي أكد انتشال جثة الطفلة البالغة من العمر ثلاث سنوات.
وتحت وسم «#جريمة_دجلة» تفاعل مغردون، معبرين عن صدمتهم من الجريمة، كما أن حجم التفاعل تصاعد إلى خارج حدود العراق، على غرار جريمتي المعادي والزرقاء.
وكتب المدرب والمستشار الأكاديمي الإماراتي نواف الشحي على تويتر، أن «الأم ملاذ لأطفالها حين تضيق بهم الحياة، والأب سند ووتد للأبناء من مكر الدنيا. ومع ذلك، بعض النساء للأسف لا يستحقن لقب الأم».
الجنة تحت أقدام الأمهات (الصالحات )
الإنجاب لايكفي، فالبهايم تنجب.
الأم ملاذ لأطفالها حين تضيق بهم الحياة. والأب سند ووتد للأبناء من مكر الدنيا. مع ذلك، بعض النساء للأسف لا يستحقن لقب الأم، مثلما هناك بعض الآباء لا يستحقوا لقب الأب.— نواف الغانم (@8gIZgYJhMaLsVze) October 20, 2020
أما السوري أدهم خنجر، فلم يستطع أن يجد مبررا لهذا الفعل، وقال على حسابه بتويتر: «تخطر دائما ببالي فكرة أن المجتمعات المأزومة ماذا ستنتج أكثر من أفراد مفترسين نفسيا وجسديا؟».
#جريمة_نهر_دجله
لم أستطع الى الان ان اجد مبررا لهذا الفعل ، إنما تخطر دائما ببالي فكرة ان المجتمعات المأزومة ماذا ستنتج اكثر من افراد مفترسين نفسيا و جسديا لعل الزومبي هو الاخف شناعة مما نعيشه حاليا ..
ملاحظة : ازرع العديد من الازمات تحصد الكثير من الجرائم pic.twitter.com/YEWJKGSGhF— ادهم خنجر (@adhamkhanjar66) October 19, 2020
وكتب وليد المحيميد من السعودية على تويتر: «لا حول ولا قوة إلا بالله. سيشهد نهر دجلة (في العراق) تلك الحادثة أمام الله. جرائم خلفها الإنسان ولن ينساها التاريخ».
لاحول ولا قوة الا بالله 💔
سيشهد نهر دجله تلك الحادثة امام الله
جرائم خلفها الإنسان ولن ينساها التاريخ #جريمه_نهر_دجله pic.twitter.com/Z5Enzfqvxq— وليد المحيميد (@alwaled_1661) October 20, 2020
** التفات إلى تصاعد العنف
مها الحسيني، المديرة التنفيذية لمؤسسة «إمباكت» الدولية لسياسات حقوق الإنسان «مقرها لندن»، علقت، للأناضول، على الجرائم الثلاث ودلالتها على المجتمعات العربية.
وقالت إن «السلطات في العالم العربي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، للالتفات إلى تصاعد العنف المجتمعي ومعالجته بقوانين رادعة، عوضا عن سن القوانين التي تخدم بقاءها في الحكم والحد من حريات الرأي والتعبير».
ورأت الحسيني أن تصاعد العنف في المجتمعات العربية بدأ منذ عقود، خاصة داخل المنغلقة منها، لكن الفارق اليوم هو دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.
وأضافت أن الإعلام ساعد في تسليط الضوء على تلك الجرائم والحديث عنها، وبالتالي رفع الوعي بها وإعلام الجمهور عنها بعد أن كانت تبقى غير معلنة.
وأشارت إلى أن «المنطقة العربية اليوم تشهد أكثر فترة سوءا من حيث تصاعد العنف سواء على الصعيد السياسي، أو حتى الاجتماعي الذي يتأثر بدوره بالوضع السياسي العام والنزاعات المسلحة».
الحسيني قالت أيضا إن «المواطن العربي يعيش حياة يومية واقعها العنف، بينما الأمن والسلام يكاد يكون نادرا في معظم المجتمعات».
واعتبرت أن «تصاعد تلك الجرائم بشكل غير المسبوق تلعب فيه قوانين تلك البلدان دورا رئيسا، حيث يفرض القانون عقوبات مخففة على بعض الجرائم التي تُحدث إعاقات طويلة الأمد أو تتعدى على حق الأفراد في الحياة بشكل فاضح».
وضربت مثالا على حادثة «فتى الزرقاء»، إذ يقضي قانون العقوبات الأردني في مادته 335 بأنه «إذا أدى الاعتداء إلى إعاقة دائمة أو تشوه، يعاقب الفاعل بالأشغال المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنوات»، وهو ما يعد حكما مخففا.
الأناضول