قالت صحيفة «ديلي تلجراف» إن رحلات ماكرون المتكررة إلى لبنان والعراق أثارت شكوكا من محاولة فرنسا إحياء «السياسة العربية» أو العلاقة الخاصة مع العالم العربي.
وأضافت الصحيفة في تقرير ترجمته «عربي21»: «في الوقت الذي بدأت فيه محاكمات المتواطئين في هجوم «تشارلي إيبدو» عام 2015 طار ماكرون إلى بيروت، في زيارة ثانية للعاصمة اللبنانية التي شهدت انفجارا ضخما قتل فيه 190 شخصا ودمر نصف المدينة، وحصل على وعد من النخبة السياسية التي فقدت مصداقيتها لإجراء إصلاحات سريعة أو مواجهة جفاف في الأموال، وأسوأ من هذه العقوبات. ثم طار الرئيس البالغ 42 عاما إلى بغداد حيث شدد على أهمية تأكيد البلد سيادته على أراضيه وسط التوتر الأميركي-الإيراني وزيادة التدخلات التركية».
وبحسب الصحيفة، فقد كان الرئيس تشارلس ديجول أول من أقام علاقات خاصة مع الدول العربية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، خاصة بعد نهاية الحرب الجزائرية وفي محاولة منه لمواجهة ثقل ألمانيا والمحور الأميركي-البريطاني العابر للأطلنطي.
وتابعت: «كان جاك شيراك من أهم من دعموا وعززوا العلاقات مع الدول العربية، خاصة صدام حسين، وأغضب الولايات المتحدة بمعارضته للغزو عام 2003. وكان نيكولاي ساركوزي منخرطا في علاقات مع الدول العربية على خلاف خليفته فرانسوا هولاند».
وأردفت: «في ظل تراجع التأثير الأميركي في المنطقة وتركيز بريطانيا على مشاكلها الداخلية وملف الخروج من الإتحاد الأوروبي، قدم ماكرون نفسه على أنه القيادي الحامل للمشعل في المنطقة. ويبدو أن رهانه الخطير نجح في لبنان».
وأشارت إلى أن زيارته الأولى التي جاءت في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس استقبل استقبال الأبطال وبعريضة وقعها 60 ألف لبناني تطالب بعودة الانتداب الفرنسي على البلد، وهو الدور الذي تخلت عنه عام 1943. وفي عودته الثانية لم تكن زيارته ناجحة كما توقع.
ورأى الكثيرون، وفقا للصحيفة، أن زيارته التي تزامنت مع توافق النخبة السياسية على رئيس وزراء جديد هي موافقة على هذه النخبة المتهمة بالفساد الكبير، رغم تأكيده على عدم العودة إلى نظام المحاصصة الطائفية. واستطاع الحصول على تعهدات بتشكيل حكومة «فاعلة» والقيام بإصلاحات شفافة خلال شهرين وذلك حتى يقدم صندوق النقد الدولي حزمة إنقاذ للبلد وإجراء انتخابات في غضون عام.
ومع أن هذه التعهدات تعتبر واعدة إلا أن أغنيس لافلوا، نائب مديرة المعهد المتوسطي إريمو قالت إن النخبة السياسية هي «قضية خاسرة».
وأضافت: «يرغب القادة بإظهار أدنى قدر من حسن النية حتى يبدأ الدعم بالتدفق مرة أخرى ثم يعودوا للمخادعة»، مستطردة: «لكن هذه المرة لن يكون هناك صك مفتوح، وربما فرضت عقوبات على عدد من الأفراد. ومن المتوقع، بحسب الصحيفة، أن يعود ماكرون مرة ثالثة في ديسمبر».
وطار الرئيس الفرنسي إلى العراق في أول زيارة له، حيث أقامت باريس علاقات طويلة لكنها خسرت كل التأثير بعد الغزو الأنجلو-أميركي. وهو أول زعيم كبير يزور العراق منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في مايو وأكد على أهمية دفاع العراق عن «سيادته» وهاجم تركيا و«تدخلها» المتكرر فيه.
وكشفت استطلاعات الرأي أن مغامراته في الشرق الأوسط أسهمت في زيادة شعبيته إلى جانب نجاحه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتمرير حزمة بـ 750 مليار يورو لتعافي الاقتصاد الأوروبي من تداعيات كوفيد-19.
وعادة ما لا تترك السياسة الخارجية أثرا على شعبية الرئيس في فرنسا، لكن التفجيرات والعمليات الإرهابية التي نفذت في فرنسا وتم التخطيط لها في العراق وسوريا أكدت على أهمية الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط على الأمن القومي.
وقال مارك سيمو، المحرر الدبلوماسي في «لوموند» إن «خبطات» ماكرون الخارجية أثارت انتباه الرأي العام الفرنسي لكنها لم تحقق الكثير.
وقال إن «لديه حدسا قويا وقدرة على التواصل ولكن علينا الاعتراف بأن لديه القليل ليظهره» و أنه «بالغ في صداقته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يتوقف عن سياسة أميركا أولا والتقارب من فلاديمير بوتين، كما أنه عالق في الساحل، ولا قوة لها في العراق وخارج اللعبة في سوريا».
وتابع: «هناك ما أنجزه داخل الاتحاد الأوروبي إلا أنه معزول داخل الكتلة في مواجهته مع تركيا التي وصفت بالتصرف الهستيري، فهو في خلاف معها في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط».
وقال سيمو: «يوبخ ماكرون الرئيس أردوغان وتبنى لهجة عسكرية ولكن الذي يقوم في النهاية بالعمل الشاق هم الألمان».
ويرى الخبراء أن محاولات ماكرون تبني موقفا ديغوليا لن ينجح وربما ارتد سلبا. ويقول السفير الفرنسي السابق في تونس إيفو بانديلا ماسوزييه: «يقرع ماكرون طبل التعددية ولكنه يتصرف بطريقة فردية وهو معزول على المسرح الدولي اليوم».
وقال ماسوزييه: «وحتى في لبنان الذي تتمتع فيه فرنسا بتأثير، فإنه لا شيء يمكن عمله بدون الأميركيين، ولا نتصور تحرك حزب الله في وقت تتعرض فيه إيران للعقوبات الأميركية ولهذا فإن علينا انتظار نتائج الانتخابات الأميركية».
ويقول ديديه بيليون، مدير معهد «آيريس» إن ماكرون قد يطلق النار على قدمه لو لم يكن قادرا على التحكم بأسوأ خصاله: «الغرور».