بعد أسبوع من الهجوم على معسكر للجيش في قرية رابعة، شمال سيناء، الثلاثاء الماضي، تشهد قرى «قاطية» و«إقطية» و«الجناين» و«المريح»، التابعة لمدينة بئر العبد، نزوح الكثير من سكانها خلال اﻷيام الماضية، إثر تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار مسلحي تنظيم «ولاية سيناء» بشكل لافت داخل القرى اﻷربعة، وقيامهم باختطاف مواطنين وقتل ضابط صف بالقوات المسلحة يقطن في إحداها.
وحسب تقرير نشره موقع مدى مصر، أغلقت القوات المسلحة الطريق المؤدي لقرية قاطية، ومنعت الدخول والخروج منها إلا على اﻷقدام فقط، مع إغلاق الطريق الدولي الساحلي القنطرة/ العريش، أمام مدينة بئر العبد، فيما يشهد محيط القرى اﻷربعة حاليا قصفا شديدا تتخلله أصوات اشتباكات.
وكان التنظيم قد أعلن، الجمعة الماضي، مسؤوليته عن الهجوم على معسكر رابعة، قائلا إنه أسفر عن مقتل 40 وإصابة 60 من القوات المسلحة، فيما نقلت مصادر محلية لـ«مدى مصر»، أن ظهور أفراد التنظيم في القرى اﻷربعة القريبة من «رابعة» بدأ مع هجوم الثلاثاء، حيث انسحب المسلحون تجاه تلك القرى، وخاصة «قاطية» و«إقطية»، واستقروا فيها وزرعوا عبوات ناسفة على جميع مداخلها، وأنزلوا العلم المصري الذي كان مرفوعا على سارية في ميدان يتوسط تلك القرى، ورفعوا بدلا منه رايتهم السوداء.
أحد سكان «قاطية» قال إن الظهور اﻷول ﻷفراد التنظيم في قريته كان قبل قرابة ثلاث ساعات من بدء الهجوم على معسكر «رابعة»، وإنهم دخلوا القرية من جهة الجنوب بواسطة حوالي 10 سيارات نصف نقل و15 دراجة نارية، وكانوا جميعا مسلحين، وظهر بصحبتهم عدد من النساء، قبل أن ينتشروا في القرية ويتمركزوا داخل مدرسة الزراعة الثانوية وحولها، التي حولوها لاحقا لمستشفى ميداني.
وكان بيان المتحدث العسكري للقوات المسلحة، الثلاثاء الماضي، قد قال إن قوات تأمين المعسكر بالتعاون مع القوات الجوية قد قامت بعد إحباط الهجوم، بمطاردة المهاجمين داخل إحدى المزارع وبعض المنازل غير المأهولة، ما أسفر عن مقتل 18 منهم، بينما أسفر الهجوم عن مقتل عسكريين. فيما قالت مصادر طبية ومحلية إن مدنيا قُتل وأصيب ثلاثة آخرون في الهجوم.
مصدر من سكان قرية رابعة كشف لـ«مدى مصر» تفاصيل مقتل المدني الوحيد خلال الهجوم، موضحا أن القتيل يقيم في عمارة بالقرب من المعسكر كان يتمركز أعلاها أفراد من الجيش، وعندما حاول المسلحون الصعود إليها حاول منعهم بالقوة، فأطلقوا عليه الرصاص.
أما داخل الأربع قرى التي انسحب لها المسلحون، فكان الوضع مرعبًا، على حد وصف الأهالي الذين تحدثوا لـ«مدى مصر»، حيث حاول المسلحون في البداية استمالة السكان، وقاموا بتوزيع الحلوى على الأطفال، وأعدوا وليمة في قرية قاطية دعوا الأهالي لها، وقالوا لهم إن معركتهم ليست معهم ولكنها مع الجيش، وطالبوهم بقضاء مصالحهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بينما طلب مسلحون من بعض الشباب الذين كانوا يدخنون السجائر إطفاءها ﻷنها حرام، بحسب المصادر.
ويبلغ إجمالي سكان القرى اﻷربعة، ثمانية آلاف و895 نسمة، بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، منتصف 2016، بواقع 3155 نسمة في قرية قاطية، و2550 في إقطية، و825 في الجناين، و2365 نسمة في قرية المريح.
المصادر أضافت أن عناصر التنظيم، خلال تجولهم في القرى بسيارتهم التي ترفع أعلامهم السوداء، كانوا يعرضون توصيل الأهالي لأي مكان داخل حدود القرى التي ينتشرون فيها، فيما أعلنوا أن المستشفى المقام في مدرسة قاطية به أطباء يمكنهم الكشف على مرضى اﻷهالي.
لكّن الوجه الطيب للمسلحين لم يستمر طويلا، إذ بدؤوا في إقامة كمائن على مداخل القرى وفي بعض شوارعها، كشفوا خلالها على هويات المواطنين، وحين اكتشفوا في أحد تلك الكمائن عند مدخل «قاطية»، الجمعة الماضي، وجود ضابط صف من القوات المسلحة في أحد سيارات اﻷجرة، أنزلوه وقتلوه في الحال، وهو أحد سكان القرية، بحسب المصادر.
وبدايةً من الثلاثاء الماضي، اختطف مسلحو التنظيم أربعة مواطنين، اثنان منهم من قرية المريح، وواحد من قاطية، والرابع من رابعة، والذين أفرج عنهم لاحقا، فيما استولى المسلحون على سيارتين نصف نقل تخصان الأهالي، وتركوهما لاحقًا غارقتين في الدماء، بعدما نقلوا فيهما جرحاهم الذين أصيبوا خلال هجوم الثلاثاء، إلى المستشفى الميداني، في مدرسة قاطية الثانوية الزراعية، والذي نقلوا له محتويات نقطة إسعاف القرية، ومستشفى آخر صغير، وصيدلية، كما قام المسلحون بفتح محال البقالة التي هجرها أهالي القرى أو أغلقوها، وأخذوا منها بعض اﻷغراض تاركين أموالا في المقابل.
وبخلاف الكمائن والاستيلاءات، قام عناصر التنظيم بزرع عدد كبير من العبوات الناسفة على جوانب الطرقات، والتي لم يسلم منها الأهالي، حيث أصيب خمسة من السكان إثر انفجار عبوتين ناسفتين واحدة في قرية المريح، والأخرى بالقرب من معسكر القوات المسلحة في قرية رابعة، وبحسب مصادر طبية ومحلية، نُقل المصابون إلى مستشفى بئر العبد في حالة مستقرة، فيما استخدم المسلحون العبوات الناسفة لتفجير ضريح باسم «الشيخ كتان»، في قرية إقطية، مساء أمس.
أما في حي «السبيل»، جنوبي «رابعة»، والمتاخم للقرى، فتمركز عدد من مسلحي التنظيم أسفل عمارات الأهالي واعتلوا أسطحها، فيما لفتت اﻷهالي الذين تحدثوا لـ«مدى مصر»، ممن تعاملوا بشكل مباشر مع المسلحين، أن هيئة اﻷخيرين ولهجتهم تُشير إلى أن بعضهم من قبائل المحافظة، وآخرين من «الدلتا»، وكانت لهجة بعضهم قاهرية، وأن أشخاصا من بينهم كانت لهجتهم شامية وقليل منهم «بيتكلموا عربي مكسر»، بحسب وصف الأهالي.
وكان بيان «ولاية سيناء» الذي أعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم على معسكر رابعة قد أشار إلى أن من نفذ الهجوم بواسطة السيارات المفخخة هما: «أبو سند الأنصاري»، و«كرار المقدسي»، وتشير كُنية الأنصاري عادة إلى أنهم من أبناء محافظة شمال سيناء، أما المقدسي فتُشير إلى أنه فلسطيني الجنسية.
وبحسب سكان في بئر العبد، تحدثوا لـ«مدى مصر»، فإن موجات النزوح من القرى اﻷربعة، والتي كانت مستمرة حتى إغلاق القوات المسلحة الطرق، اليوم، كانت قد بدأت الخميس الماضي، في ظل الانتشار الكثيف للمسلحين، وإقامتهم كمائن فتشوا فيها اﻷهالي، في الوقت الذي كانت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات مفصولة عن تلك القرى بشكل كامل، قبل أن تعود شبكة المحمول للعمل بشكل متقطع بدءًا من الجمعة.
وبحسب اﻷهالي، حمل السكان النازحون ما استطاعوا من أثاث وملابس ومستلزمات في عشرات السيارات النصف نقل، تحركت في اتجاه قرى «6 أكتوبر»، و«رمانة»، و«بالوظة»، و«الشهداء»، و«الأحرار» و«الخربة»، ومن لم يملك ثمن أجرة السيارة لجأ إلى الرحيل على ظهر عربات كارو إلى أقرب قرية آمنة، فيما لا يزال بعض النازحين يفترشون الطريق الدولي «القنطرة شرق/العريش» المار بمدينة بئر العبد، وكذلك الطرق المؤدية للقرى الواقعة على الطريق.
أحد سكان مدينة بئر العبد قال لـ«مدى مصر» إنه ذهب السبت الماضي بصحبة أقارب له لنقل أثاث منزلهم من قرية قاطية، وإنه شاهد ثمانية مسلحين، أعمارهم صغيرة، يقيمون كمينًا على مدخل القرية، بخلاف كمين آخر شاهده على مدخل قرية «الهميصة» جنوب المدينة، بالقرب من ترعة السلام، فيما لاحظ وجود منازل منهارة في قاطية، على اﻷغلب بفعل سقوط قذائف عليها، فضلًا عن سيارة متضررة للغاية وعليها آثار تفجير في طريق رئيسي بالقرية.
وبخلاف من نزحوا إلى داخل المحافظة، حاول عدد من اﻷهالي الخروج من شمال سيناء بعبور قناة السويس نحو محافظات الإسماعيلية والشرقية، عبر نفق الإسماعيلية الجديد ومعدية السيارات على القناة، غير أنهم فوجئوا، أمس، بأن قوات تأمين تلك المنافذ تمنعهم من العبور، وتطالبهم بالعودة، وهو ما لم يحدث في اﻷيام السابقة، بحسب المصادر.
وبخلاف الرعب من انتشار المسلحين، واحتمالية التعرض للقصف أو الإصابة أثناء اشتباك القوات المسلحة مع أفراد التنظيم، لفت الأهالي الذين تحدثوا لـ«مدى مصر»، إلى أن بعض أصحاب سيارات النقل استغلوا حاجة الأهالي للنزوح المفاجئ، ورفعوا أسعار النقل من 800 جنيه في المتوسط، إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه أحيانًا، في حين لا يجد بعض اﻷهالي سيارات تنقلهم هم ومستلزماتهم، بسبب عدم وجود وقود كافٍ للقيام بكل تلك الرحلات، في ظل المنظومة المفروضة على محطات الوقود في شمال سيناء، منذ العملية الشاملة «سيناء 2018»، والتي لا تسمح لكل سيارة سوى بعدد لترات محدد كل أسبوعين.
أما أهالي قرى بئر العبد اﻷبعد عن مناطق انتشار التنظيم، في اتجاه الغرب، فيخشون من أن تتعرض قراهم ﻷزمة غذاء، نتيجة الأحداث التي تشهدها القرى اﻷربعة الجنوبية، التي تعد سلة غذاء بئر العبد ومصدر معظم الخضروات ومنتجات اﻷلبان فيها.
وبحسب سكان في تلك القرى الغربية، فإن أسواقها اﻷسبوعية التي أقيمت خلال الأيام القليلة الماضية شهدت بالفعل وجود أنواع وكميات محدودة جدًا من الخضروات، وبأسعار مرتفعة للغاية.
من جانبها، أعلنت محافظة شمال سيناء عن تشكيل لجنة لحصر ممتلكات الأهالي التي تضررت جراء الأحداث الجارية في مدينة بئر العبد، مع صرف مساعدات عاجلة للمتضررين، وتوفير أماكن لإقامة «المضارين» من العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى تشكيل فريق لتوزيع مساعدات على المضارين بقرى: رابعة والجناين والمريح وقاطية وإقطية، وحصر الأسر التي أضيرت تمهيدًا لصرف تعويضات.
ولاحتواء أعداد الأسر النازحة، القادمة من القرى الجنوبية، أفاد مصدر مسؤول في ديوان عام المحافظة أنها، وبالتعاون مع مجلس مدينة بئر العبد، قامت بتجهيز ست مدارس ومعهد أزهري لاستقبال الأهالي، موزعة على مركز وقرى المدينة وهي: مدرسة رمانة الإعدادية، ومدرسة بئر العبد الصناعية بنات الجديدة، مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية، وعاطف السادات الإعدادية بقرية 6 أكتوبر، ومدرسة الشهداء الابتدائية، ومدرسة كمال العو برمانة، ومعهد رمانة الأزهري، بالإضافة إلى المبنى الإداري الملحق لمجلس مدينة بئر العبد، ووحدتين إداريتين بحي الغزلان، وبحسب المصدر تم تجهيز تلك الأماكن بـ270 بطانية و50 مرتبة.
بدورهم، كان للطلاب نصيب من تدهور الأوضاع الأمنية، حيث أعلنت المحافظة تغيير مقر امتحانات الصف الثالث الثانوي الزراعي، التي كانت مقررة السبت الماضي، من مدرسة قاطية الثانوية الزراعية، إلى مدرسة سالمان اليماني في قرية نجيلة.
وعلى بعد 80 كيلو مترا شرقي بئر العبد، كان لمدينة العريش نصيب من تدهور اﻷوضاع، بعد أن انقطعت إمدادات المياه عن المدينة منذ الثلاثاء الماضي، وتبين بعد ذلك أن السبب هو انفجار خط المياه المغذي للخزان العالي للمدينة، نتيجة الاشتباكات التي وقعت أثناء الهجوم على معسكر الجيش في قرية رابعة.
ونشرت شركة مياه الشرب والصرف الصحي في شمال وجنوب سيناء، بيانا وصورا لعملية الإصلاح والتي أظهرت تضرر أنبوب المياه بالكامل في أكثر من موقع.