للمرة الأولى، كشفت جماعة الإخوان المسلمين تفاصيل وأبعاد قرارها الذي اتخذته سابقا بخوض انتخابات الرئاسة عام 2012، وذلك بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، والتي ستحل بعد أيام قليلة.
ونشرت «عربي21» دراسة أعدّها موقع «رسالة الإخوان»، التابع للجماعة، بعنوان «الجماعة والانتخابات الرئاسية في مصر في عام 2012».
ولفتت الدراسة إلى أنه «تم اجتماع مجلس شورى الجماعة في 10 شباط/ فبراير 2011 في مقر نواب الجماعة في منطقة جسر السويس بشرق القاهرة، واتخاذ قرار بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية ثم التأكيد عليه في مجلس الشورى العام المنعقد بتاريخ 29، 30 أبريل 2011 بأننا لن نرشح أحدا لرئاسة الجمهورية، ولن نؤيد أحدا من الإخوان إذا رشح نفسه».
«مواصفات مرشح الإخوان»
وذكرت أن «الجماعة وضعت شروطا حاكمة ومجموعة من المواصفات المناسبة لتأييد المرشح الأفضل والأنسب للمرحلة القادمة، وهي ألا يكون المرشح من الجماعة أو خالف قرارهم بعدم الترشح، وأن يكون صاحب كفاءة، وألا يعادي المشروع الإسلامي ولا يتصادم مع الفكرة الإسلامية، ويقبل التعاون مع الإخوان، وليس من أركان النظام السابق وغير متورط في الفساد، ولديه قبول سياسي وشعبي وصاحب سيرة ذاتية تسمح له بالتفاف الأطراف المختلفة حوله، ولا يقبل الإقصاء لأي اتجاه، وأن يكون له قبول خارجي وداخلي شعبي وتوافق مجتمعي، وقادرا على التعامل مع طبيعة المرحلة المقبلة».
وبجانب مواصفات المرشح الذي تتمناه الإخوان، حدّدت الجماعة عددا من الأهداف التي تستهدفها في العمل السياسي في تلك المرحلة أهمها: «الحصول على أغلبية في البرلمان منفردة أو بالتحالف مع بعض القوى السياسية التي بقيت متحالفة مع الإخوان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع آخرين في حالة الحصول على أغلبية برلمانية، وإنجاز دستور يحمي أهداف الثورة ويحقق طموحات الشعب وفيه الإشارة لهوية الأمة الإسلامية، وبناء مؤسسات الدولة (مجلسي الشعب والشورى – الحكومة – الرئاسة – الدستور – المحليات)، والتوسع في الانتشار في المجتمع وإظهار الهوية وفتح المقرات وتنشيط الحزب، وتحقيق الاستقرار والأمن، وإنجاز حلول لمشاكل ملحة، وحشد المجتمع للبذل من أجل مشروع النهضة وتجاوز العقبات».
«إفشال التحول الديمقراطي»
وأضافت الدراسة: «بعد تنحي رأس النظام السابق (مبارك)، وبدأت مصر تتنسم الحرية، حرصت الجماعة على إفشال المحاولات العديدة لتعويق التحول الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة، بدءا من استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية، والذي قال الشعب فيه كلمته بالموافقة بنسبة 77%، ثم ما أثير من دعاوى الدستور أولا والمبادئ الحاكمة للدستور، والتي نجحت الجماعة مع غيرها من القوى الوطنية في إبطالها والتوافق مع المجلس العسكري على خريطة طريق لبناء مؤسسات الدولة ونقل السلطة إليها من المجلس، والتي تم الإعلان عنها».
وأضافت: «في مقابل ذلك استمرت القوى المسيطرة على الوضع بالبلد، في خطواتها وخطتها في إثارة المشكلات مثل الاختلاف على الكيفية التي تُجرى بها الانتخابات النيابية هل بالقوائم أم الفردي، والتي نجحت الجماعة كذلك بالتوافق مع القوى السياسية والحزبية والمجلس العسكري في حضور ممثلي المحكمة الدستورية العليا على التوصل لإجرائها على أساس نسبة الثلثين للقوائم والثلث للفردي».
وتابعت: «ثم استمرت محاولات هذه القوى بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، والتي أظهرت بوضوح انحياز الشعب للخيار الإسلامي؛ فبدأت محاولات تعويق أداء مجلسي الشعب والشورى عن طريق عدم تنفيذ قراراتهما، التباطؤ الشديد والعجز المصطنع في أداء الحكومة، حتى وصل الأمر إلى ما نسميه تجريف مقدرات البلاد ومحاولات إحداث عدم الاستقرار من انفلات أمني وأزمات اقتصادية ومعيشية مفتعلة».
واستطردت دراسة الإخوان قائلة: «وصلت الأمور إلى أنه بالرغم من الأداء السيء لحكومة كمال الجنزوري، إلا أن المجلس العسكري أصر ورفض تعديلها أو تغييرها، بالرغم من مُطالبة البرلمان بذلك بعد عمل تقييم لأدائها الذي أثبت أداءها المتدني على كل المستويات».
«لقاء العسكري والإخوان وحكومة الجنزوري»
وكشفت عن «لقاء شهير بين ممثلي الجماعة وممثلي المجلس العسكري، عرض المجلس في هذا اللقاء قبول تغيير الحكومة شريطة ألا يأتي أحد من الإخوان ولا مرشح منهم لرئاسة الوزراء، وألا يكون في الحكومة أحد ممن يختاره الإخوان للوزارات السيادية ولا للوزارات المهمة، وإنما يقبلون بعدد محدود من الوزارات الخدمية، ورشح المجلس العسكري محمد البرادعي أو عمرو موسى لرئاسة الوزراء».
واستطردت قائلا: «في هذا اللقاء كذلك، هدّد كمال الجنزوري ممثلي الجماعة بأن قرار حل مجلس الشعب جاهز للإصدار في درج المكتب، وأنه سيتم بعد ذلك انتخابات جديدة، ولن يسمحوا للإخوان بالحصول على نسبة فيها مهما كانت الظروف، وأن ذلك سيسري بعدها على مجلس الشورى».
وأردفت: «تصاعدت هذه المحاولات مع تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور الأولى والثانية، حيث بدأ شن الحملات الإعلامية على الجمعية وعلى عملها والتشكيك في كيفية اختيارها، المصحوبة بتشويه أداء البرلمان والتيار الإسلامي. وهنا اتضح للجماعة أن المجلس العسكري يريد أن يعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر، ثم يشكل النظام الذي يريده، وهكذا أصبح هناك تهديد حقيقي للثورة ولعملية التحول الديمقراطي والمشروع الإسلامي».
وأوضحت أنه كان هناك «رفض مُتعمد لتشكيل حكومة مُعبّرة عن إرادة الشعب برغم الفشل الذريع للحكومة، واستحالة الاستجابة لهذا الأمر خلال الفترة القادمة لتفويت آخر موعد للترشح للرئاسة، وهو 8 أبريل 2012، فضلا عن التلويح والتهديد من رئيس الوزراء شخصيا بحل مجلسي الشعب والشورى، والذي دخل حيز التنفيذ بعد إصدار المحكمة الدستورية بيانا يوم 28 مارس 2012 في هذا الصدد، مما كان ينذر بإجهاض الإنجاز الوحيد الذي تم حتى الآن».
وأشارت إلى أنه تم «الدفع بمرشح رئاسي أو أكثر من بقايا النظام السابق، ودعمهم من فلول الحزب الوطني ورجال الأعمال الفاسدين، وتزامن مع ذلك محاولات إعاقة الجمعية التأسيسية وإثارة الجدل حولها، وذلك بهدف تعويق إعداد الدستور في مدة قصيرة ثم الإعلان عن حجز القضية المتعلقة بالجمعية التأسيسية للحكم يوم 10 أبريل 2012».
ولفتت دراسة الإخوان إلى «فشل كل محاولات الجماعة بإقناع أحد الشخصيات الوطنية، والتي تتمتع بقبول شعبي في قبول الترشح للرئاسة، رغم وعود الجماعة بتبني هذا الترشيح، وأن أسهم نجاح هذا المرشح ستكون عالية».
«لقاء مرسي والمجلس العسكري»
ونوّهت إلى ما وصفته بألاعيب المجلس العسكري المستمرة لإعاقة الجماعة عن التعامل مع هذه المستجدات.
واستشهدت بعدة وقائع أهمها: «دعوة المجلس العسكري لرئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي أثناء انعقاد مجلس شورى الجماعة لبحث الموقف السياسي العام في البلاد، وبحجة أنه يريد أن يبلغه بقرارات مهمة، ولكنه منذ انصراف الدكتور مرسي من اجتماع مجلس الشورى ووصوله إلى المجلس العسكري من صلاة الظهر وحتى ميعاد صلاة العشاء لم يتلق أية قرارات أو إجابات على أسئلة الجماعة».
وأضافت: «لقد أبلغ الدكتور مرسي المجلس العسكري في هذا اللقاء أن الجماعة ربما تكون مضطرة لتغيير القرار الذي اتخذته بعدم تقديم مرشح منها في ضوء مواقف المجلس والحكومة. وإزاء هذا الموقف اضطر مجلس شورى الجماعة لتعليق لقائه لجلسة أخرى بعد يومين في ضوء قرب انتهاء فتح باب الترشح للرئاسة في انتظار أية مستجدات تطرأ».
وتابعت: «ما واجهته جهود الجماعة من جهود مضادة انتقلت من مرحلة إلى أخرى لتعويق المسار الديمقراطي وانتقال السلطة وفق الإرادة الشعبية، بالرغم من كل محاولاتها وبشتى الطرق الوصول إلى كلمة سواء وتحمل كل الأطراف مسؤوليتهم التاريخية، والسعي إلى التوافق مع كل القوى السياسية والحزبية، والتي لم تقابل إلا بالتسويف والإرجاء. أصبحت معركة الرئاسة معركة حاسمة ومفروضة على الجماعة، لكي تقطع الطريق على المخططات المضادة، ولتتمكن من إعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد، وحماية للدعوة مما يُدبر لها».
واستطردت قائلة: «زاد من شدة هذا الإلزام على الجماعة لاتخاذ موقف، أنه وفق تصور الجماعة السابق، للبحث عن شخصية مناسبة لدفعها للترشح، فإن الشخصيات التي وقع عليها الاختيار، رفضت وبشدة خوض غمار معركة الرئاسة رغم الإلحاح الشديد والمتكرر معها في هذه الظروف التي رأتها غير مواتية لها».
وأشارت إلى أن «الإخوان قاموا حينها بعمل دراسة لكل من تقدم بالترشيح من غيرهم، انتهوا معها إلى عدم مناسبتها لتحقيق أهداف الثورة، وأن مَن له سمة إسلامية منهم، كان من الصعب أن ينجح حتى مع تأييد الإخوان له».
وذكرت أن «دراسة الإخوان أوضحت أن جميع المرشحين الظاهرين لهم موقف عدائي ضد الجماعة أو غير قادرين على تحقيق أهداف الثورة، فأحدهم كان ينتمي للجماعة (عبد المنعم أبو الفتوح) أعلن عن تصوره في حال فوزه أنه مادام للإخوان حزب سياسي، فسوف يعمل على أن تكون الجماعة مجرد جمعية بالشؤون الاجتماعية لا شأن لها بالسياسة. ومن الجدير بالذكر أنه في هذه الأوقات تم رفع عدة قضايا ضد الحزب والجماعة لحظرهما».
وتابعت: «نفس الموقف نادت به الشخصيات العلمانية أو اليسارية الرافضة للإخوان والمعادية لهم، وكان أشد المرشحين – من بينهم- تهديدا للجماعة، الفريق أحمد شفيق الذي كان يقدم نفسه على أنه مرشح الجيش؛ فقد كشف بنفسه عما أعده لضرب الإخوان وإدخالهم السجن بحجة مزعومة هي قتل المتظاهرين، وكان واضحا وقتها أنه هو المرشح الذي يرتبون له للفوز».
«نقطة فاصلة وحاسمة»
وأكملت: «في ضوء كل هذه العوامل والتطورات أصبحت الجماعة أمام نقطة فاصلة وحاسمة: إما أن تتخلى عن الثورة وحرية الوطن، وأن تترك الجماعة لتلقي ضربة شديدة سوف تهلل لها القوى العلمانية وقوى أخرى كثيرة وبحجج مزعومة، ويؤدي ذلك إلى تراجعها وانكماشها إلى درجة أشد من الحال أيام مبارك، وإما أن تتحمل مسؤولية المرحلة».
وقالت دراسة الإخوان: «في ظل الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات المترتبة على وجود مرشح من الجماعة، مع الأخذ في الاعتبار أن الدفع بمرشح إسلامي من غيرنا سوف نتحمل تبعاته ومواقفه دون تحقيق ما نصبوا إليه».
وتابعت: «في ضوء الثقة التي أعطاها الشعب للإخوان، ولحزب الحرية والعدالة في انتخابات مجلسي الشعب والشورى وما ترتبه على الجماعة من أمانات، تتطلب لتحقيقها وجود قوي وفعّال داخل السلطة التنفيذية، وحيث تعذر هذا الوجود، أصبح لزاما على الجماعة ألا تتخلى عن واجبها تجاه تحقيق آمال وطموحات الشعب من خلال السعي للتواجد داخل مؤسسة الرئاسة».
ولفتت إلى أن «مجلس الشورى العام انعقد بحضور نسبة كبيرة من أعضائه 107 أعضاء (تغيب 7 أعضاء فقط) في ثلاث جلسات متتالية على مدار أسبوعين، كل جلسة تمتد لحوالي 7 ساعات، وتمت دراسة كل الاحتمالات ونتائجها، وتكلم أغلب الحاضرين، ثم جاء التصويت بعد استنفاد كل الجهود في الدراسة والشورى، لصالح الدخول بمرشح من الإخوان وتحمل مسؤولية المرحلة وتقدير مصلحة الوطن».
وقالت: «تم اختيار نائب المرشد العام خيرت الشاطر لخوض انتخابات الرئاسة كمرشح رئيسي، ومع التحرز لاحتمال خروج الشاطر من المشاركة بفعل ألاعيب الدولة العميقة التي يمكن أن تستخدم حيلا واعتبارات سياسية تتعلق بسنوات اعتقال الشاطر لإخراجه من السباق الرئاسي، حيث اختار مجلس الشورى في نفس الجلسة ترشيح الدكتور محمد مرسي كمرشح رئاسي بديل في حال استبعاد الشاطر ليخوض الانتخابات، وهذا ما قد كان، فقد مُنع الشاطر من المشاركة السياسية».